لم يكن تخصيص بيان حركة “حماس” عن عملية التبادل للأسرى والرهائن في يومها الثالث، أي أول من أمس الأحد، إشارة إلى الإفراج عن أحد المحتجزين من الجنسية الروسية بلا مغزى في سياق العلاقة بين الحركة وبين موسكو. فالبيان أشار إلى أنّه “استجابة لجهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتقديراً للموقف الروسي الداعم للقضية الفلسطينية، أفرجت الحركة عن أحد المحتجزين من حمَلة الجنسية الروسية”.
الاستدراك الحمساويّ مع موسكو
الأسبوع الماضي زار موسكو للمرّة الثانية وفد قيادي من “حماس” لإجراء محادثات حول مجريات الحرب الإسرائيلية على غزة. وعلم “أساس” من مصادر في موسكو التي وقفت بقوّة ضدّ الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة وسعت في مجلس الأمن من أجل استصدار قرار بوقف إطلاق النار، أنّ الجانب الروسي عاتب الوفد الحمساوي على إعطائه الأولوية للرهائن الأميركيين والغربيين من خلال حصر التفاوض الذي جرى بواشنطن بوساطة قطرية ومصرية. لكنّ وفد “حماس” برّر حصر التفاوض مع الجانب الأميركي بأنّه جاء نتيجة ضغوط واشنطن على الجانب العربي، وإلحاحها على إخلاء سبيل حاملي الجنسية الأميركية من الإسرائيليين. لكنّ المسؤولين الروس ذكّروا قيادة “حماس” بأنّ “نحن حلفاؤكم”.
يبدو أنّ “حماس” استدركت بقرارها الإفراج عن محتجز من حاملي الجنسية الروسية، مقابل إخلاء سبيل أبيغيل إيدان، الطفلة الأميركية – الإسرائيلية الجنسية، البالغة من العمر 4 سنوات.
تنقل الأوساط المطّلعة عن قرب على التحرّك الذي تقوم به موسكو، أنّها مطمئنّة إلى نتائج جهودها مع إيران، وبالتالي الحزب، من أجل الحؤول دون انتقال الحرب إلى الجبهة اللبنانية
إدانة “طوفان الأقصى” لكنّ “حماس” ليست إرهابيّة
في انتظار انكشاف عدد الرهائن الحاملين للجنسية الروسية الذين ستفرج عنهم “حماس”، إذا جرى تمديد الهدنة، فإنّ عملية التبادل الجارية تأخذ طابعاً سياسياً، إضافة إلى جانبها الإنساني، في وقت يتّسم موقف موسكو من التطوّرات في غزة بخصوصية نظراً إلى عوامل عدّة، كما تعبّر عنها الأوساط الدبلوماسية في العاصمة الروسية:
1- أنّ موسكو دانت عملية “طوفان الأقصى” لأنّها ارتكبت خطأ حين تسبّبت بقتل أبرياء مدنيين وأطفال. وقد أبلغت “حماس” بذلك خلال زيارتَي وفدَيها القياديين، في تشرين الأول وفي تشرين الثاني “على الرغم من أنّنا لم نعتبر “حماس” إرهابية”، لكنّها ترفض ممارسات إسرائيل ضدّ الفلسطينيين قبل العملية، المتمثّلة في الحصار والتجويع والاستيطان والقمع.
2- في الوقت نفسه أبلغت إسرائيل التي اعترضت على استقبال وفد “حماس” أنّها على الرغم من إدانتها “طوفان الأقصى” فهي لا تعتبر الحركة تنظيماً إرهابياً. بل إنّ الدبلوماسية الروسية ردّت على الانتقاد الإسرائيلي بأنّ موسكو تتعامل مع تنظيم إرهابي بالقول إنّ الأمم المتحدة لم تصنّفها كذلك، وأنّ إسرائيل نفسها تقوم بمفاوضتها على الهدنة وتبادل الأسرى والرهائن، وهذا بمنزلة اعتراف بالحركة.
إسرائيل لروسيا: موقفكم من الماضي
3- تل أبيب انتقدت إدانة موسكو لقتل جيشها الأطفال والمدنيين، ودعوة وزير الخارجية إلى حلّ الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقال مسؤولون إسرائيليون، حسب المصادر الواسعة الاطّلاع في موسكو، للسفير الروسي في تل أبيب “إنّكم الوحيدون الذين تتحدّثون بحلّ الدولتين، فيما الأمور تسير باتجاه آخر، وموقفكم بات من الماضي، إذ نحن نعمل على التطبيع مع الدول العربية وعلاقاتنا تتحسّن معها”. وكان الردّ الروسي بأن لا حلّ للصراع إلا بالدولتين، وأنّ حديث التطبيع هو لعب على الألفاظ، وإذا كان المقابل هو تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين فإنّه لا يقدّم حلّاً دائماً.
4- القيادة الروسية دانت العملية العسكرية في غزة والتدمير وقتل الأطفال واستهداف المستشفيات، وسعت مرّات عدّة من أجل إصدار قرار بوقف إطلاق النار ووقف استهداف المدنيين في مجلس الأمن، لكنّها جوبهت بالاعتراض الأميركي والبريطاني خصوصاً. وفي السجال مع إسرائيل يقول الدبلوماسيون الروس إنّ الدولة العبرية تتضامن مع أوكرانيا وتنتقد العملية العسكرية الروسية فيها، “في وقت لم يستهدف الجيش الروسي المدنيين والأطفال في هذه الحرب بينما تركّز إسرائيل على قتل الأطفال، وهذا سينتج جيلاً جديداً أكثر تصلّباً وتشدّداً حيال التعايش مع إسرائيل”. وذكّر الدبلوماسيون الروس الجانب الإسرائيلي بأنّ 20 ألفاً من الإسرائيليين الذين يحملون الجنسية الأوكرانية نزحوا من إسرائيل بسبب الحرب الأخيرة بعد 7 تشرين الأول، وعادوا إلى أوكرانيا. وتعتبر موسكو ذلك دليلاً على أنّ روسيا لا تقاتل في أوكرانيا المدنيين وتركّز على مواجهة الإمكانات العسكرية الأوكرانية.
الوفد الوزاريّ العربيّ الإسلاميّ وعتاب لافروف
5- عاتبت موسكو الوفد الوزاري للّجنة المنبثقة عن القمّة العربية الإسلامية حين التقى بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي في إطار جولته على عواصم الدول الكبرى تنفيذاً لقرار قمّة الرياض، بأنّ الدول العربية لم تحصل من الدول الأوروبية والغربية على تفهّم وتأييد أيّ من مشاريع القرارات التي عُرضت على مجلس الأمن من أجل وقف النار في غزة. وسمع الوزراء في موسكو لوماً بأنّ موقف الدبلوماسية الروسية كان أكثر تقدّماً من موقف بعض الدول العربية التي سايرت الموقف الأميركي، ولا سيما في القرار الأخير الذي صدر عن المجلس في 15 تشرين الثاني بخصوص الهدن الإنسانية وإطلاق سراح الرهائن. فموسكو اقترحت تعديلاً عليه بجعل الهدنة الإنسانية “فورية ودائمة”، لكنّها لم تحصل إلا على تأييد خمس دول في المجلس. وتعتبر الدبلوماسية الروسية التي اقترحت إرسال مراقبين لتنفيذ الهدنة الإنسانية، أنّ القرار يميل إلى وجهة النظر الإسرائيلية.
لم يترك المسؤولون الروس المناسبة تمرّ من دون “الشماتة” حين ذكّروا الوزراء العرب بأنّ دولاً عربية وإسلامية حرصت على مراعاة الموقف الأميركي والغربي في شأن أوكرانيا وصوّتت مع قرارات تدين روسيا
6- لم يترك المسؤولون الروس المناسبة تمرّ من دون “الشماتة” حين ذكّروا الوزراء العرب بأنّ دولاً عربية وإسلامية حرصت على مراعاة الموقف الأميركي والغربي في شأن أوكرانيا وصوّتت مع قرارات تدين روسيا، فيما امتنعت أميركا وأوروبا عن الأخذ باقتراحات عربية لتحسين مشروع قرار سابق. وترى موسكو أنّ موقفها أكثر صلابة من الموقف العربي. وما يردّده بعض المسؤولين الروس من أنّ الدول العربية لم تواكب ما أنجزته المقاومة في 7 تشرين الأول كما يجب.
اطمئنان لإيران وقلق من نتانياهو يعتقد المسؤولون الروس وفق من يلتقون بوزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف والذين يتّصلون بالأخير، أنّ مخاطر استئناف الحرب بعد الهدنة الراهنة حسب النوايا الإسرائيلية المعلنة تتطلّب التركيز على الحؤول دون توسّعها بموازاة العمل على تمديد الهدنة الإنسانية تمهيداً لوقف النار الدائم.
تنقل الأوساط المطّلعة عن قرب على التحرّك الذي تقوم به موسكو، أنّها مطمئنّة إلى نتائج جهودها مع إيران، وبالتالي الحزب، من أجل الحؤول دون انتقال الحرب إلى الجبهة اللبنانية. وكان وفد إيراني زار موسكو الأسبوع الماضي. ولم يخفِ مسؤولون روس أنّ زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأخيرة لبيروت الأسبوع الماضي جاءت في هذا السياق.
إقرأ أيضاً: فصل لبنان عن غزّة: نقاط الـ”2006″ السبع بدل الفصل السابع
على الرغم من الجفاء في علاقتها مع إسرائيل نتيجة رفضها الحرب التي تخوضها الأخيرة، لم توقف الدبلوماسية الروسية اتصالاتها مع تل أبيب لتجنّب اندلاع الحرب على جبهة لبنان، إلا أنّ هذا لا يمنع القلق من أن يلجأ بنيامين نتانياهو إلى توريط الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة مع الحزب وإيران. ويبدو أنّ هذا ما انطوت عليه اتصالات بوغدانوف مع كلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس السابق لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@