هل بدأ سباق المئة خطوة بين إيران وإسرائيل للفوز بالتحالف الكبير مع المملكة العربية السعودية؟
لأنّه في حين يدعو مراقبون للتطوّرات الجيوسياسية إلى رصد ما يمكن أن ينتج عن المفاوضات الأميركية السعودية من إمكانية تطبيع العلاقة السعودية الإسرائيلية مقابل تهيئة حكومة تل أبيب لخطوات تقود إلى “حلّ الدولتين”، وحصول الرياض على مساعدة أميركا في بناء برنامج للطاقة النووية بموازاة خطواتها لحفظ أمن الخليج العربي إزاء التهديد الإيراني… ومن أجل فهم ما يجري في بعض الميادين الشرق أوسطية، صدرت إشارات لافتة في الأيام الماضية، تتناول هذا المتغيّر الاستراتيجي المستجدّ الذي أطلقته إدارة الرئيس جو بايدن منذ بضعة أشهر.
يصنّف بعض هؤلاء المراقبين أنّ ما يجري على هذا الصعيد يقود إلى تسابق بين إيران وإسرائيل على علاقة مستقرّة مع المملكة العربية السعودية نظراً إلى دورها المحوري على الصعيدين الإقليمي والدولي. لكنّ هؤلاء يشيرون إلى الصعوبات التي تواجه التقدّم على المسار السعودي الإسرائيلي.
تناقل الإعلام الإسرائيلي خبر وصول وفد من وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الرياض من أجل المشاركة في اجتماعات اللجنة الدولية للتراث الثقافي للأونيسكو، في خطوة هي الأولى من نوعها
يتسرّب القليل من المعلومات عمّا توصلت إليه المحادثات بين واشنطن والرياض، لكنّ الكشف عن زيارات يقوم بها إسرائيليون معنيّون بمجالات الأعمال والطاقة والرياضة والتكنولوجيا لمؤتمرات وفعّاليات تُعقد في المملكة أخذ يعطي هذا المسار طابعاً جدّياً تتأثّر به خطط وتوجّهات سائر دول المنطقة. ووصل الأمر ببعض هؤلاء المراقبين إلى حدّ احتساب هذا المعطى الجديد في رصيد التأثير على بورصة المناخ الإقليمي في أزمة لبنان، تحديداً في إيجاد الحلول لمأزقه الرئاسي.
زيارات إسرائيليّة غير مسبوقة
في الأيام الماضية أُعلنت خطوات عدّة غير مسبوقة:
– تناقل الإعلام الإسرائيلي خبر وصول وفد من وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الرياض من أجل المشاركة في اجتماعات اللجنة الدولية للتراث الثقافي للأونيسكو، في خطوة هي الأولى من نوعها.
– الإعلان في نيودلهي، على هامش قمّة العشرين، عن توقيع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي مذكّرة تفاهم لإنشاء الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط الذي يشمل إسرائيل، مع ما يعنيه ذلك من تعاون في النقل البحري، وإنشاء سكك حديد بين دول المنطقة، لنقل البضائع وتسهيل التجارة بين دول آسيوية، ويتطلّب تنفيذه وقتاً طويلاً ولذا يفترض تعاوناً سياسياً بين الدول المعنيّة به.
– كشف قناة “آي 24” الإسرائيلية قبل يومين عن زيارة وفد إسرائيلي من رجال أعمال مدينة الدمّام مطلع الشهر الجاري، لحضور مؤتمر رسمي حول الأمن السيبراني. وكان من بين أعضاء الوفد رئيس مجلس إدارة قناة “آي 24″ نفسها فرانك ميلول، الذي اعتبر أنّ هذا التواصل يمهّد لـ”شرق أوسط جديد”.
في 8 أيلول، وفي الطريق إلى قمّة العشرين، أقرّ مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان للصحافيين بأنّ العديد من عناصر مسار التطبيع بين المملكة وإسرائيل “بات الآن على طاولة البحث”، حين سئل عن تباحث واشنطن مع العديد من الوفود الإسرائيلية والسعودية في هذا الشأن: “وليس لدينا نصّ من أجل توقيعه حتى الآن، لكنّ الأمر يتطلّب المزيد من العمل، وهناك تفاهم على العديد من العوامل المفتاحية في هذه القضية”. ووصف سوليفان الذي بدأ البحث مع الرياض والقدس في هذا المسار منذ بضعة أشهر، التقدّم على هذا الصعيد بأنّه “بنّاء”.
يستحيل فصل ما يجري من اضطرابات ومظاهر تصعيد في بعض ميادين النفوذ الإيراني في المنطقة، عمّا تسعى إليه واشنطن في علاقتها مع السعودية
هل تكفي حاجة بايدن ونتانياهو لإنجاز تاريخيّ؟
تشمل الاتصالات البعيدة من الأضواء لقاءات أميركية فلسطينية في سياق استكشاف التقدّم المحتمل على الطريق الصعب للعودة إلى حلّ الدولتين، ويستند بعض متابعي هذا المسار إلى التقديرات الآتية:
1- الرئيس الأميركي جو بايدن بحاجة إلى إنجاز دبلوماسي كبير من هذا النوع قبيل الانتخابات الرئاسية بعد زهاء سنة، فيما سيواجه ضغوطاً منتظرة من الكونغرس الأميركي بتحريك من اللوبي الإسرائيلي كيلا يمارس الضغوط على إسرائيل للقبول بحلّ الدولتين…
2- رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد يفاجئ المتشكّكين في إمكان قبوله بحلّ الدولتين، بالإقدام على تنازلات للتوصّل إلى اتفاق سلام جريء لإنهاء حياته السياسية بإنجاز تاريخي ينقذه من الصعوبات التي تواجه حكومته، ومن احتمال محاكمته في حال سقوط تلك الحكومة، مقابل الاعتقاد بأنّه عاجز عن تقديم أيّ تنازل لأنّه مكبّل بائتلافه مع أقصى اليمين الصهيوني العنصري، وبالتالي أيّ تنازل يقدّمه لمصلحة حلّ الدولتين يخالف طبيعته اليمينيّة التي حكمت تحالفه مع المتطرّفين وأوجبت مواصلة تهويد القدس وخطوات ضمّ الضفة الغربية. ولذلك يستحيل عليه الانقلاب على هذا التحالف من أجل التعاون مع يمين الوسط. وهذا ما دفع المعلّق الأميركي توماس فريدمن، الذي كان أوّل من كشف عن خطة إدارة بايدن، إلى القول في مقال نشرته “نيويورك تايمز” إنّ حكومة نتانياهو الحالية “لا يمكنها أن تكون حليفاً طبيعياً للولايات المتحدة أو شريكاً للسعودية”.
3- شخصيات عربية فاعلة في العاصمة الأميركية مطّلعة على جانب من اللقاءات الجارية تحدّثت عن تقدّم في التفاوض الذي يجري بسرعة تفوق ما هو معلن، بدليل بعض مظاهر التطبيع السعودي الإسرائيلي. ويواكب ذلك تفاؤل في بعض الصحافة الإسرائيلية بتحقيق تقدّم، مع معطيات بأنّ الجانب الإسرائيلي لم يعد معترضاً على دعم أميركي لحصول الرياض على برنامج نووي خاصّ بها.
طهران لا تقف مكتوفة من اليمن إلى لبنان
في المقابل يستحيل فصل ما يجري من اضطرابات ومظاهر تصعيد في بعض ميادين النفوذ الإيراني في المنطقة، عمّا تسعى إليه واشنطن في علاقتها مع السعودية. فطهران تستبق إمكان نجاح الإدارة الأميركية في خطتها الطموحة بالتمسّك بأوراق التشدّد التي سبق أن استحوذت عليها في العقود الماضية. ومن الطبيعي أن تتمسّك بهذه الأوراق ما دامت الأهداف الأميركية تتضمّن المراهنة على إضعاف طهران والالتفاف على تقدّم الدبلوماسية الصينية على الصعيد الإقليمي الذي تجلّى في رعاية بكين لاتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات بينهما في آذار الماضي.
حتى خطوات التهدئة التي تعتمدها طهران تأتي في سياق مواجهة السعي الأميركي إلى محاصرة نفوذها الإقليمي. ويصنَّف حرصها على تسريع خطوات استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الرياض على أنّه استباق لأيّ تقدّم في الجهود الأميركية للتطبيع السعودي الإسرائيلي، فضلاً عن عودتها إلى التركيز على مبدأ حفظ أمن المنطقة من قبل دولها، وليس بمشاركة وتدخّل من أميركا، حيث تدعم شعار إخراج القوات الأميركية من سوريا من جهة، وتتعايش مع ترتيبات الحكومة العراقية لتعزيز هذا الوجود في بلاد الرافدين، من جهة ثانية. ويصعب فصل افتعال مشكلة مُلكية حقل الدرّة الغازي عن هذا السياق.
إقرأ أيضاً: انتفاضة.. لكن في صفوف الديمقراطيّين
في الوقت نفسه تراكم طهران الملفّات المعقّدة الكثيرة بينها وبين السعودية والولايات المتحدة، من اليمن حيث تدفع الحوثيين إلى التشدّد في عدم تسهيل الحلول السياسية، وسوريا حيث تعزّز وجود الميليشيات التابعة لها بمواجهة تصاعد الاحتجاجات على عجز النظام عن معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، بإرسال المزيد من المقاتلين إلى عدد من المناطق، وفي لبنان بإمساكها بورقة الرئاسة أكثر من أيّ وقت، وبضمان النفوذ عليها، مهما اقتضت المناورات من حلفائها إظهار بعض الليونة التي يقتضيها الوضع المزري الذي آل إليه البلد الصغير.
الأهمّ أنّ طهران تسعى إلى تقاسم القرار الفلسطيني عبر مزيد من الإمساك بخيوط تحريك الوضع العسكري في الضفة الغربية، مراهنةً على ضعف السلطة الفلسطينية، وعلى تغيير المرجعية الفلسطينية في مخيّمات لبنان حيث الساحة مفتوحة ويسهل ضمّها إلى خطّة “وحدة الساحات” في مواجهة الضغوط الغربية، فالقيادة الإيرانية تطمح إلى تفاهم واشنطن معها على تقاسم النفوذ، لا مع السعودية وحدها.