لبنان: الاتّفاق السعوديّ – الإيرانيّ يصاب بالحمّى الخمينيّة..

مدة القراءة 5 د


ثمّة أسئلة كثيرة تفرض نفسها هذه الأيّام على الصعيدين الداخلي والإقليمي وحتّى الدولي. لكنّ جواباً واحداً يمكن أن يساعد في توفير أجوبة عن تلك الأسئلة، التي بينها: لماذا طلبت المملكة العربيّة السعوديّة من مواطنيها مغادرة لبنان؟ الجواب الذي يبدو صالحاً للإجابة عن مثل هذا النوع من الأسئلة أنّ الاتّفاق الوارد في البيان السعودي – الصيني – الإيراني الذي وُقّع في بيجينغ في العاشر من آذار الماضي أدّى قسطه للعلى.

الاتفاق انتهى
بعد خمسة أشهر على توقيع الاتفاق، لا مفاعيل تُذكر له. الاتّفاق انتهى، خصوصاً أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” لم تتخلَّ قيد أنملة عن مشروعها التوسّعي الذي يُعتبر لبنان بين ضحاياه، خصوصاً مع اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط 2005 وبداية مرحلة وضع اليد الإيرانيّة على البلد.
معروف أنّ الاتفاق، الذي رعته الصين، وقّعه من الجانب السعودي مستشار الأمن القومي مساعد بن محمد العيبان ومن الجانب الإيراني علي شمخاني رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي. كان مفترضاً دخول العلاقات السعوديّة – الإيرانيّة مرحلة جديدة على أن يبدأ ذلك بإعادة فتح سفارتَي البلدين في الرياض وطهران في غضون شهرين. لم يحدث شيء من ذلك. ما حدث أنّ شمخاني فقد، بعد شهرين من توقيع الاتفاق، موقعه فجأة. كانت تلك إشارة أولى إلى أنّ الاتفاق مع السعودية يلقى معارضة شديدة في الداخل الإيراني. التجاذبات على أشدّها في إيران في ظلّ صراع على خلافة “المرشد” علي خامنئي.

بعد خمسة أشهر على توقيع الاتفاق، لا مفاعيل تُذكر له. الاتّفاق انتهى، خصوصاً أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” لم تتخلَّ قيد أنملة عن مشروعها التوسّعي الذي يُعتبر لبنان بين ضحاياه

تبيّن أيضاً أنّ الصين التي رعت الاتفاق، بطلب سعودي، لم تستطع الذهاب بعيداً في جعل “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران تلتزم البند الأساسي في بيان بيجينغ. يتعلّق هذا البند بـ”الامتناع عن التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول الأخرى”. تبيّن أنّ التفسير الإيراني للبند محصور بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية السعودية مع ما يعنيه ذلك من توقّف الحوثيين في اليمن عن إطلاق صواريخ ومسيّرات في اتجاه أراضي المملكة.
لا حاجة إلى إيراد أمثلة أخرى تؤكّد أنّ إيران لم تكن جدّيّة في تعاطيها مع المملكة العربيّة السعوديّة وأنّ كلّ ما سعت إليه كان حصر الاتفاق بنوع من الهدنة غير المعلنة في اليمن من جهة، والانصراف إلى همومها الأخرى في العراق وسوريا ولبنان من جهة أخرى.

موقف المملكة من لبنان
على خلفيّة انهيار الاتفاق السعودي – الإيراني، جاءت دعوة المملكة لمواطنيها إلى مغادرة لبنان. أخذت الدول الأخرى ذات العضوية في مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة الاتجاه ذاته، كلّ دولة على طريقتها. لكنّ الرسالة المهمّة الموجّهة إلى لبنان ذات فحوى واحدة. بات لبنان في موقع معروف من جهة، وليس وارداً، من جهة أخرى، أن يتأثّر الوضع فيه إيجاباً في ضوء الاتفاق السعودي – الإيراني الذي يظهر أنّه ولد ميتاً.
لا وجود لاستعداد خليجي لدخول تجارب مرّة أخرى. لا يُلدغ المؤمن من جحر مرّتين. لبنان سقط سياسياً وعسكرياً في يد الحزب، أي في يد إيران. لذلك لا حاجة إلى ترك رهائن خليجيّين فيه. أكثر من ذلك، لم يعد ممكناً تجاهل التعقيدات الناجمة عن الإصرار الإيراني على عدم التقيّد بالاتفاق الموقّع مع السعودية. ظهر ذلك بوضوح من خلال عجز النظام السوري، بفعل الضغوط الإيرانية، عن التزام أيّ نقطة من نقاط خريطة الطريق التي سمحت له بالعودة إلى احتلال مقعد “الجمهوريّة العربيّة السوريّة” في جامعة الدول العربيّة وحضور بشّار الأسد القمّة العربيّة التي انعقدت في جدّة في أيّار الماضي. تريد إيران من دول الخليج مساعدة النظام السوري ماليّاً، مثلما يريد الحزب الحصول على مساعدات خليجية للبنان، من دون ما يشير إلى عودة سوريا ولبنان دولتين عربيّتين في كنف جامعة الدول العربيّة. يريد بشّار الأسد أموال الخليجيين ولا يريد عودة النازحين السوريين من لبنان والأردن وتركيا إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم… وأرضهم. يريد الاستمرار في تهريب السلاح والكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج في الوقت ذاته، ويرفض أيّ عملية سياسيّة تستند إلى القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الذي يحدّد الأسس لتسوية معقولة، في الحدّ الأدنى، في سوريا.

سياسة الابتزاز الإيرانيّ
في ضوء كلّ هذه المعطيات، من حقّ السعودية والدول الخليجية الأخرى التخوّف من الوضع السائد في لبنان. بكلام أوضح، هناك رفض خليجي لسياسة الابتزاز التي تمارسها “الجمهوريّة الإسلاميّة” مباشرة أو عبر أدواتها التي من بينها النظام السوري أو الحزب في لبنان… أو الحوثيون في اليمن.
في لبنان بالذات، لم تعد لدى الخليجيين أيّ أوهام. بات موقفهم من البلد محسوماً. إنّه بلد واقع تحت الاحتلال الإيراني، بلد يقرّر فيه الحزب من هو رئيس الجمهوريّة. يريد إميل لحود آخر أو ميشال عون آخر… أو الفراغ المرشّح للاستمرار طويلاً.
ليس من يريد الاستثمار في الانهيار اللبناني، وهو انهيار يتأكّد يومياً أن لا قعر له. يمكن لدول الخليج أن تساعد لبنان في حال وجدت فائدة من ذلك وإذا وجدت أنّ اللبنانيين يريدون مساعدة أنفسهم أيضاً.

إقرأ أيضاً: هل تراعي إيران السعوديّة في لبنان؟

إلى إشعار آخر، ليس ما يدلّ على ذلك، على الرغم من كلّ النيّات الحسنة لوزير الداخلية بسّام المولوي. يعرف الوزير قبل غيره أنّ السلطة في لبنان، أو ما بقي منها، لا تستطيع حماية أيّ مواطن خليجي في حال قرّرت إيران العودة إلى ممارسة سياسة خطف المواطنين العرب والأجانب في لبنان… كما حصل في ثمانينيات القرن الماضي، على سبيل المثال لا الحصر.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…