مع إعلان إسرائيل استئناف القتال ضدّ “حماس” سمحت أيام التبادل السبعة التي كانت واشنطن أرادتها أكثر من الدولة العبرية، بالمراجعة والتفكير في كيفية استمرار التفويض الحاسم لإسرائيل كي تنفّذ هدف ضرب “حماس”، مع إلحاق أقلّ قدر من الأضرار بإدارة الرئيس جو بايدن المتّهمة بأنّها قامت بتغطية جرائم ضد الإنسانية عبر إجازتها انفلات الجموح الانتقامي الإسرائيلي ضدّ المدنيين في غزة وفق خطة للإبادة الجماعية والتهجير. فمجلس الحرب الإسرائيلي استخدم التفويض الأميركي والعربي في شكل أضرّ ببايدن المرشّح للرئاسة في حزبه وفي الكونغرس داخلياً، وكقائد للعالم الغربي الذي شهد بعض التصدّعات في تغريد دول أوروبية خارج السرب الذي انطلق عقب عملية “طوفان الأقصى”، خارجياً. أبرز هذه التصدّعات إبداء إسبانيا وبلجيكا الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطين، حتى قبل التوصّل إلى اتفاق على حلّ الدولتين.
كيف يتكيّف لبنان مع استئناف الحرب؟
في انتظار انكشاف “الطريقة” الجديدة التي تحدّث عنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، لاستئناف الحرب في الأيام والأسابيع المقبلة، يجمع المراقبون والمعنيون على أنّها ستكون طويلة، لأنّ المرجّح أنّها ستكون حرباً متقطّعة وعلى مراحل، تتخلّلها هدنات. طُرِح السؤال حول كيفية انسجام محور المقاومة مع هذه “الطريقة” الجديدة للأعمال الحربية، إذا كان الجيش الإسرائيلي سيراعي تجنّب استهداف المدنيين الذي طلبه وزير الخارجية الأميركي. كما برز السؤال عمّا إذا كان الخلاف بين إسرائيل وبلينكن الذي أفادت به التقارير الإعلامية من إسرائيل سيتعمّق أكثر، أم ستتمكّن واشنطن من استيعابه. فمجريات المواجهة العسكرية في مرحلتها الآتية تفرض على سائر الجبهات الملحقة بها وأبرزها جبهة لبنان، إضافة إلى الضفة الغربية واليمن والعراق وسوريا، التكيّف مع الوتيرة المقبلة للقتال، طالما أنّ شعار تدخّلها فيها هو “على طريق القدس” ولنصرة غزة.
.رسالة دعوة الفرقاء اللبنانيين إلى تحمّل المسؤولية في هذه الظروف الحرجة بانتخاب رئيس للجمهورية بعد مضيّ أكثر من سنة على الفراغ الرئاسي، وعلى شلل المؤسّسات
الانسداد اللبنانيّ والموفد الفرنسيّ
هاجس الحؤول دون انخراط لبنان في توسيع الحرب الذي يهمّ دول الغرب بات عاملاً إضافياً يقف خلف الجولة الرابعة من المشاورات التي قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، في بيروت على مدى الأيام الثلاثة الماضية، على أن يعود لاحقاً لاستكمالها. تقوم باريس بتبسيط مهمّة موفدها:
– تسهيل التوافق بين اللبنانيين على الخروج من الأزمة الدستورية، لا الحلول مكانهم في إيجاد المخرج.
– الإصرار على أن يبتدع هذا المخرج الفرقاء اللبنانيون بأنفسهم لأنّهم في بلد ذي سيادة، لكن لا يمكن ادّعاء السيادة من دون ممارسة المسؤولية. وصورة لبنان اليوم أنّه بلا مسؤولية، لأنّه بلا رئيس منذ أكثر من سنة، وبالتالي بلا سيادة.
– هناك انسداد دستوري وسياسي واقتصادي (بغياب الإصلاحات) وأمنيّ في ظلّ المخاطر العسكرية والأمنيّة التي ترتسم في الجنوب بفعل الحرب في غزة. وهجرة اللبنانيين تجعل البلد أقرب إلى أن يُفرّغ.
رسائل لودريان وتطبيق الـ1701
مرّر الموفد الفرنسي ثلاث رسائل:
1- رسالة انضباط (عسكرياً) لتفادي انعكاس حرب غزة على الجنوب. وما أثاره في شأن تطبيق القرار الدولي الرقم 1701 يتناول وضعه موضع التنفيذ. وهو لم يطرح لا تعديله أو تغييره، بل وجد أنّ الحرب في غزة فرصة لتطبيقه، خصوصاً أنّ فرنسا شريكة في صوغه. ويبدو أنّ الجانب الفرنسي لا يجد أنّ هناك وسيلة للربط بين عملية التفاوض حول إنهاء الحرب في غزة وبين تطبيق القرار 1701. حرب غزة تعزّز أهمّية التمديد لعون.
2- رسالة دعوة إلى تحمّل المسؤولية في شأن التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون في منصبه، في وقت يستحيل استبداله عند انتهاء مهمّته في كانون الثاني المقبل في ظلّ عدم وجود رئيس للجمهورية هو الذي يسمّيه، وغياب من ينوب عنه. وفرنسا تعتبر التمديد المؤقّت له في انتظار أن تعمل المؤسسات الدستورية، أمراً ملحّاً وطارئاً لأمن البلد، ولا يمكن تصوّر الفراغ في القيادة في ظلّ هذه الظروف والحرب في غزة. الأمر فائق الأهمية لفرنسا لأنّ لديها جنوداً في جنوب لبنان، وهو ما يعني الحاجة إلى وجود من ينسّق هؤلاء معه مع الوضع الحسّاس هناك، والأمر سيكون صعباً في ظلّ فراغ في المؤسسة العسكرية. إلحاحيّة هذه القضية كانت سبب تقصير لقاء لودريان مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، إذ أبلغ الأخير، باعتباره ينظّم عملية رفض التمديد لقائد الجيش، أنّه يخالفه الرأي ولا يجد من المفيد متابعة الحديث معه في هذا الشأن.
أيّ عنوان لدعوة لبنان إلى مؤتمر دوليّ؟
3- رسالة دعوة الفرقاء اللبنانيين إلى تحمّل المسؤولية في هذه الظروف الحرجة بانتخاب رئيس للجمهورية بعد مضيّ أكثر من سنة على الفراغ الرئاسي، وعلى شلل المؤسّسات. فالحرب يجب ألّا تمنع ملء الفراغ، بل على العكس يفترض أن تعجّل بذلك لأنّ الوقت يلعب ضدّ لبنان، ولذلك هذا أمر ملحّ وطارئ. فأيّ محادثات على المستوى الدولي تتناول إنهاء الحرب في غزة تتطلّب حضور لبنان، لكنّ دعوته تتطلّب وجود عنوان لإرسالها إليه. كما أنّ البحث في مشكلة النازحين السوريين في لبنان يتطلّب وجود رئيس. لكنّ هذه الرسالة شملت أيضاً تأكيد الحاجة إلى انتقال الفرقاء إلى خيار ثالث غير المرشّحَيْن اللذين لم يتمكّنا من جمع الأصوات المطلوبة في جلسة 14 حزيران الماضي (سليمان فرنجية وجهاد أزعور)، لا سيما أنّه شعر بأنّ الخيار الثالث بات يحظى بقبول أكثر من السابق. وبسبب غياب الإجماع الداخلي يجب ذهاب البرلمان نحو التصويت، والمشاورات بين الفرقاء تقود إلى ذلك. ومن الطبيعي أن يكرّر لودريان رفضه اقتراح أيّ اسم للرئاسة باعتبار الأمر شأناً سيادياً، لأنّه لا ينوي الحلول مكان الفرقاء في شأن الاسم البديل.
اتّفاق الخماسيّة
ارتكز لودريان في مشاوراته الأخيرة على عوامل عدّة:
– تقصّد الاجتماع إلى دول الخماسية (أميركا، فرنسا، السعودية، مصر وقطر) لإفهام من يلزم، لا سيما في الإعلام اللبناني، أنّ ما يُذكر عن تباينات مع هذه الدول غير صحيح، بل على العكس هناك اتفاق كامل معه. كما أنّه لم يتناول اسم أيّ مرشّح في اللقاءات.
– أنّه التقى رئيس الحكومة وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في قطر، والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا قبل انتقاله إلى لبنان للتنسيق بين حكومتَي البلدين.
– أنّ الجانب السعودي عاد إلى الاهتمام بالوضع اللبناني أكثر من السابق.
إقرأ أيضاً: موسكو مطمئنّة لالتزام طهران وقلقة من نتانياهو وتلوم العرب
– أنّه وجد وعياً أكثر للمسؤولية عن وجوب الخروج من الوضع الحالي لدى القيادات السياسية، بسبب الحرب في غزة، إن في شأن انتخاب الرئيس أو بالنسبة إلى التمديد لقائد الجيش، وهذا تطوّر إيجابي. كما أنّ شعوره هو أنّه ليس صحيحاً أنّ المسيحيين لا يريدون انتخاب رئيس الآن، بل هو شعر بعكس هذا الانطباع.
لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@