لا قيادات تاريخيّة لمرحلة ما بعد الدمار؟

مدة القراءة 5 د


مرّت خمس سنوات على الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الداخل قبل التوصّل إلى اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. لكنّ غياب قيادات تاريخيّة إسرائيلية وفلسطينية تستطيع الانتقال من مرحلة الحرب المدمّرة إلى مسار تفاوضي جدّي وتقنع شعبها بتقديم تنازلات من أجل السلام غير متوفّرة لدى طرفَي النزاع اليوم.

مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط الذي ساهم اجتياح العراق للكويت بتسهيل انعقاده برعاية أميركية روسيّة، لم يكن المسار الذي أدّى إلى اتفاق أوسلو، إنّما مفاوضات سرّية إسرائيلية فلسطينية قادها إسحاق رابين وإلى جانبه شمعون بيريز من جهة وياسر عرفات من جهة أخرى هي التي نجحت في تحقيق اختراق أوسلو.

مرّت خمس سنوات على الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الداخل قبل التوصّل إلى اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل

توصّل رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين الذي قاد قمع الانتفاضة الفلسطينية إلى قناعة بضرورة الاعتراف بمنظمة التحرير وإعطاء الفلسطينيين بعض حقوقهم بعدما نجحت الانتفاضة الفلسطينية بالداخل في اكتساب تأييد عالمي واسع وإلحاق ضرر كبير بسمعة إسرائيل في العالم، معيدةً القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام الدولي.

بدوره شعر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالعزلة بعد خروجه من بيروت واعتقاد عدد من الدول العربية لاحقاً أنّه كان مؤيّداً لصدّام حسين في اجتياحه الكويت. وقد وجد أنّ الوقت مناسب لترجمة إنجاز الانتفاضة إلى مكسب سياسي والحصول على اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير والتأسيس لكيان فلسطيني على أمل أن يتحوّل هذا الكيان إلى دولة فلسطينية مستقلّة لاحقاً من خلال مفاوضات المرحلة النهائية لمسار أوسلو.

لم تكن واشنطن محبّذة في البداية لاتفاق أوسلو، بل كانت تفضّل الإبقاء على مبدأ السلام الشامل على أساس مدريد، لكنّها عادت ورضخت للرغبة الإسرائيلية واستمرّت بجهودها السلمية ما دام في إسرائيل رئيس للوزراء يرغب في ذلك.

لا قيادات هنا ولا هناك

اليوم وفيما الحرب المدمّرة مستمرّة بين إسرائيل وحماس، لا يوجد قيادات في إسرائيل ولا على الساحة الفلسطينية تمتلك الثقل السياسي والمعنوي لاتّخاذ قرارات كبرى يمكن أن تشكّل اختراقاً في أيّ مفاوضات محتملة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي كان يواجه معارضة داخلية كبيرة قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول)، يواجه اليوم حملة شرسة تتّهمه بـ”الإخفاق الكبير في إدارة الحرب وفشل حكومته في توقّع هجوم حماس”، وهو ما يبشّر بنهايته السياسية المحتومة. أمّا الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته، محمود عباس، فلا هو ولا سلطته قادران على توحيد الفصائل الفلسطينية والتحدّث باسمها وقيادة مفاوضات جدّية مع إسرائيل، خصوصاً أنّ إسرائيل لن تقبل بأيّ شكل من الأشكال التفاوض مع حماس التي رفعتها تل أبيب إلى مستوى تنظيمَي القاعدة وداعش بعد 7 أكتوبر.

لم تكن واشنطن محبّذة في البداية لاتفاق أوسلو، بل كانت تفضّل الإبقاء على مبدأ السلام الشامل على أساس مدريد، لكنّها عادت ورضخت للرغبة الإسرائيلية واستمرّت بجهودها السلمية ما دام في إسرائيل رئيس للوزراء يرغب في ذلك

صحيح أنّ مؤتمر مدريد والرعاية الأميركية الروسية له أرسيا مناخاً إيجابياً أطلق مبدأ السلام الشامل على قاعدة قرارات مجلس الأمن، لكنّ مدريد والمفاوضات المتعدّدة فشلتا في أن توصلا أيّاً من هذه المفاوضات إلى اتفاقية سلام، فكانت الاتفاقات، سواء أوسلو أو وادي عربة مع الأردن، نتيجة مفاوضات ثنائية لا من خلال إطار مدريد. حتى المفاوضات السورية الإسرائيلية التي لم تتكلّل بالنجاح أخذت الطابع الثنائي خارج إطار مدريد.

الظروف العالميّة المعقّدة

كانت إسرائيل ولا تزال تفضّل المسارات الثنائية ولا تحبّذ المؤتمرات الدولية خشية أن تتحوّل مؤتمرات كهذه إلى منتديات مؤيّدة للحقوق الفلسطينية تضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات. لهذا كانت ترفض دائماً أيّ محاولة من قبل واشنطن لتقديم مقترحات كي لا يؤدّي رفضها إلى مواجهة بين تل أبيب وواشنطن.

اليوم المشهد السياسي العالمي مختلف:

– روسيا في مواجهة مع الغرب نتيجة اجتياحها لأوكرانيا، وهي تخضع لعقوبات قاسية من قبل دول حلف شمال الأطلسي.

– الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين، وكانت قد انكفأت عن الشرق الأوسط بعدما أنهكتها حروب ما بعد 11 أيلول، ولا ترغب في العودة إلى مستنقع الشرق الأوسط وأزماته المزمنة.

– المنطقة التي تعاني من أزمات مستعصية في السودان، اليمن، سوريا، العراق ولبنان، أشعلتها مجدّداً حرب غزة، وهي تفتقر إلى قيادة فاعلة للعالم تستطيع أن تفرض حلولاً وترميم الوضع السياسي والأمني.

إقرأ أيضاً: هل تتجاوز طهران الخطوط الحمر أم تستدرج العروض؟

– الأمم المتحدة التي تذكّر بفشلها يومياً أثناء حرب غزة وعدم قدرتها أو فعّاليتها لإنهاء الحرب، أو على الأقلّ فرض هدنة إنسانية، تتعرّض لانتقادات من قبل إسرائيل وتفقد فعّاليتها عند كلّ فيتو أميركي لإصدار قرار وقف إطلاق نار في غزة.

وسط كلّ هذا، من الطبيعي أن ترتفع الأصوات المطالبة بالسعي إلى إنهاء الصراع بعد هذه الحرب المدمّرة وكلّ ما رافقها من خرق للقوانين الدولية وانتهاكات لحقوق الإنسان، لكن سيكون من الصعب إيجاد أفرقاء يقودون تحرّكاً فاعلاً لإنهاء الصراع أو على الأقلّ إدارته بشكل أفضل في ظلّ غياب شريكين فلسطيني وإسرائيلي يتمتّعان بالمصداقية والشرعية والرؤية.

لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….