هاكان فيدان يعيد الأمل للسويد بالانضمام للناتو؟

2023-06-16

هاكان فيدان يعيد الأمل للسويد بالانضمام للناتو؟

يتصاعد التشويق مرّة أخرى حيال طلب السويد الانضمام إلى الناتو. ولا يبدو أنّ تفاؤل السويد بقدرتها على الانضمام إلى الحلف قبل قمّة فيلنيوس في العاصمة الليتوانية في تموز يعود إلى الضغوطات الغربية المستجدّة على تركيا بقدر ما يعود إلى تولّي وزير الخارجية التركي الجديد هاكان فيدان ملفّ الصراع مع السويد.

هاكان فيدان المتمرّس في حلّ الأزمات
في الوقت الذي يترقّب فيه الغرب قرار تركيا حيال عضوية السويد في الحلف الأطلسي، أراد رئيس وزراء السويد، أولف كريسترشون، تجنّب إحراج نفسه بالطريقة عينها حينما عاد خالي الوفاض من أنقرة الخريف الماضي، فأرسل بدلاً منه إلى حفل تنصيب الرئيس رجب طيب إردوغان، سياسياً سويدياً مرموقاً ومقرّباً من تركيا هو وزير الخارجية السابق كارل بيلدت، على أمل أن يتذكّره إردوغان كصديق وداعم سابق لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. أثنت الصحف السويدية على اختياره ورأته فرصه مناسبة لوضع إردوغان في مزاج جيّد تجاه السويد. وبالفعل عاد بيلدت من أنقرة حاملاً بشرى سارّة بموافقة تركيا على عقد لقاء مع السويد قبل قمّة فيلنيوس بحضور الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، كما بدا سعيداً بتولّي هاكان فيدان وزارة الخارجية. هذا التفاؤل السويدي بإنهاء دراما الناتو عبر التفاوض مع هاكان فيدان يعود إلى الاعتبارات التالية:
-أولاً، هاكان فيدان، حليف إردوغان ومستشاره، هو سياسي كردي المولد، تفاوض لسنوات مع مقاتلي حزب العمّال الكردستاني. في خريف عام 2011، كشف موقع إخباري كردي صغير، عن أكبر سرّ لإردوغان: هاكان فيدان تفاوض في أوسلو مع اثنين من كبار قادة حزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابيّاً، مصطفى كاراسو وصبري أوك. كان ردّ فعل أقرب حليف لإردوغان، حركة غولن الإسلامية، شرساً، وكانت نقطة انطلاق المعركة بين حزب العدالة والتنمية وأنصار غولن.

عاجلاً أم آجلاً سيكون على إردوغان أن يتخلّى عن حقّ النقض ضدّ السويد في الناتو ما دامت بلاده عضواً فيه

-ثانياً، هاكان فيدان ووزير المالية الجديد محمد شيمشك، ورئيس جهاز المخابرات إبراهيم كالين، هم مؤيّدون للغرب ويفضّلون رؤية تركيا تعيش في وئام مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بدلاً من كونها عضواً في تحالف روسي صيني إيراني مناهض للغرب.
-ثالثاً، من المفارقة الكبيرة أن تطلب تركيا من السويد تسليم “إرهابيين” جريمتهم الوحيدة هي أنّهم كانوا يكتبون في صحيفة “زمان اليوم” التابعة لحركة غولن، وفي الوقت نفسه هناك اثنان آخران من كتّاب الصحيفة حاصلان على اثنين من أهمّ المناصب في الدولة، هما وزير المالية الجديد محمد شيمشك ورئيس جهاز المخابرات إبراهيم كالين.

لا حلّ لدراما الناتو دون تنازلات 
عاجلاً أم آجلاً سيكون على إردوغان أن يتخلّى عن حقّ النقض ضدّ السويد في الناتو ما دامت بلاده عضواً فيه. ولأنّ الغرب يدرك أنّ هذا لا يعني أن يفقد ماء الوجه أمام ناخبيه الذين يتوقّعون أن يواصل الوقوف ضدّ استفزازات مؤيّدي حزب العمّال الكردستاني في استوكهولم، توجّه الأمين العام لحلف الناتو، يانس ستولتنبرغ، إلى أنقرة لحضور حفل تنصيب الرئيس إردوغان ولتقديم الأدلّة على استيفاء السويد كامل شروط تركيا بعد دخول قانون الإرهاب السويدي الجديد حيّز التنفيذ منذ بداية شهر حزيران، متضمّناً بنوداً تتماشى مع مطلب تركيا تشديد العقوبات على من يدعم أنشطة إرهابية بطريقة غير مباشرة.
زيارة ستولتنبرغ سبقتها ضغوطات غربية عديدة تحثّ تركيا على قبول طلب السويد، أبرزها من قادة دول المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي حذّر أيضاً من أنّ بلاده لن تتسامح مع أيّ اعتداء على السويد. ذلك التحذير تزامن مع وجود وزير الدفاع السويدي، بول يانسون، في اليابان لتوقيع اتفاقية دفاعية جديدة مع الولايات المتحدة واليابان من خلال عضوية الناتو، من شأنها تعزيز أمن بحر اليابان بوجه الخطر الروسي والصيني، وأمن بحر البلطيق بوجه الخطر الروسي. لكن يبدو أنّ محاولاتهم لم تأتِ بالمرجوّ منها، ولم تتلقَّ السويد وعداً بتحقيق تقدُّم في المواجهة بينها وبين تركيا في الناتو. حتى إنّ إردوغان جعل أمين حلف الناتو، يانس ستولتنبرغ، ينتظر أكثر من يوم قبل أن يستقبله.
وفقاً للغرب، الكرة الآن في ملعب أنقرة لتقرير المسار الذي ستختاره ويمكن أن يقرّبها من روسيا أو من الغرب. وعليه، يبدو أنّ تركيا أمام ثلاثة سيناريوهات ستُضطرّ إلى اختيار أحدها في الفترة المقبلة:
– السيناريو الأوّل: يوافق إردوغان على إعطاء الضوء الأخضر.

هاكان فيدان تفاوض في أوسلو مع اثنين من كبار قادة حزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابيّاً، مصطفى كاراسو وصبري أوك

ينطلق هذا السيناريو من فرضية أن توافق السويد على كامل شروط تركيا باتّخاذ إجراءات أكثر صرامة ضدّ مؤيّدي حزب العمال الكردستاني وتسليم الأشخاص الذين تعتبرهم أنقرة “إرهابيين”. هذا لا يعني دخول السويد رسمياً في الحلف، إذ يتعيّن على البرلمان التركي التصويت على العضوية قبل الإجازة الصيفية التي تبدأ من تموز إلى نهاية أيلول. ومن خلال هذا السيناريو، سيمسك إردوغان العصا من المنتصف بين الغرب وروسيا. سيحصل على ما يريده من السويد، وسيعمل على إعطاء روسيا مهلة أشهر قبل أن تصبح السويد عضواً رسمياً.
– السيناريو الثاني: يوافق إردوغان على تمرير الموافقة في البرلمان قبل الإجازة الصيفية.
هذا السيناريو ينطلق من فرضية قيام السويد بخطوات ملموسة من خلال تسليم الأشخاص على لائحة المطلوبين التركيّة، ومنهم الصحافي التركي السويدي بولنت كينيس، رئيس التحرير السابق لصحيفة “زمان اليوم” التركية والمتّهم بالمشاركة في محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، وأيضاً منع الأكراد السويديين من تقديم الدعم إلى شمال شرق سوريا، وهو وصل إلى حوالي ثلاثمئة مليون دولار للفترة 2016-2023. هذا بالإضافة إلى إتمام الصفقة مع الولايات المتحدة من أجل شراء طائراتها المقاتلة من طراز F-35 وطائرة ياس جريبن 39 المقاتلة من السويد.

إقرأ أيضاً: هاكان فيدان: “العقل الاستراتيجيّ” لتركيا

– السيناريو الثالث: يماطل إردوغان بدعوى أنّ السويد لم تفِ بالتزاماتها.
أمّا السيناريو الأخير فينطلق من فرضية تمسّك تركيا بقولها إنّ قانون الارهاب السويدي الجديد غير كافٍ للموافقة على تصديق عضوية السويد. وتكمن صعوبة التمسّك بالسيناريو الثالث في أنّ إردوغان يخاطر بجعل البلاد أكثر قرباً من روسيا. ولا شكّ أنّ هذا القرار ستكون تداعياته صعبة على تركيا، ويدرك إردوغان أهميّة حلف الناتو لبلاده.
إلى الآن، لم تصدر بوادر من تركيا تشير إلى أيّ حلّ قريب، وسيكون من المفاجئ إعطاء الضوء الأخضر لعضوية السويد من دون المزيد من التنازلات السويدية والغربية ترضي تركيا بالدرجة الأولى وتعوّضها في حال تعرّضت علاقاتها مع روسيا للخطر. موقف تركيا صعب، لكنّ الغرب يعوّل على معرفة إردوغان حقيقة أنّ الناتو يبقى في آخر المطاف الداعم الحقيقي لتركيا.

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…