في اللحظة المناسبة، تقدّم آلان عون إلى الضوء. كثيرون كانوا يدفعونه منذ أشهر إلى حيث تقدّم. لكنّه كان يقول إنّ الوقت لم يحِن بعد. لم يكن متردّداً، بل كان يقرأ المشهد جيّداً. كان هناك ميشال معوّض وسلّة أسماء يناقشها التغييريّون. وكان هناك جوزف عون، ثمّ سلّة أسماء طرحها كثيرون، من بكركي إلى المختارة، “صَمَدَ” منها جهاد أزعور.
عبَر أزعور معموديّة بكركي ثمّ اللقلوق، ووصل إلى معراب والصيفي، حيث حصل على “قبول أوّليّ”، وبعدها هزّ نواب 17 تشرين رؤوسهم موافقين. وهنا طلب موفد جبران باسيل وقتاً مستقطعاً بحجّة أن “لا تسوية من دون الشيعة”. ويقول من فاوضوه، بالواسطة، إنّ حجّته كانت مقبولة، ومُتَوَقّعة في الوقت نفسه. أهل معراب اتّهموه بأنّه أراد “تجميع المسيحيين والتغييريّين ليفاوض على رأسهم في حارة حريك”. وهو كان ينفي. لكن في “لحظة الحقيقة”، ثبت بالوجه الشرعي أنّ مرشّحه المفترض، أزعور، هو لتمرير الوقت، ورفع الأسهم في الضاحية. وبالتالي “سقطت” ورقة أزعور في اللقلوق.
في اللحظة المناسبة، تقدّم آلان عون إلى الضوء. كثيرون كانوا يدفعونه منذ أشهر إلى حيث تقدّم. لكنّه كان يقول إنّ الوقت لم يحِن بعد. لم يكن متردّداً، بل كان يقرأ المشهد جيّداً
في هذه الأثناء كان مرشّح الثنائي الشيعي، سليمان فرنجية، يغرق في اللاءات المسيحية والوطنية. لم يعبر أيّ “عاصمة” من عواصم الكيان. وليد جنبلاط حسم أنّه لن يصوّت له. كذلك فعل سمير جعجع. ومثلهما أعلن التغييريون والثوريون وعدد كبير من المستقلّين. وبالطبع جبران باسيل. أمّا النواب السُّنّة فقد أربكتهم زيارة بشار الأسد لجُدّة وحضوره قمّة العرب، برئاسة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان. وأربكتهم مقالة جريدة “الرياض” عن “عودة السين – سين”، التي لم تعِش أكثر من ساعات قليلة، قبل أن تُمحى عن موقع الجريدة “كأن لم تكُن”.
مجموعة الأربعة – الخمسة
من هذه الخريطة المعقّدة، التي رست على “لا مرشّح جدّيّ”، لمعت الفكرة في رأس مجموعة عونية من قدامى المناضلين. بعضهم يقول إنّهم أربعة، وخامسهم الياس بوصعب، وبعضهم يدعو إلى عدم العدّ.
هؤلاء هم سيمون أبي رميا، وإبراهيم كنعان، وأسعد ضرغام وآلان عون. في انتخابات 2022، يُقال إنّهم تعرّضوا لمحاولة تصفية نيابية. المحاولة “ضربت” زياد أسود، الذي كان قريباً – بعيداً عنهم. فخرج من ساحة النجمة. لكنّ الآخرين نجوا. وجميعهم نجحوا بأصوات مسيحية حصراً.
تقول مصادر عونية إنّ “الرئيس وجبران وماكينة التيار حاولوا ضرب الخمسة… لكنّهم فشلوا”.
هؤلاء تعرّضوا لمحاولة إلغاء سابقة، في 2015. يومها صاغ المعنيون النظام الداخلي للتيار، وأرسلوه إلى وزارة الداخلية. لكنّ “الجنرال” طلب سحبه، وأجرى عليه تعديلاتٍ بناءً على رغبة باسيل.
على الرغم من ذلك، رشّح هؤلاء آلان عون للرئاسة، مقابل جبران. لكنّ “الخال” أرسل يطلب آلان، وطلب منه “التنحّي” لصالح جبران. وهكذا كان: سقطت الانتخابات وتمّ “تعيين” جبران، على ما يقول عونيون.
ماذا تغيّر اليوم؟
اليوم تغيّر كلّ شيء: “العقليّة التي أُدير بها العهد، ضيّعت على المسيحيين والعونيين فرصة تاريخية. دخل ميشال عون جبلاً كبيراً، عليه رهانات عمرها 30 عاماً، فتسلّلت إلى القصر عقليّة شخصية، ضيّعت البلد والفرصة، فخرج ميشال عون “ضعيفاً” بالمعنى السياسي والشخصي”، يقول أحد قدامى مناضلي التيّار.
لهذا السبب، ما كان يمنع هذه المجموعة من التحرّك هو “الرهبة” و”الهيبة” و”الفرصة”، التي ضيّعها من ضيّعها: “إضافة إلى سقوط البلد. آخر 3 سنوات من العهد كانت كارثة بكلّ المقاييس. ضربوا العهد والبلد، ولا نستطيع أن نكمل في السكوت أو المجاراة”.
ما ترفّع عن القيام به في 2015، وفي 2019، وفي 2022، قرّر القيام به اليوم. ناقش أكثر من مرّة في الغرف المقفلة فكرة محدّدة: “إذا كانت حظوظ جبران معدومة، فلماذا نفاوض على مرشّحين آخرين؟ لماذا لا نرشّح أحداً من داخل الكتلة؟”. وطرح اسم إبراهيم كنعان، قبل أن يطرح الآخرون اسمه هو.
رفض جبران طويلاً… إلى أن خرج آلان على الإعلام ليعلن الفكرة ويطرحها في بورصة بيروت الرئاسية.
هناك أكثر من طرف يمسك بثلثٍ معطِّل لاجتماع مجلس النواب، بينهم المعارضة والتغييريون، مع القوات والكتائب، وبينهم الثنائي الشيعي وحلفاؤه، ويشكّل أيضاً المسيحيون، عونيين وقواتيين وكتائبيين، ثلثاً معطِّلاً
ماذا عن الظروف الداخليّة؟
في الداخل الاحتمالات مقفلة. لم يعد هناك كتلة “بيضة قبّان”. كلّ كتلة باتت “بيضة” وحدها. كتلٌ متناهية الصغر، بين نائب ونائبين وثلاثة، كلّها غير متوافقة وغير متجانسة. جنبلاط بيضة قبّان، كذلك باسيل، وكذلك “الاعتدال الوطني” و”الطاشناق” ونعمة افرام وكتلته، والتغييريون… وهناك 10 أصوات يمكن اعتبارها Swing votes ممّن لم يحسموا أمرهم بعد.
هناك أكثر من طرف يمسك بثلثٍ معطِّل لاجتماع مجلس النواب، بينهم المعارضة والتغييريون، مع القوات والكتائب، وبينهم الثنائي الشيعي وحلفاؤه، ويشكّل أيضاً المسيحيون، عونيين وقواتيين وكتائبيين، ثلثاً معطِّلاً.
من يستطيع أن يُحدث خرقاً في هذه الأثلاث؟
ربّما واحد من “الخمسة”، ولأسباب كثيرة:
1- سيكون واحداً من نواب التيار الوطني الحرّ، الذي لم يخرج عن “منطق” التفاهم مع حزب الله بعد، خصوصاً في البعد الاستراتيجي. وبالتالي لا يمكن للحزب أن يواجه مرشّحاً كهذا كما يواجه جهاد أزعور أو قائد الجيش أو صلاح حنين أو…
2- لن يكون باسيل قادراً على الرفض في حال التوافق الوطني. فالشخصانية هنا ستكون فاضحة.
3- هؤلاء على خلاف معلن مع جبران. لا يمكن اعتبارهم من حصّته. وبالتالي هم عونيون حقيقيون، يحملون حيثية نيابية، وأخرى في القواعد العونية. بل وربّما تكون حيثيّتهم الشعبية أكبر من حجمهم النيابي.
4- هؤلاء مقبولون سنّيّاً ودرزيّاً. طبعاً بسبب السبب الثالث السابق ذكره. فالخلاف مع باسيل يمكن اعتباره “تذكرة دخول” إلى أيّ تفاهم مع الذين “اشتبك” معهم التيار الوطني في السنوات الماضية.
5- يبقى التغييريون الذين ما يزال النقاش معهم مفتوحاً. وربّما يكون اسم مثل إبراهيم كنعان أو آلان عون مقبولاً.
…
ماذا عن الظروف الخارجيّة؟
تقرأ هذه المجموعة جيّداً ما يحصل في الإقليم. سمع بعضهم بحوار بين جبران والعرب: “تأخّر”، يقول أحدهم، “ثمّ إنّ السعودية ليست في وارد الاشتباك مع إيران والحزب بعد اتفاق الصين. وإذا أرادت فهناك سمير جعجع، فما حاجتها إلى باسيل؟”.
الأميركيون أيضاً “لن يدفعوا أيّ ثمن. عُرض عليهم الكثير ومراراً، وهم لا يريدون التفاوض أصلاً”. لكنّ الأكيد أنّ “الأميركيين لا يعارضون اسماً مثل آلان عون أو إبراهيم كنعان أو جوزف عون… بل هم لم يتبنّوا ميشال معوّض الأقرب إليهم. وبالتالي لا يريدون تبنّي اسم. لكنّهم يتحدّثون بسلبية عن فرنجية، وبإيجابية عن غيره”.
نصل إلى الفرنسيين. في حواره مع باتريك دوريل، مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الملفّ اللبناني، سمع جبران أنّ فرنجية فرصته جدّية ومتقدّم وأنّ الشيعة مصرّون عليه. لكنّه سمع جملة سحرية أخرى، سمعها آخرون غيره: “لا نتمسّك بفرنجية. اتّفقوا على مرشّح آخر ونحن مستعدّون لنساعده”.
المشكلة هنا أنّه لا يوجد مرشّح آخر حاليّاً: “قطر تلعب ورقة جوزف عون. لكنّه يحتاج إلى 86 صوتاً. فكيف يمكن الحصول عليها فيما الـ65 غير متوافرة لأحد؟”.
هنا تبرز فكرة أخرى: “عدم وجود مرشّح آخر يعزّز حظوظ فرنجية. على سبيل المثال، لا أحد يحدّث وليّ العهد السعودي عن اسم غيره. نجيب ميقاتي وبشّار الأسد وإيران وروسيا.. كلّهم يفاتحونه باسم فرنجية، ألا يجب أن نبتكر اسماً جديداً لمواجهته”.
في انتخابات 2018 حصل آلان على 10,200 صوت، منها 150 صوتاً درزياً وشيعياً فقط. فكان نائباً مارونياً صافياً على مقياس لبنان. وفي 2022 حصل على 8,500 صوت، كان بينها أيضاً أقلّ من 150 صوتاً غير مسيحي
لماذا آلان عون؟
هو أحد مناضلي التيار الوطني الحرّ القدامى، الذين “تمسّكوا بتراب الوطن” حين “هرب” كثيرون، خوفاً من البطش الأمنيّ. يوم كان الانتساب إلى “العونيّة” دونه التوقيف والملاحقات والسجن.. وأكثر. يوم كانت الأحزاب ما تزال “مُكلِفة” وليست “مُربِحة”.
ابن شقيقة الجنرال ميشال عون. عاش معه في فرنسا وكان أقرب المقربين اليه وبقي يزوره هناك، ويحمل وزرَ العيون الأمنية السورية التي تلاحق كلّ عونيّ في الداخل والخارج. كان شجاعاً، ولا يزال.
على الرغم من أنّه، هو وابن شقيق الجنرال، نعيم عون، كانا الأقرب إلى مجلس الجنرال، باعتباره لم ينجب ذكوراً لتوريثهم سياسياً، إلا أنّ زواج شانتال من جبران باسيل غيّر كلّ شيء. وقعت العائلة كلّها في غرام هذا الشابّ. الأمّ والأب، قبل الابنة… وطوال عقدين، لم يتغيّر شيء. تقدّم جبران على الجميع.
لم يكن هذا عائقاً أمام الشابّ الطموح آلان. حين عاد الجنرال، ترشّح عن المقعد الماروني في بعبدا. وبعبدا قلب المارونية السياسية منذ تأسيس لبنان. وهي القضاء الذي يعبّر عن العونيّة أكبر تعبير، لأنّ فيه الشيعة، الحلفاء، والدروز، والمسيحيين طبعاً.
في انتخابات 2018 حصل آلان على 10,200 صوت، منها 150 صوتاً درزياً وشيعياً فقط. فكان نائباً مارونياً صافياً على مقياس لبنان. وفي 2022 حصل على 8,500 صوت، كان بينها أيضاً أقلّ من 150 صوتاً غير مسيحي.
إذاً هو نائب ماروني مكتمل الشرعية. ومناضل عوني مكتمل الشرعية التاريخية. وهو من عائلة “الجنرال”، وظلّت علاقته به على حالها طوال سنوات “القصر”، فكان يزوره دوريّاً، ويصارحه بآرائه، ويعاتبه أحياناً على ما يراه “نافراً” في طريقة الحكم التي أرساها جبران…
هل تأخّر آلان؟
في الأسابيع الأخيرة، تنصّل الإيرانيون والسعوديون من انتخابات الرئاسة في لبنان. الجملة نفسها ردّدها دبلوماسيّو البلدين: “على اللبنانيين اختيار رئيسهم”. فتح هذا الباب أمام تصاعد الحراك الداخلي. بات السباق على نحت اسم مرشّح “معقول”، وتجميع “أسباب” انتخابه، من “الحيثيّة المسيحية” إلى “القبول العربي والدولي”، وألّا يكون “مرشّح تحدٍّ لأحد”، و”ألّا ينقّز الحزب”، وأخيراً تجميع الأصوات اللازمة لعبوره معموديّة مجلس النواب.
إقرأ أيضاً: لاستعادة 25 أيّار من الحزب
هنا يحمل آلان عون ورفاقه مشروعاً واضحاً:
– احترام اتفاق الطائف وتطبيقه بكلّ مندرجاته.
– تحسين علاقات لبنان مع الخليج، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية، ومع العرب عموماً.
– الإنقاذ المالي: إعادة هيكلة المصارف وترتيب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومكافحة تهريب المخدّرات، ومكافحة التهرّب الضريبي، وتوحيد سعر الصرف.
– الحوار في استراتيجية دفاعية لشبك السلاح بالدولة وربط قراره بها. وهذا من مصلحة الحزب قبل مصلحة لبنان.
ربّما تأخّر آلان في الخروج إلى الضوء. وربّما وصل في الموعد المحدّد على توقيت كرسي بعبدا وأحواله الجوّية والعواصف الإقليمية والرياح الدولية المحيطة بنا.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@