25 أيّار هو تاريخ إشكاليّ. هو تاريخ انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وتحرير ما بقي من جنوب لبنان، بعد تحرير جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية أجزاء كبيرة من لبنان، بدءاً من مشارف البقاع إلى بيروت والجبل وصيدا والنبطية… إلى معبر كفرتبنيت، حيث بقي الجزء الأصغر محتلّاً باعتباره “شريطاً حدوديّاً” تحمي به إسرائيل نفسها من هذه المقاومة.
على سبيل المثال تمّ تحرير مدينة صيدا في 16 شباط 1985، قبل تأسيس حزب الله. وهذا ليس تفصيلاً. أهل المدينة والشيوعيون والعروبيون حرّروا جزءاً كبيراً من الجنوب.
قبلها حرّرت “جمّول” بيروت، في 1982، قبل ولادة الحزب أيضاً. وبالتالي المقاومة هي امتداد تاريخي في لبنان، منذ مجازر الإسرائيليين في أربعينيات القرن الماضي، حتّى عام 2000.
25 أيّار هو تاريخ إشكاليّ. هو تاريخ انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وتحرير ما بقي من جنوب لبنان، بعد تحرير جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية أجزاء كبيرة من لبنان، بدءاً من مشارف البقاع إلى بيروت والجبل وصيدا والنبطية
بالطبع كان حزب الله هو الفصيل الأكثر نشاطاً في السنوات العشر الأخيرة، بين 1990 و2000. وتقدّم دوره مع انهيار الاتحاد السوفيتي وتراجع الحزب الشيوعي وتوقّف عمليّات “جمّول” لأسباب كثيرة، أبرزها “تصفية” أيّ مقاومة وطنية غير مذهبية، لتخلو الساحة للاستخدام الإقليمي من قبل نظام الأسد وإيران.
لكنّ للحزب دوراً كبيراً يجب ألّا تنكره أيّ مراجعة لهذا التحرير ولتاريخ 25 أيّار، الذي هو بالمناسبة تاريخ قرّرته إسرائيل لا المقاومة، والتزم به اللبنانيون باعتباره “عيد المقاومة والتحرير”.
“مذهبة” الذكرى وسحقها
بعد التحرير، بدا أنّ اللبنانيّين اتّجهوا صوب انقسام ظلّ يتراكم، مروراً بانفجاره في 14 شباط 2005، الذي تلاه انسحاب القوات السورية في نيسان 2005، ثمّ 7 أيّار 2008، حين أصابت شظايا المجزرة السنّيّة – الشيعيّة التي اندلعت في المنطقة، العاصمة بيروت، وقسّمتها وأسالت فيها دماء أهلها بعد اغتيال عدد من السياسيّين الاستقلاليّين…
وقعت الواقعة حين تقرّرت “مذهبة” ذكرى التحرير، والإيحاء أنّه تمّ بسواعد شيعية حصراً، فيما قتل في سبيله مئاتٌ وآلافٌ من غير الشيعة، أوّلهم جورج قصابلي، الشيوعي، في شارع الحمرا خلال الاجتياح…
للتذكير، أوّل قافلة “جمّول” كان جورج، وأوّل عملية شهيرة في الويمبي نفّذها أحد أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي، خالد علوان، وكان سنّيّاً، وكان قائد “جمّول” العسكري الياس عطاالله، ووقّع على بيان إطلاق “المقاومة” في 1982 من بيروت الأرثوذكسي جورج حاوي والشيعي محسن إبراهيم.
لكن بعد عام 2000 جرى “تشييع” الذكرى والمناسبة. غرق الشيعة في “استدراكهم” الاستقلاليّ. هم الذين غابوا تقريباً عن إعلان دولة لبنان الكبير، وعن الاستقلال الذي تصدّره مارونيّ هو بشارة الخوري وسنّيّ هو رياض الصلح، وقرّروا أنّهم باتوا مذهباً من “الباب الأوّل”. وهذه مساهمتهم في بناء لبنان.
في السنوات القليلة بين 2000 و2005 كانت الذكرى تشبه “إعلان الانتصار” على الداخل قبل إسرائيل. ومنذ 14 شباط 2005 باتت البقيّة صارت معروفة: اغتيالات وتفجيرات والمتّهم هو الحزب والشيعة، ثمّ 7 أيّار. وفي 2011 كان الانقلاب على الحكومة وذهاب الحزب إلى المشاركة في الحرب السوريّة، ثمّ اليمن والعراق…
الغريب حتّى اليوم هو أنّه بدل أن يكون تاريخاً مشتركاً بين اللبنانيين، ساهم من اعتبروا أنفسهم معنيّين به أكثر من غيرهم في أن يُبعدوا بقيّة اللبنانيين عنه، بدل أن يقرّبوهم منه
لاستعادة “وطنيّة” الذكرى
بعدها أصبحت ذكرى 25 أيّار مناسبة “شيعية”. حتّى المقاومون الأوائل، خصوصاً الشيوعيين، انقسموا في 2005 بين “حزب شيوعي” و”يسار ديمقراطي” تقدّمه سمير قصير، قبل قتله، وجورج حاوي من خلف الكواليس.. قبل قتله أيضاً بفارق 19 يوماً بينهما، فلحقا بمئات الكوادر التي صُفّيت بكواتم الصوت في الثمانينيات، لـ”تخلو الساحة” لغيرهم.
لكنّ الإنصاف يتطلّب التخفّف من أعباء الخلاف مع حزب الله على سلوكه الذي تلا التحرير. هناك، في تلك اللحظة، في 25 أيّار 2000، كنّا كلّنا شركاء: كلّ من فقد بيتاً أو عزيزاً، وكلّ من ابتعد عن أرضه، ومئات الآلاف ممّن تهجّروا من بيوتهم، ومن الذين دفعوا أكلافاً شخصية وماليّة ومعنوية، المضطرّين منهم قبل المتطوّعين، والذين قُتلوا غصباً عنهم، ربّما قبل الذين دفعوا دماءهم بإرادتهم…
25 أيّار كان خطّ النهاية الذي وصلنا إليه بجهود أحزاب كثيرة دفعت دماء آلاف المناضلين، وأجيالاً من الأعمار والذكريات والمآسي… وليس فقط بزنود المقاتلين بين عامَيْ 1990 و2000، على الرغم من اعترافنا بدورهم، خصوصاً نحن أهل الجنوب.
لكن بعد اتفاق الصين، وبعد “التهدئة” في المنطقة، من إيران إلى السعودية… وبعد قطار التنمية والاستقرار والازدهار الذي انطلق في الشرق الأوسط، لعلّ وعسى يكون لبنان من ركّابه… هذه دعوة إلى استعادة 25 أيّار من الحزب، وإعادته إلى سيرته الأولى:
– أوّلاً باعتباره ذكرى وطنية غير فئوية أو مذهبية، وملك كلّ من ساهم فيه، غصباً أو طوعاً.
– وثانياً: باعتباره عيداً حقيقيّاً، لا يذكِّر بغلبة مجموعة على أخرى، أو طائفة على غيرها.
إقرأ أيضاً: إيران وتبييض النفوذ: في غسّالة العرب.. الصينيّة
الغريب حتّى اليوم هو أنّه بدل أن يكون تاريخاً مشتركاً بين اللبنانيين، ساهم من اعتبروا أنفسهم معنيّين به أكثر من غيرهم في أن يُبعدوا بقيّة اللبنانيين عنه، بدل أن يقرّبوهم منه.
هذا عيدٌ لبنانيٌّ وطنيّ.. وحان الوقت لاستعادته.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@