استجابت طهران لواشنطن فأجاز السيّد التفاوض برّاً

2023-10-06

استجابت طهران لواشنطن فأجاز السيّد التفاوض برّاً


مع أنّ لبنان ليس على خريطة الترتيبات الجارية في المنطقة، كما أثبت ذلك الاتفاق على مشروع طريق الهند إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط ودول الخليج العربي، الذي استثنى لبنان (وسوريا) منه، خلال قمّة العشرين في نيودلهي قبل أربعة أسابيع، فإنّ التوجّه الأميركي نحو المحافظة على الاستقرار الإقليمي فرض سعي واشنطن إلى خفض التوتّر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، من باب تركيزها على حماية مصادر الطاقة في المنطقة، والحؤول دون أيّ تطوّرات أمنيّة أو عسكرية تهدّد استخراج الغاز في إسرائيل، ولاحقاً في لبنان.
تقول شخصيات تتردّد على العاصمة الأميركية إنّ الانطباع بعدم الاكتراث الأميركي بتفاصيل الأزمة اللبنانية وحصر اهتمامها بها في إطار اللجنة الخماسية المشكَّلة بينها وبين فرنسا والسعودية وقطر ومصر، لا يعني إهمالها الدور الإيراني في لبنان كعنصر مقرّر في ضمان هذا الاستقرار.

التفاوض الأميركيّ الإيرانيّ
بموازاة هذا الانطباع لدى هذه الشخصيات تفيد مصادر سياسية بارزة متابعة عن قرب للترتيبات الجارية على الصعيد الإقليمي وتأثيرها على الأزمة اللبنانية، أنّ الأنباء التي تسرّبت قبل أسبوع من طهران عن تجديد التفاوض بين الولايات المتحدة وبين إيران حول الملفّ النووي لم تكن لتظهر لو لم تكن قد بدأت فعلاً، متوقّعة أن تشمل بعض الملفّات الإقليمية، ومنها التهدئة في جنوب لبنان.

هوكستين وطلب لبنان وساطته في البرّ
تذهب هذه المصادر إلى حدّ الإفراج عن معلومات بأنّ طهران أبدت تجاوباً مع طلب أميركي بتسهيل ضمان الهدوء على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، وأنّ الجانب الإيراني دخل على خطّ بحث فضّ النزاع حول الحدود، لنزع فتيل التوتّر. ونقلت طهران الطلب إلى “الحزب” الذي استجاب بدوره، وفق تسلسل للأحداث يمكن ذكر الآتي منها:
1- نصب “الحزب” في 20-21 حزيران الماضي خيمتين على الحدود اللبنانية الإسرائيلية إثر إشكالات مع قوة إسرائيلية جرّاء حفريّات قام بها العدوّ في أرض محتلّة في منطقة كفرشوبا. واحدة من الخيمتين تقع جنوب الخط الأزرق في أراضي مزرعة بسطرة، وهي جزء من مزارع شبعا المحتلّة التي يعتبرها لبنان عائدة للسيادة اللبنانية، فيما ضمّتها إسرائيل باعتبارها جزءاً من أراضٍ سورية احتلّتها بعد سيطرتها على الجولان. أمّا الخيمة الثانية فتقع شمال الخطّ الأزرق. ويوجد فيهما عناصر من “الحزب”.

تكشف المصادر السياسية البارزة المتابعة عن قرب للتطوّرات الإقليمية أنّ الجانب الأميركي أثار في الاتصالات التمهيدية للمفاوضات المفترضة حول تجديد الاتفاق على الملفّ النووي الإيراني، مسألة التوتّر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ومدى تسهيل إيران للتفاوض على معالجة الخلاف

2- تمّت معالجة التوتّرات على الحدود في إطار اتصالات أجرتها قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، بتواصلها مع الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي الذي أصرّ على سحب الخيمتين، ثمّ اكتفى بطلب سحب خيمة بسطرة. وفي شهر تموز قدّم وزير الخارجية عبد الله بو حبيب طلباً رسمياً بوساطة أميركية باسم الحكومة اللبنانية إلى السفيرة الأميركية دوروثي شيا، بهدف معالجة أسباب التوتّر الحدودي الذي يحصل بين الفينة والأخرى.

تريّث أميركيّ
3- أُثير ترسيم الحدود البرّية وتثبيت حقوق لبنان في الـ13 نقطة المختلَف عليها، أثناء زيارة مستشار البيت الأبيض لشؤون أمن الطاقة العالمية آموس هوكستين لبيروت قبل أكثر من خمسة أسابيع.
4- اكتفى هوكستين في حينها بالاستماع إلى طلب الجانب اللبناني التوسّط لتحديد الحدود البرّية، وبتأكيد دعوة واشنطن إلى ضرورة خفض التوتّر جنوباً. كان اجتماعه إيجابياً مع رئيس البرلمان نبيه برّي الذي طلب منه أن يلعب دوراً في معالجة النزاع على الحدود البرّية، وأبدى الاستعداد للتعاون معه في هذا الصدد كما حصل أثناء المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية التي انتهت باتفاق في 27 تشرين الأول 2022.

هوكستين سأل عن مسيَّرة “كاريش”
أسفرت المحادثات مع هوكستين إلى الآتي:
– لم يلتزم لعب هذا الدور في شكل جازم. وبات معروفاً أنّه أبدى ملاحظة هي أنّ إنجاز اتفاق يحتاج من الجانب اللبناني وجود رئيس للجمهورية لأنّ المفاوضات منوطة به دستورياً، فدخل في نقاش سريع مع برّي حول مسألة الانسداد السياسي في البلد.
– اكتفى بنقل اقتراح إسرائيلي يقضي بانسحاب إسرائيل من تسع نقاط متنازَع عليها ومن الجزء الشمالي من قرية الغجر، مقابل إزالة “الحزب” الخيمة من مزرعة بسطرة. (عاد الجيش الإسرائيلي فقدّم هذا الاقتراح في اجتماع اللجنة الثلاثية التي تضمّ الجيشين اللبناني والإسرائيلي وقوات الأمم المتحدة، بعد أسبوع).
– ذكّره برّي بأنّ عدد النقاط التي يطالب لبنان بانسحاب إسرائيل منها 13.
– كان لافتاً أنّ هوكستين عاد أكثر من سنة إلى الوراء، أي إلى مرحلة التفاوض على الحدود البحرية والخلاف حول حقل قانا ليسأل بري: هل كانت قضية المسيَّرة (التي أرسلها الحزب في حينها قرب حقل كاريش الإسرائيلي مهدّداً باستهداف هذا الحقل إذا لم يحصل لبنان على حقل قانا…) “جدّية”؟ أجابه برّي: “نعم كانت جدّية”.

نصر الله بدوره يتجاوب ويجيز التفاوض
عكس سؤال هوكستين لبرّي الحذر الأميركي من تكرار حوادث من هذا النوع لمناسبة النزاع على الحدود البرّية، والحرص الأميركي على عدم حصول تصعيد بموازاة أيّ وساطة قد يقوم بها في شأن الحدود البرّية، خصوصاً أنّ هناك تعقيدات تتناول بعض نقاط النزاع، أبرزها نقطة الـB1 الواقعة على ساحل الناقورة، فضلاً عن مسألة مزارع شبعا المتّصلة بالمفاوضات بين لبنان وسوريا حولها.
هنا تكشف المصادر السياسية البارزة المتابعة عن قرب للتطوّرات الإقليمية أنّ الجانب الأميركي أثار في الاتصالات التمهيدية للمفاوضات المفترضة حول تجديد الاتفاق على الملفّ النووي الإيراني، مسألة التوتّر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ومدى تسهيل إيران للتفاوض على معالجة الخلاف حول النقاط الحدودية المختلَف عليها. وأرادت واشنطن التزاماً بتسهيل هذه المفاوضات إذا كانت ستدخل في وساطة في هذا الشأن.
تتابع المصادر نفسها: “يبدو أنّ طهران أبدت ليونة، في إجازة التفاوض على الحدود البرّية، ظهرت في خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الإثنين الماضي لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، الذي تناول فيه “الوساطة” ممتنعاً عن الإشارة إلى أنّها أميركية. وتضيف: “الأبرز في خطاب نصر الله كان هذه المسألة لأنّه جاء بناء على طلب طهران”.

إقرأ أيضاً: السيّد والنازحون: العين على “قانون قيصر”

قال نصر الله حرفياً ما سبق أن قاله في شأن المفاوضات على الحدود البحرية: “هذا الموضوع هو ‏مسؤولية الدولة اللبنانية، الدولة إذا هي تَقبل الوساطات، هي تُفاوض، هذا شأنها، نحن لسنا ‏معنيّين لا قبولاً ولا ردّاً، يعني لسنا معنيين أن نقول: نحن نَقبل هذه الوساطة أو نَرفض هذه ‏الوساطة، نحن نَعتبر أنّنا خارج هذا الشأن، الدولة، مسؤولو الدولة هم المعنيون بهذا الأمر، ‏أعتقد أنّ الوساطة الآتية إن أتت ستُركّز أكثر على موضوع منطقة شمال الغجر، لأنّهم يُريدون أن ‏يحلّوا مسألة الخيمتين”.
يبقى أن يسعى الجانب الأميركي إلى استكشاف الاستعداد الإسرائيلي لتقديم تنازلات، إلا إذا كانت واشنطن تعمل على حلول تدريجية كما أوحى نصر الله.
اعتبرت المصادر عينها أنّ نصر الله غلّب في كلامه التفاوض، وهو ما يخفّض مخاوف واشنطن من أيّ تصعيد، بناء على الطلب الإيراني. هذا على الرغم من تسخيفه لربط مسألة الحدود البرّية بمسألة انتخابات الرئاسة اللبنانية، وبالمفاوضات الأميركية الإيرانية.

ولهذا حديث آخر.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…