نخبٌ أميركية وسورية لبايدن: لا تدعوا الأسد “يأكل” السوريين

مدة القراءة 9 د

بعد تقارب بعض الدول العربية مع دمشق عقب مأساة زلزال 6 شباط الماضي وإرسالها الدعم البشري والمادي إلى المتضرّرين، وتسارع خطوات التقارب باتجاه التطبيع الرسمي مع نظام بشار الأسد في ظلّ التوافق السعودي – الإيراني برعاية الصين، زاد حذر أوساط سياسية وفكرية وإعلامية وعسكرية أميركية من إهمال الولايات المتحدة الملفّ السوري، وارتفعت أصوات تندّد بمحاولات تعويم نظام الأسد في محيطه العربي وبتراجع العقوبات ومفاعيل القوانين الأميركية التي تمنع إقامة أيّ نوع من العلاقات معه.

من بين هذه الأصوات مجموعة من 40 شخصية من مسؤولين أميركيين سابقين ونشطاء سوريين رفعت رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيّته أنتوني بلينكن حثّت فيها الإدارة الأميركية على “مواجهة محاولات التطبيع في المنطقة مع النظام السوري، لأنّها تقوّض أيّ أمل في الأمن والاستقرار الإقليميَّين”. واقترحت الرسالة إطاراً جديداً لإنهاء الأزمة في سوريا، وعدّة توصيات لـ”رؤية بديلة وقابلة للتنفيذ”، من بينها الحفاظ على “الوجود الأميركي في شمال شرق سوريا بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية”. كما أوصت بتطوير خطة بديلة لتسليم المساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال تجنّباً “لتهرّب نظام الأسد من العقوبات”.

بعد تقارب بعض الدول العربية مع دمشق عقب مأساة زلزال 6 شباط الماضي وإرسالها الدعم البشري والمادي إلى المتضرّرين زاد حذر أوساط سياسية وفكرية وإعلامية وعسكرية أميركية من إهمال الولايات المتحدة الملفّ السوري

دوافع الرسالة

اعتبرت المجموعة أنّ دوافع الرسالة تتلخّص في ما يلي:

– كشف الردّ الأممي البطيء تجاه الزلازل تكلفة إهمال الإدارة الأميركية للملفّ السوري.

– حاجة الولايات المتحدة إلى سياسة تعالج أسباب النزاع في سوريا ودوافعه، وليس أعراضه.

– لم تُحلّ أيّ مشكلة تسبّبت بقيام النزاع في سوريا، وعلى رأسها جرائم نظام الأسد، وعدم قدرته على البدء بإصلاحات ورفضه لها. وقد تفاقمت أعراض النزاع، بدءاً من المعاناة البشرية، مروراً بالاتّجار بالمخدّرات، وموجات اللجوء، والإرهاب، والنزاع الجيوسياسي، والأعمال العدائية العرقية والطائفية.

– لم تحقّق أيَّ تقدُّم كافٍ في سوريا أولويّاتُ سياسة إدارة بايدن الخارجية التي تقوم على التنافس بين القوى الكبرى ونشر الاستقرار على المستوى الدولي وفي الشرق الأوسط، وصيانة حقوق الإنسان، وتحقيق الرفاهية لدى البشر، ومحاربة انعدام الأمن الغذائي.

– جهود التطبيع التدريجي التي تبذلها بعض حكومات المنطقة لا تتطرّق إلى مصالح الأمن القومي الأميركية أو القضايا التي تتّصل بحقوق الإنسان، بل تقوّض قدرة المجتمع الدولي على رسم عملية سياسية تهدف إلى حلّ الأزمة بطريقة مجدية.

– نظام الأسد غير قادر على نشر الاستقرار في المناطق التي كانت في السابق تحت سيطرة معارضيه. وهو لا يرغب بفعل ذلك. وهذا ما يعود على تنظيم الدولة الإسلامية بالمنفعة ويبقيه قائماً بسبب حال الاستياء والسخط التي ترتّبت على الفساد الممنهج للنظام ومأسسته الجريمة المنظّمة وتكريسه حالة أمراء الحرب.

– أكثر من نصف المواطنين السوريين خارج سيطرة النظام، وليست لديهم أيّ رغبة بالعودة إلى سوريا التي يحكمها بشار الأسد.

– الضغوط الكبيرة التي تتحمّلها الدول المجاورة لسوريا بسبب وجود ملايين اللاجئين السوريين فيها لن تنتهي بلا تسوية دائمة تأتي عبر مفاوضات مجدية. ومن دون ذلك ستصبح موجات اللجوء إلى تركيا وأوروبا أمراً لا مفرّ منه مستقبلاً، وهو ما يعني أنّ اللاجئين بحاجة إلى خيارات تتّصل بعودتهم عودة آمنة ودائمة وغير قسرية.

نظام الأسد غير قادر على نشر الاستقرار في المناطق التي كانت في السابق تحت سيطرة معارضيه. وهو لا يرغب بفعل ذلك. وهذا ما يعود على تنظيم الدولة الإسلامية بالمنفعة ويبقيه قائماً بسبب حال الاستياء

إطار سياسيّ جديد

طرحت المجموعة رؤية بديلة قابلة للتطبيق تنسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254 تقوم على الركائز التالية:

– وقف إطلاق النار بصورة رسمية ورفض أيّ شكل من أشكال المصالحة أو الرضوخ لحكم النظام.

– تقديم مساعدات متزايدة طويلة الأجل في أعقاب الزلزال، وإضفاء الطابع الرسمي عليها عبر ترجمتها إلى حالة وقف لإطلاق النار، وضمان تحقيق ذلك من قبل أصحاب المصلحة من دول الخارج.

– نشر الاستقرار والتعافي المبكر في الشمال السوري والاستثمار الموجّه إلى بناء قدرات المجتمع، مع استمرار الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا.

– بذل الولايات المتحدة وحلفائها المزيد من جهود المساعدة الاستراتيجية، وتعزيز النفوذ لتهيئة الظروف التي تشجّع على الترابط بين الشمال الغربي والشمال الشرقي من سوريا، وتوضيح عدم قابلية رفض النظام الانخراط في عملية سياسية.

– إضفاء الطابع الرسمي على “مجموعة التواصل” المتعدّدة الجنسيات الخاصة بسوريا، وعقد اجتماعات دورية للبدء بصياغة استراتيجية سورية موحّدة وشاملة مدعومة بجمهور واضح.

– الاحتفاظ بقوات أميركية في شمال شرق سوريا بالتنسيق مع التحالف الدولي، ومواصلة الولايات المتحدة حملتها ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من أجل نشر الاستقرار وإعادة الإعمار مع بناء مقدرات المجتمع المحلّي.

– تعزيز الجهود الدبلوماسية الأميركية في ما يتّصل بعودة 10 آلاف سجين من المتّهمين بالانتماء إلى تنظيم داعش، وأكثر من 50 ألفاً إلى أوطانهم. وهم محتجزون حالياً في السجون والمخيّمات شمال شرق سوريا.

– دفع الولايات المتحدة وحلفائها بحزم باتجاه تمرير المساعدات عبر الحدود من خلال آليّة الأمم المتحدة الحالية، أو تمريرها مباشرة من خلال منظّمات غير حكومية محلّية.

– التأكيد على الحاجة إلى مواصلة تمرير المساعدات عبر خطوط التماسّ ومراقبة عمليات تسليمها.

– إيجاد تعريف واضح لعبارة “الإغاثة من الزلزال” على الفور، لتجنّب أيّ طرق للتهرّب من العقوبات.

– إعادة ضبط العلاقات مع تركيا، والانخراط في دبلوماسية رفيعة المستوى معها بشأن الاستجابة للكوارث داخل أحد حلفاء “الناتو” وعبر جميع أنحاء البلاد.

– الدفع باتجاه المحاسبة وإجراء تحقيقات حول جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، وإسراع المجتمع الدولي إلى إقرار قانون يضع آليّة دولية لتوضيح مصير أكثر من 100 ألف سوري مفقود ومختفٍ قسرياً.

من الجانب السوري حملت الرسالة تواقيع شخصيات سورية من تحالف المنظّمات، الذي هو تجمّع للمنظّمات السورية غير الحكومية التي تدعم وتقود العمليات الإنسانية في سوريا ودول الجوار

– التصدّي للتضليل الإعلامي والمزاعم التي ترى أنّ المعاناة في سوريا ليست سوى نتيجة للسياسة الغربية.

– مواصلة الولايات المتحدة دعمها واصطفافها مع معارضة إسرائيل تحويل سوريا إلى جبهة لتنفيذ أجندة إيران في المنطقة، وإلى قاعدة مخصّصة لأسلحة إيران الاستراتيجية، التي تشمل النظم الجوّية التي تستهدف المصالح الأميركية.

الموقّعون الأميركيّون

وقّع على الرسالة من الجانب الأميركي المبعوثون الخاصون السابقون إلى سوريا فريدريك هوف وجيمس جيفري وجويل رايبورن. الوكيل العامّ السابق للشؤون السياسية لدى الأمم المتحدة ومساعد سابق لشؤون الشرق الأقصى في وزارة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان. المعاونة السابقة لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في الوزارة والسفيرة الأميركية السابقة إلى مصر وباكستان وكولومبيا والسلفادور آن باترسون. النائب الأول السابق لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط في الوزارة والسفير السابق إلى اليمن جيرالد فايرستاين.

ووقّع على الرسالة رئيس القيادة المركزية الأميركية السابق الجنرال كينيث فرانك ماكنز، والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية بالوكالة جون ماكلولين، والضابط السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية نورمان رول، والنائب السابق للمبعوث الأميركي الخاص المعنيّ بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش لدى وزارة الخارجية السفير ويليام روبوك، والنائب السابق لمعاون وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط لدى وزارة الدفاع مايكل مولروي، والنائب السابق لمعاون وزير الدفاع لشؤون العمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب لدى وزارة الدفاع ويليام ويتشسلار، والمبعوث الأميركي السابق عن ولاية إيلينوي آدم كينزينجر، والجنرال المتقاعد أنطوني سي. زيني من قوات مشاة البحرية الأميركية، إضافة إلى كلّ من المدير التنفيذي لمنظمة التحالف المتعدّد الأديان تشارلز ليستر، ومديرة قسم المجتمع والعلاقات مع الشركاء لدى المجلس السوري الأميركي سوزان ميريدين، ومديرة برنامج سوريا المتخصّصة في الشؤون الإنسانية آنجيلا هادلستون، ورئيس قسم تمكين المرأة لدى مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لكلّية “سميث” ستيفين هيديمان، والباحثة في معهد نيولاينز إليزابيث تسوركوف، والباحث في معهد الشرق الأوسط برايان كاتوليس، والباحث في معهد المشروع الأميركي دانييل بليتكا، والباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ناتاشا هول.

إقرأ أيضاً: عودة “داعش” السجينة مسألة وقت؟

الموقّعون السوريّون

من الجانب السوري حملت الرسالة تواقيع شخصيات سورية من تحالف المنظّمات، الذي هو تجمّع للمنظّمات السورية غير الحكومية التي تدعم وتقود العمليات الإنسانية في سوريا ودول الجوار، وهم: عضو المجلس التأسيسي للمنتدى السوري عمار القحف، ورئيس منظمة ميدغلوبال ومبادرة الإيمان في سوريا د. زاهر سحلول، ورئيس “منظمة من أجل العدالة” وائل السواح، وشادي مارتيني، وأحد مؤسّسي المنتدى السوري المحامي ياسر طبارة، والمدير التنفيذي لفريق الطوارئ السوري معاذ مصطفى، ومدير شؤون المعتقلين لدى فرقة العمل السورية للطوارئ عمر الشغري، والمستشار السياسي السابق لدى المندوب الأميركي في الأمم المتحدة وائل الزيات، ورئيسة اللجنة التعليمية لدى منظمة “مسيحيون سوريون من أجل السلام” ميرنا برق، ورئيس “التحالف الأميركي من أجل سوريا” د. محمود برازي، ورئيس منظمة “أميركيون من أجل سوريا حرة” إسماعيل باشا، والباحثة لدى المجلس الأطلسي قتيبة إدلبي، ورئيس المجلس السوري الأميركي فاروق بلال وأعضاء المجلس علاء غانم، سوزان مريدن، محمد بكر غبيس، المحامية مي السعدني وفيصل عيتاني.

*المصادر: المونيتور، بوليتيكو، الغارديان

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…