“تنظيم الدولة الإسلامية – داعش” ما زال موجوداً، بل إنّ له “جيشاً من السجناء والمعتقلين والمحتجزين يضمّ 65 ألف شخص، من بينهم 10 آلاف مقاتل متمرّس، و25 ألف طفل يشكّلون قنبلة موقوتة. و”المفتاح لعودة قويّة” للتنظيم ليست سوى مسألة وقت إن لم يتمّ حشد جهود دبلوماسية دولية كبيرة لمواجهة هذا التحدّي.
تلك خلاصة ما توصّل إليه باحث بريطاني بارز من معهد الشرق الأوسط زار شمال شرقي سوريا أخيراً برفقة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال إريك كوريلا بغرض تفقّد السجون والمعسكرات التي تضمّ ما يقرب من 65,000 رجل وامرأة وطفل تربطهم صلة بـ”داعش”. وقال إنّه كان أوّل مدني يُسمح له بالدخول إلى قاعدة الرميلان الواقعة داخل مخيّمي الهول والروج، وأيضاً إلى سجن غويران الذي يخضع لحراسةٍ أمنيّة مشدّدة، وسُمح له أيضاً بالدخول إلى مقرّ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
“تنظيم الدولة الإسلامية – داعش” ما زال موجوداً، بل إنّ له “جيشاً من السجناء والمعتقلين والمحتجزين يضمّ 65 ألف شخص، من بينهم 10 آلاف مقاتل متمرّس، و25 ألف طفل يشكّلون قنبلة موقوتة
عن زيارته كتب الباحث تشارلز ليستر الذي تركِّز أبحاثه على تقويم حالة الصراع في سوريا عموماً، وعلى مكوّناته الجهادية خصوصاً، في مجلّة “بوليتيكو”: “عندما تعرّضت دولة داعش الإقليمية لهزيمتها الأخيرة قبل أربع سنوات في شرق سوريا، تنفّس العالم الصعداء بعدما أرعبه التنظيم سنوات طويلة”.
في السنوات التي أعقبت هزيمة داعش على الأرض، بقيت قوّة صغيرة من 900 جندي أميركي في شمال شرق سوريا لتقويض تمرّد التنظيم، جنباً إلى جنب مع الشريك المحلّي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على ثلث البلاد.
الهدف من وجود القوات الأميركية هو محاربة داعش، التي تواجه أيضاً تهديداً واضحاً بسبب قيام الميليشيات التي ترعاها إيران بهجمات ضدّ قوّاتها في المنطقة. وكما أوضحت القيادة المركزية الأميركية، إذا كان منع مواجهة داعش ومنع عودة ظهورها ثاني أهمّ أولويّات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنّ الأوّل هو مواجهة التهديدات التي تشكّلها إيران المعادية.
لقد تزايد إدراك خطر التهديدات الإيرانية في 23 آذار، عندما قصفت طائرة انتحارية إيرانية بدون طيّار قاعدة أميركية في شرق سوريا، وهو ما أسفر عن مقتل مقاول وإصابة خمسة أميركيين من العاملين ضمن الوجود الأميركي. مثل هذه الحوادث المتبادلة ليست جديدة على الإطلاق، فقد كانت هذه الحادثة هي الهجوم الإيراني التاسع والسبعين على القوات الأميركية في سوريا منذ كانون الثاني 2021، لكنّ الطبيعة المميتة للهجوم كانت نادرة جدّاً.
من الناحية اللوجيستية، المهمّة شاقّة، ذلك لأنّ الغالبية العظمى من النساء والأطفال البالغ عددهم حوالي 50,000 هم من العراق وسوريا. حتى الآن، انخرط العراق في تنظيم عودة مثيرة للإعجاب، لكنّ الأمر سيستغرق ستّ سنوات على الأقلّ حتى تكتمل
جيش من المقاتلين السجناء
تتمتّع “داعش” الإرهابية بميزة لا تقدّر بثمن: بقايا “دولتها” في الأراضي السابقة لسكّانها السابقين. في الأيام الأخيرة من المعركة المصيرية ضدّ آخر معارك لداعش في قرية الباغوز في آذار 2019، تمّ إلقاء القبض على جماعات من مقاتلي تنظيم الدولة وأفراد عائلاتهم. واليوم، يقبع أكثر من 10 آلاف من مقاتليه المتمرّسين في 26 سجناً مؤقّتاً لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، وتقيم 45 ألف امرأة وطفل في معسكرات مؤمّنة.و تمثّل أزمة المعتقلين هذه تحدّياً إنسانياً وأمنيّاً غير مسبوق، وترتبط بها تهديدات أمنيّة عميقة.
من الصعب التقليل من أهميّة التحدّي الضخم لمقاتلي تنظيم الدولة في السجون، مع وجود حوالي 10 آلاف في سوريا و20 ألفاً في العراق المجاور. ويقيم حالياً ما لا يقلّ عن 5 آلاف من أخطر مقاتلي التنظيم وأكثرهم تطرّفاً في سجن غويران في الحسكة بشمال شرق سوريا الذي هو عبارة عن مدرسة سابقة وتديره “قوات سوريا الديمقراطية”.
جيل من الأطفال الدواعش
تنظيم الدولة أبدى تصميماً متكرراً على تحرير 50 ألف امرأة وطفل محتجزين في مخيّم الهول. وقد تمّ إحباط العديد من مؤامرات داعش الرئيسية لمهاجمة المخيم في الأشهر الأخيرة. والحلّ الوحيد لأزمة المعتقلين هو إعادة الرجال والنساء والأطفال إلى بلدانهم الأصلية لمحاكمتهم أو إعادة تأهيلهم وإعادة إدماجهم.
من الناحية اللوجيستية، المهمّة شاقّة، ذلك لأنّ الغالبية العظمى من النساء والأطفال البالغ عددهم حوالي 50,000 هم من العراق وسوريا. حتى الآن، انخرط العراق في تنظيم عودة مثيرة للإعجاب، لكنّ الأمر سيستغرق ستّ سنوات على الأقلّ حتى تكتمل.
جحيم سينفجر
إذا ظلّ الوضع على ما هو عليه، فستستغرق إعادة النساء والأطفال إلى أوطانهم ما لا يقلّ عن 30 عاماً. لكنّ القوات الأميركية، الضرورية لاحتواء داعش وتأمين المنشآت، لن تبقى بالتأكيد في سوريا لفترة طويلة، بسبب الضغوط المتزايدة في الداخل لفكّ الارتباط مع الصراعات في المنطقة.
عندما تغادر القوّات الأميركية، سينفجر الجحيم، فالنظام السوري يتمتّع بسجلّ حافل لا يوصف في ما يتعلّق بداعش، الذي تجاهل فعليّاً صعوده منذ عام 2011. وحتى في وقت سابق، من 2003 إلى 2010، دعم نظام (الرئيس بشار) الأسد تمرّد داعش ضدّ القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها في العراق، موفّراً التدريب والدعم الاستخباري والمالي، فضلاً عن تسهيل وصول أكثر من 90% من مفجّريه الانتحاريين عبر الأراضي السورية.
إقرأ أيضاً: “الحرس الثوريّ”… الإسرائيليّ
إنّ الفشل في التعامل مع أزمة المعتقلين هذه هو سيناريو مثالي لعودة داعش. لكنّها أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، التي أنشأت وزارة خارجيّتها مجموعة عمل مشتركة بين الوكالات المخصّصة لهذه المسألة. لكنّ هذا لا يكفي. ومن الضروري حشد جهود دبلوماسية دولية كبيرة لرفع مستوى الاستجابة لهذا التحدّي إلى المستوى المطلوب. عندما دخل داعش الموصل وكلّ العراق وسوريا في عام 2014، تمّ تشكيل أكبر تحالف دولي في التاريخ الحديث للتدخّل. وهناك حاجة إلى بذل جهد مماثل اليوم. خلاف ذلك، فإن عودة ظهور داعش الكارثية مسألة وقت.
*تشارلز ليستر زميل أوّل في معهد الشرق الأوسط ومؤلّف كتاب “الجهاد السوري: القاعدة والدولة الإسلامية وتطوّر التمرّد”. عمل سابقاً في مركز بروكنغز بالدوحة، وركّزت أبحاثه على الإرهاب والتمرّد والتهديدات الأمنيّة.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا