رسائل لودريان فرنسية أم من اللجنة الخماسية؟

مدة القراءة 5 د


حرّكت رسالة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى مجلس النواب اللبناني المياه الرئاسية الراكدة والداكنة لأنّها أعادت إلى أزمة الاستحقاق الرئاسي نوعاً من الحركيّة التي افتقدها أخيراً. فقد انشغلت الساحة المحلّية بأحداث متنوّعة من اشتباكات عين الحلوة إلى حادثة الكحّالة، وصولاً إلى تطيير نصاب الجلسة التشريعية الأخيرة أمس، قبل أن يخطف لودريان الأضواء برسالة طلبت من النواب تحديد مواصفات الرئيس والعهد.

مجلس النواب، الذي سقط أمس في امتحان “النصاب” وعجز عن عقد “جلسة تشريع الضرورة”، غرق في رسالة مضادّة بعنوان “بيان من قوى المعارضة” بعث بها 31 نائباً أمس الأول، وكانت فجّة بوجه لودريان ورسالته، إذ أعلنت بتوقيع ربع البرلمان أن لا حاجة إلى الحوار قبل انتخاب الرئيس، وأنّ السلاح غير الشرعي مرفوض، وأنّ الأولوية لتطبيق القرارات الدولية، وأبرزها 1559 و1701. وبالتالي فإنّ مواصفات الرئيس تمرّ من هذه الشروط / البنود.

يرفض العارفون بالشأن الفرنسي الموافقة على أنّ رسائل لودريان تعدّ انقلاباً على مقرّرات اجتماع اللجنة الخماسية المولجة مساعدة لبنان في الدوحة. يقول هؤلاء إنّ الطلب إلى النواب كتابة رأيهم في مواصفات الرئيس لا يشكّل التفافاً أو تراجعاً عن مسلّمات وجوهر نقاط البيان الخماسي الجامع، وحتى البيانات الخاصة بكلّ دولة، إذ اكتسب لقاء الدوحة الأخير صفة الإجماع وشكّل البداية لتوحيد الرؤى حول طريقة وآليّة الحلّ في لبنان.

حرّكت رسالة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى مجلس النواب اللبناني المياه الرئاسية الراكدة والداكنة لأنّها أعادت إلى أزمة الاستحقاق الرئاسي نوعاً من الحركيّة التي افتقدها أخيراً

ماذا في مضمون الرسالة؟

تمحورت الرسالة، التي وصلت عبر بريد البرلمان الرسمي إلى نواب الأمّة، حول أولوية سيّد العهد الجديد ومواصفاته وصفاته. وهو ما يدخل في صلب البيان الثلاثي الموقّع على هامش أعمال الجمعية العامّة للأمم المتحدة من كلّ من المملكة العربية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية.

تواترت بعد البيان الثلاثي سلسلة كبيرة من التفاهمات واللقاءات التي دعمته، بدءاً من القمّة الأولى السعودية – الفرنسية في جدّة، وصولاً إلى القمّة الثانية التي انعقدت في باريس أخيراً. تزامن ذلك مع مجموعة كبيرة من المبادرات شكّلت مظلّة لكلّ هذه النقاط والبنود التي أكّدها اللقاء القطري الأخير، الذي شدّد على أولوية الحلّ المؤسّساتي الدستوري الضامن للصيغة اللبنانية.

لم تنبع رسائل لودريان من صفته الشخصية، بل جاءت من صفته ممثّلاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وصفته مبعوثاً رئاسياً فرنسياً خاصاً في لبنان وله، يحاول المساعدة في إيجاد حلّ وإنهاء أزمة الشغور الرئاسي اللبناني.

لم تأتِ رسائل لودريان بجديد. حاولت أسئلته تركيز بنود البيان الخماسي الأخير، وتحديد مواصفات الرئيس. وجاء جواب النواب كما هو منتظر بين مؤيّد ورافض. وقد اعتمد وزير الخارجية الأسبق أسلوب الرسالة الدبلوماسية، وهي طريقة تواصل دبلوماسية تشبه التواصل الهاتفي واللقاءات الثنائية. تشبه العصف الذهني الكتابيّ من أجل اختصار الوقت وعدم إضاعته، والبدء فوراً بما هو مفيد.

توجّهت الرسالة من الرئاسة الفرنسية ومن مبعوثها الخاصّ باسمها، محاولةً أن تمثّل اللجنة الخماسية، إلى مجلس النواب اللبناني عبر كتله ونوابه. فالمجلس هو المؤسّسة الدستورية الأمّ في لبنان، ووكيل الشعب ومصدر كلّ السلطات، ومحور النظام السياسي ومركز الشرعية فيه.

تمحورت الرسالة، التي وصلت عبر بريد البرلمان الرسمي إلى نواب الأمّة، حول أولوية سيّد العهد الجديد ومواصفاته وصفاته. وهو ما يدخل في صلب البيان الثلاثي الموقّع على هامش أعمال الجمعية العامّة للأمم المتحدة

بالنسبة إلى فرنسا يمثّل لودريان اللقاء الخماسي، ويتكلّم باسم دول خليّة الحلّ والعقد. لكنّ دبلوماسيين من دولتين رئيسيتين في “اللجنة الخماسية” يعتبرون أنّه “يمثّل بمبادرته الحوارية فرنسا فقط”.

لا خرق لـ”الإجماع الدوليّ”

غير أنّ هذه المعلومات لم تغيّر رأي العارفين بالمبادرة العرنسية ويؤكدون أنّ رسائل لودريان لم تشكّل خرقاً للبيان الخماسي من حيث الشكل. ولم يدعُ لودريان إلى حوار كلاسيكي. ولم يناقش الأمور والبنود الما فوق الرئاسية. أصبحت فرنسا مع الإجماع الخماسي بعد اللقاء الأخير في الدوحة. خلعت عنها سيرتها الأولى. وتنازلت عن مبادرتها القديمة. لم تعد ترقص وتعزف بشكل منفرد. وحتى لو أرادت فلن تستطيع. إذ تتمّ محاصرة فرنسا عبر مستجدّات شروط “الإجماع الخماسي الدولي” وثابتة “التوافق المحلّي اللبناني”.

لم يصدر عن فرنسا ومبعوثها أيّ ردّة فعل على طريقة التعامل مع المبادرة والرسالة، ولم يعلّقا على التصريحات. الرسالة هي فقط واحدة من طرق التواصل. فيما يعتمد لودريان على زيارته الثالثة في أيلول. ينسج ببطء أسلوب حلّه ورؤيته العملية من روحيّة البيان الثلاثي وبنود اللقاء القطري، ويحاول تحويل تصوّراته إلى وقائع تنفيذية. ويكمن الامتحان الفرنسي في إمكانية ثبات فرنسا ولودريان على صراط المهمّة ونقاطها، أي انتخاب رئيس للجمهورية. وتتركّز مهمّته على تسجيل خرق يؤسّس ويؤدّي إلى جلسات انتخاب رئاسية متتالية، وإلّا فلا جدوى من الرسالة ولن تفسد لودّ “الخماسية” قضيّة.

إقرأ أيضاً: الحزب يتحسّس أجواء 1559 جديدة…

الرسالة التي رفض جزء كبير من ممثّلي الأمّة اللبنانية الإجابة عليها، تبدو كما لو أنّها “حبّ فرنسي من طرف واحد”. الطرف الآخر يعتبر أنّ باعث الرسالة ليس صافي النيّة. هو حبّ من طرف واحد ربّما لانعدام الثقة، لكنّ لودريان ينفّذ دوره الأخير قبل أن يترك منصبه، وهو أن يبقي اسم فرنسا صاخباً في يوميّات السياسة اللبنانية.

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…