رسائل تركيّة أميركيّة عبر بريد السليمانيّة؟

مدة القراءة 7 د

تعرّض مطار السليمانية قبل أيام لاستهداف من قبل مسيَّرة قيل أنّها تركيّة وجّهت رسالة إنذار مباشر لموكب فرحان عبدي شاهين (مظلوم كوباني) الذي كان يضمّ قيادات في صفوف “قوات سوريا الديمقراطية ” وضباطاً أميركيين شاركوا في اجتماع أمني عُقد بحضور بافل طالباني زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وبذلك يكون شهر العسل التركي العراقي الذي بدأ في أعقاب زيارة محمد شياع السوداني للعاصمة التركية قبل أيام، قد تلقّى ضربة موجعة، خصوصاً بعدما ارتفعت حدّة التوتّر من جديد داخل مربع أنقرة – بغداد – واشنطن – إربيل.
السمكة الكبيرة لم يكن مظلوم عبدي، وأنقرة لم تكن تريد اصطياده. الهدف هو واشنطن نفسها، والتدليل بالجرم المشهود من جديد على ما توفّره من رعاية وحماية لهذه المجموعات وتسهيل لتنقّلاتها بين شرق الفرات وشمال العراق من دون الحاجة إلى سماع رأي دمشق وإربيل وبغداد.

هناك إصرار أميركي على التمسّك بـ”قسد”. لكنّ الإصرار الأميركي يستهدف أيضاً توفير الحماية لحليف آخر هو بافل طالباني في السليمانية. ردّة الفعل الغاضبة على  العملية التركية من أسرة الرئيس العراقي، المحسوب على حزب طالباني، مؤشّر إلى ذلك

ترصد القيادات السياسية والأمنية التركية عن قرب التحرّك والتنسيق المتزايد بين واشنطن و”قسد” تحت غطاء مواجهة مجموعات “داعش” التي لم يعد لها أيّ تأثير في سوريا والعراق.

لكنّ اللافت أكثر بالنسبة لأنقرة هو دخول لاعبين محليين وإقليميين على الخط للمساهمة في توسيع دائرة هذه الجبهة التي باتت تضمّ أيضاً حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” وميليشيات عراقية محسوبة على إيران، إلى جانب دعم الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ابن السليمانية والمحسوب على حزب طالباني.
فما الذي يقرّب بين واشنطن و”قسد” وبافل طالباني والرئيس العراقي على هذا النحو؟
لم تعلن أنقرة رسمياً مسؤوليّتها عن الهجوم الذي أثار ردّة فعل سياسية في العراق وأغضب واشنطن، خصوصاً أنّه يأتي بعد شهر على حادثة سقوط مروحيّتين تنقلان قيادات عسكرية في صفوف “قسد” باتجاه مدينة دهوك. لكنّ ردّ الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية فيليب فينتورا جاء سريعاً وحاسماً: “سنواصل التنسيق مع حلفائنا المحليين”.
لا أحد يسأل عن أسباب وجود “جنرال كوباني” في السليمانية، ومن كان يتباحث معه، وكيفية دخوله ومغادرته الأراضي العراقية، ومن الذي يوفّر له الغطاء السياسي، لأنّ الهدف مرّة أخرى هو رمي الكرة في ملعب تركيا ومطالبتها بالاعتذار وعدم تكرار ما حدث.

التنسيق بين طالباني وأميركا

يقول وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو إنّ العمليات ستتواصل ضدّ عناصر “حزب العمال الكردستاني” التي باتت تسيطر على كلّ مكان في السليمانية. قناعة أنقرة هي أنّ حزب طالباني هو من يوفّر المروحيات لـ”قسد”، وأميركا هي من توفّر لها غطاء التحرّك الجوّي.
بكلّ بساطة كان بمقدور المسيَّرة أن تستهدف الموكب مباشرة، لكن لم تفعل. الرسالة التركية تفيد باختصار أنّ أنقرة تتابع عن قرب الدعم الأميركي المقدّم لهذه المجموعات المحسوبة على “حزب العمال”، وأنّها تردّ على ما ردّدته القيادات الأميركية أكثر من مرّة عن ضرورة الفصل بين ما يجري في شرق الفرات وما يدور في شمال العراق.
لكنّ واشنطن مع كل ما يجري متمسّكة، على ما يبدو، بجملة من الأوراق في مواجهة أنقرة، ومن بينها:
– تحريك بافل طالباني في مواجهة مسعود بارزاني الذي وسّع من رقعة تنسيقه مع أنقرة في الآونة الأخيرة، بدليل اتّهام بعض وسائل الإعلام الأميركية إربيل بتزويد تركيا بالمعلومات الاستخبارية عن الاجتماع في السليمانية.
– دعم جهود طالباني للتقريب بين الرئيس العراقي وبين مجموعات “الحشد الشعبي” في مواجهة تركيا وسياستها في شمال العراق.
– مواصلة الهيمنة الجغرافية والاقتصادية على موارد المنطقة وتسهيل نقل البضائع والمنتجات والنفط عبر منافذ وطرق برّية عسكرية.
– التلويح بدعم خطة دمج المنطقتين الحدوديّتين في سوريا والعراق في مشروع أميركي واحد يخدم أكثر فأكثر مخطّط بناء الكيان الكردي المنفتح على جانبَي الحدود بعيداً عن الفدرالية والكونفدرالية هذه المرّة.

ما يقوله مظلوم عبدي عن أنّ الهجوم هدفه تعزيز فرص إردوغان في الفوز في الانتخابات، يُكمل ما يقوله شريكه صالح مسلم من أنّه لا بدّ من فوز كمال كيليشدار أوغلو في الانتخابات التركية لإزاحة إردوغان وحزبه

هناك إصرار أميركي على التمسّك بـ”قسد”. لكنّ الإصرار الأميركي يستهدف أيضاً توفير الحماية لحليف آخر هو بافل طالباني في السليمانية. ردّة الفعل الغاضبة على  العملية التركية من أسرة الرئيس رشيد، المحسوب على حزب طالباني، مؤشّر إلى ذلك.

ألن يسأل أحدهم: من الذي يوفّر الحماية والغطاء لتنقّلات قيادات “قسد” عبر خطّ الترانزيت بين الحسكة والسليمانية؟ وما هو الدور الذي يريد أن يلعبه طالباني على خط القامشلي – بغداد – واشنطن؟ وهل الهدف هو صناعة توازنات سياسية جديدة في شمال العراق تقوّي أكثر موقف السليمانية على حساب إربيل بدعم أميركي؟ أم هدف واشنطن هو مراجعة شكل الخرائط التي واكبت خطّة “سيفر” وفق الرغبة الأوروبية في عام 1920 والتي رفضتها أنقرة وقتذاك؟

التقريب بين روسيا وتركيا والأسد

تقول قناعة من يتبنّى وقوف تركيا وراء العملية إنّ أنقرة تعمّدت عدم توجيه ضربة مباشرة لمظلوم كوباني الذي كان يتحرّك برعاية القوات الأميركية، وإنّ كلّ ما أرادت فعله هو إبلاغ واشنطن أنّها هي أيضاً ترصد كلّ تحرّكاتها ونشاطاتها بين شرق سوريا وشمال العراق، وإنّ ما يجري سيقرّب أكثر فأكثر بين الشريكين التركي والروسي في سوريا من جهة ويسرّع التفاهمات بين تركيا والنظام في دمشق من جهة ثانية. احتمال أن تكون إربيل قدّمت خدمات لوجستية لأنقرة وارد طبعاً. القيادات الكردية هناك منزعجة من التقارب الحاصل بين “قسد” والسليمانية من جهة، وبين طالباني وواشنطن من جهة أخرى.
أعلنت “قسد” بشكل واضح أنّها تنسّق مع وحدات “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني” في شمال العراق بإشراف التحالف الدولي في إطار خطط الحرب على “داعش”. يتحدّى الثلاثي الجديد في مناطق التقاطع الجغرافي بين شرق الفرات وشمال العراق أنقرة في هذه المنطقة الجغرافية.
واشنطن قرّرت تحريك دمج الجغرافيا السياسية السورية والعراقية لبناء معادلة جديدة في وجه التفاهمات التركية – الروسية – الإيرانية التي قد تتمّ مع النظام في دمشق حول الطاولة الرباعية الروسية.
فما الذي تفعله الميليشيات الإيرانية إلى جانب المشروع الأميركي؟ أم ما يُقال عن وجود تنسيق أمني واسع بين طهران والسليمانية في شمال العراق في مواجهة تحالف أنقرة وإربيل هو حقيقة أيضاً، فيما الصراع الآن هو على من يكسب واشنطن إلى جانبه؟

إقرأ أيضاً: لوائح أحزاب تركيا: فوز المعارضة.. يعني انتخابات مبكرة؟

ما يقوله مظلوم عبدي عن أنّ الهجوم هدفه تعزيز فرص رجب طيب إردوغان في الفوز في الانتخابات وخلق حالة من الفوضى وخلط الأوراق بين القوى الكردستانية في إقليم كردستان العراق، يُكمل ما يقوله شريكه صالح مسلم من أنّه لا بدّ من فوز كمال كيليشدار أوغلو في الانتخابات التركية لإزاحة إردوغان وحزبه.
هي شوربة خضار “كرامبلي” على الطريقة الإسبانية، كما يبدو: تصعيد أميركي إيراني عسكري ميداني في سوريا والعراق، لكنّ ميليشيات إيران تدعم التنسيق بين طالباني و”قسد” في مواجهة تركيا بذريعة الدفاع عن الأراضي العراقية، وبافل طالباني يستقوي بالرئيس العراقي وأميركا التي تواجه طهران على أكثر من جبهة لكن ليس في شمال العراق.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…