لوائح أحزاب تركيا: فوز المعارضة.. يعني انتخابات مبكرة؟

مدة القراءة 7 د

تقول اللوائح الانتخابية التي قدّمتها الأحزاب التركية إلى اللجنة العليا للانتخابات بعد ظهر الأحد الماضي، والتي ستخوض على أساسها معركة الصناديق في 14 أيار المقبل، كلاماً مشابهاً لما كتبه الشاعر عبد الله الفيصل وردّدته كوكب الشرق في ثورة الشكّ: “يكذّب فيك كلّ الناس قلبي، وتسمع فيك كلّ الناس أذني”.
بقيت الأضواء مشتعلة ليلة السبت حتى الصباح في معظم المراكز الحزبية الرئيسية الموجودة في العاصمة التركية أنقرة. خلايا نحل تعمل لوضع اللمسات الأخيرة على لوائحها الانتخابية وتسليمها قبل الساعة الخامسة من بعد ظهر الأحد. القيادات الحزبية والسياسية والشعبية كانت تنتظر بقلق هذه اللوائح بعد تسليمها للّجنة العليا للانتخابات لتعرف أسماء الذين وقع الاختيار عليهم حسب لعبة التوازنات وفرص الحصول على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في مواجهة بقية الأحزاب. يرى الكثير من المتابعين أنّ الأمور اختلفت هذه المرّة عن المرّات السابقة في التقدير والاختيار والقرار من أجل الحصول على أكبر نسبة من المقاعد داخل البرلمان الذي يجمع 600 مقعد و26 حزباً قرّرت دخول المعركة الانتخابية.
لكن لماذا؟

اختار حزب العدالة أن تكون قيادات الصف الأوّل من الوزراء والحزبيين في طليعة أسماء اللوائح الموزّعة على 81 مدينة تركية. وهو يريد أوّلاً أن يكون تحت سقف البرلمان أكثر قوّة وتماسكاً في مواجهة سيناريو العودة للنظام البرلماني، وثانياً أن يستعدّ لسيناريو احتمال فوز المعارضة بالأغلبية البرلمانية

العودة إلى النظام البرلماني

في البدء هناك مسألة تراجع دور البرلمان التركي في عام 2018 بعد انتقال البلاد إلى النظام الرئاسي الذي منح رئيس الدولة المزيد من الصلاحيّات والثقل الإجرائي على حساب السلطة التشريعية. تقول اللوائح المعلنة إنّ كلا الطرفين في الحكم والمعارضة بنى حساباته هذه المرّة على احتمال العودة مجدّداً إلى النظام البرلماني، وهو وعد المعارضة الأوّل في حال فوزها. اختار حزب العدالة أن تكون قيادات الصف الأوّل من الوزراء والحزبيين في طليعة أسماء اللوائح الموزّعة على 81 مدينة تركية. وهو يريد أوّلاً أن يكون تحت سقف البرلمان أكثر قوّة وتماسكاً في مواجهة سيناريو العودة للنظام البرلماني، وثانياً أن يستعدّ لسيناريو احتمال فوز المعارضة بالأغلبية البرلمانية.
لكنّ مشكلة حزب العدالة بعد إعلان اللوائح كانت قبوله التنازل عن حوالي 10 مقاعد مضمونة لحلفائه الجدد، في حزب “الرفاه” وحزب “هدا بار” وحزب “اليسار الديمقراطي”، على أمل تصويت قواعد هذه الأحزاب الصغيرة لحزب العدالة. على عكس الانتخابات السابقة في العقدين الأخيرين يدخل إردوغان وحزبه في تحالف من هذا النوع وهو على قناعة أنّ الأمور تختلف عن المشهد السياسي والحزبي القديم وأنّ كلّ صوت له أهميّته في حسابات الربح والخسارة بعد شهر.
مشكلة “تحالف الجمهور” الثانية والأساسية، التي قد تقلب الحسابات رأساً على عقب، هي حزب الحركة القومية الذي يتزعّمه دولت بهشلي، والذي قدّم لحزب إردوغان الكثير من الدعم السياسي والبرلماني في الأعوام الأخيرة. فهو قرّر خوض الانتخابات بشكل منفصل عن بقيّة أحزاب التحالف:
أوّلاً سينافس الشركاء على المقاعد في العديد من المدن التركية.
وثانياً سيمنح أحزاب المعارضة فرصة تسجيل اختراقات بسبب هذه المنافسة الحزبية والانتخابية التي ستشرذم أصوات “تحالف الجمهور”.

الشريك الصغير الآخر في التحالف هو “حزب الوحدة الكبرى”. وقد وجد نفسه في ورطة مشابهة بعدما قرّر هو أيضاً تقليد حزب الحركة القومية لأنّه عجز، كما أعلن، عن إقناع قيادات حزب العدالة بالتوحّد في لوائح مشتركة، فيكون بذلك قد حرم هو أيضاً التكتّل عشرات الآلاف من الأصوات التي كانت ستؤيّده في المعركة الانتخابية.
لكن كيف نجحت قيادات “تحالف الجمهور” في الحكم بالبقاء موحّدة ومتماسكة طوال السنوات الماضية؟ ولماذا فشلت في توحيد لوائحها وتقاسم نوابها؟
الإجابة على السؤال ضرورية طبعاً، لكنّها قد تأتي متأخّرة إذا ما دفعت ثمن ذلك باهظاً عشيّة 14 أيار المقبل.

المسألة التي لا يتوقّف عندها الكثير من الأطراف هي: ما الذي سيحصده “حزب الشعوب الديمقراطية”؟ فهو قرّر دعم كيليشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، لكنّه قرّر خوض الانتخابات البرلمانية مستقلّاً أيضاً

أزمات المعارضة… ونجاحاتها

في الطرف المقابل، سيعاني تكتّل المعارضة أيضاً من تراجع أصوات “حزب الخير” الذي تقوده ميرال أكشينار في الأسابيع الأخيرة بعد فاجعة الانسحاب من التكتّل ثمّ العودة ليه.
لكنّ معضلته الأخرى ستكون مع بقيّة أحزاب المعارضة، وتحديداً “حزب البلد”، الذي يقوده محرم إينجا مرشّح الرئاسة والذي قرّر أيضاً أن يخوض المعركة بشكل مستقلّ، وهو ما سيحرم حزب الشعب الجمهوري من آلاف الأصوات.
ورقة التكتّل المعارض الأقوى التي سيلعبها في مواجهة “تحالف الجمهور” هي نجاحه في اللحظة الأخيرة من خلال مناورة التفاف احترافية في توحيد الأسماء واللوائح عبر تقاسم المناصب والأماكن داخل تكتّل الطاولة السداسية، ثمّ إنشاء تحالف ثنائي بين “حزب الشعب الجمهوري” و”حزب الخير” في 19 مدينة تركية، وتفعيل تحالف ثالث يضع بقيّة الأحزاب الأربعة، وهي “المستقبل” و”دواء” و”الديمقراطي” و”السعادة”، تحت جناح “حزب الشعب” نفسه، وقرار عدم ترشّحها بلوائح مستقلّة معلنة، وقبول حصّتها بحوالي 75 مرشّحاً قد يفوز منهم 20 شخصا على أقلّ تقدير. الهدف هنا هو الحصول على أكبر عدد من المقاعد في مواجهة “تحالف الجمهور”، ثمّ تشكيل كتلة نيابية مستقلّة تجمع هذه الأحزاب الصغيرة تحت سقف البرلمان الجديد.

“الشعوب” يريد الرئاسة

المسألة التي لا يتوقّف عندها الكثير من الأطراف هي: ما الذي سيحصده “حزب الشعوب الديمقراطية”؟ فهو قرّر دعم كيليشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، لكنّه قرّر خوض الانتخابات البرلمانية مستقلّاً أيضاً. وهو يملك شعبية واسعة في مناطق جنوب شرق تركيا وصفوف الناخب الكردي.
حصّته في مجموع الأصوات في الانتخابات السابقة كانت حوالي 11 في المئة. فما الذي سيحصل عليه هذه المرّة؟ وهل يوفّر الدعم الذي سيقدّمه لمرشّح المعارضة فرصة فوزه في الانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس إردوغان؟
ضحّى حزب العدالة بـ40 قيادياً مخضرماً التزاماً منه بقاعدة عدم التمديد لنوابه لأكثر من 3 مراحل انتخابية. لكنّه يقول إنّه فتح الطريق أمام العنصر النسائي وجيل الشباب الذين زاد من حصّتهم في اللوائح هذه المرّة. ويثق الحزب بقواعده الشعبية التي لن تتخلّى عنه، كما يقول. باعتبار أنّ هناك إنجازات عملاقة حقّقها في الداخل والخارج.
زعيم المعارضة كمال كيليشدار أوغلو جلس من ناحيته مساء الأحد المنصرم أمام الكاميرا ليسجّل فيديو قصيراً من مطبخ منزله وهو يحمل بصلة صغيرة بيده مردّداً: “الكيلو اليوم بثلاثين ليرة. إذا ما بقي حزب العدالة بعد الانتخابات فسيصل السعر إلى 100 ليرة”.

إقرأ أيضاً: أنقرة – واشنطن: “مش رمّانة..!”

أمام الأحزاب التركية 3 أيام فقط لمراجعة لوائحها قبل أن تعلنها رسمياً اللجنة العليا للانتخابات. فهل تقع مفاجآت في آخر لحظة عبر تعديل وتغيير بعض الأسماء والمواقع؟
تحتاج المسألة، كما يبدو، إلى التذكير بالسيناريو القديم الذي تحدّثنا عنه في السابق: قد يفوز إردوغان في معركة الانتخابات الرئاسية. قد تفوز المعارضة تحت سقف البرلمان. ستقع المواجهة حتماً حول الصلاحيات والقرارات والتنفيذ. سيكون التعايش الحزبي والسياسي بين تكتّلين دخلا في مواجهة صعبة منذ سنوات من بين المستحيلات هنا.
البديل الوحيد عندها هو الذهاب من جديد إلى انتخابات مبكرة تحسم المشهد السياسي المعقّد.

مواضيع ذات صلة

عودة “روكي”: جنون أميركا في ظلّ ترامب

كان هناك وقتٌ، في الزمان غير البعيد، حيث الانتخابات الأميركية كانت تُحكم بالمبادئ: كانت هناك برامج انتخابية، قيم، واحترام للمنصب. ثمّ جاءت سنة 2024، وقرّرت…

قوافل النّازحين… وفكرة “السّلام” المُلتبس

منذ 17 أيلول الماضي يوم شرعت إسرائيل في حربها ضدّ الحزب عبر تفجير أجهزة البيجرز والتوكي ووكي، بدأ النزوح الداخلي من جنوب لبنان وضاحية بيروت…

الكويت: تأكيد الهوية الوطنية لأهلها فقط..

على الرغم من الضجيج في المنطقة وأصداء أصوات الانتخابات الأميركية وما سبقها وتلاها، لا صوت يعلو في الكويت على صوت “تعديل التركيبة السكاّنية”، من خلال…

السّودان: إيران وروسيا تريدان قواعد عسكريّة

يغطّي غبار القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان صور المأساة المروّعة التي تعصف بالسودان، أكبر دولة عربية من حيث المساحة. فقد اضطرّ حتى الآن خُمس السكان،…