الحزب: قراءات خاطئة تصنع نتائج خاطئة

مدة القراءة 4 د

دقيقاً كان الزميل قاسم قصير في التقرير الذي نشره يوم الخميس الفائت في “أساس” تحت عنوان “قلق الحزب: انتصاراتنا الخارجية لا تُصرَف في لبنان”، فهو عكس بصدق واقع يعيشه الحزب وقياداته منذ نهاية عهد الرئيس ميشال عون، وخاصة مع تدهور العلاقة بين الحزب والتيار الوطني الحرّ بشخص رئيسه النائب جبران باسيل.
إن كانت الدّقّة متوفّرة في ما نقله فإنّ الخطيئة في تفصيل ما نقله الزميل قصير عن بعض المسؤولين في الحزب، وهو أمينٌ في المفردات التي نقلها.

ثلاث ملاحظات تُسجَّل على ما تمّ نقله عن مسؤولين في الحزب:
1- اعتبار أنّ كلّ ما فعله الحزب طوال 41 عاماً يُدرج في سياق الإنجازات وكأنّه حزب لا يخطئ أو معصوم كما الأنبياء عن الخطأ.
2- اعتبار تفاهم نيسان 1996 إنجازاً تمّ فرضه من قبل الحزب.
3- اعتبار اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أزمةً وحسب.

إنّ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليست أزمة كأيّ أزمة تعصف بالبلاد مثل أزمة الطحين أو أزمة غياب الطوابع البريدية أو أزمة الكهرباء. بل هي جريمة إرهابية كبرى

العصمة للأنبياء
يحصر أهل السُّنّة والجماعة العصمة بالأنبياء والمرسلين وحدهم دون غيرهم. فيما عند الطائفة الشيعية تتوسّع العصمة لتشمل الأئمّة من أهل بيت رسول الله، إلا أنّ أهل العقد والحلّ عند السُّنّة والشيعة ما قالوا في كتبهم ومراجعهم أو نُقل عنهم أنّ العصمة تشمل حزباً أو تيّاراً أو مجموعة سياسية أو عسكرية على مرّ التاريخ والعصور. ولذا ادّعاء أنّ ما حقّقه الحزب طوال الأربعين سنة الفائتة إنجازاتٌ حصراً هو أمر ينافي الحقيقة والمنطق.
لا يمكن في عجالة سريعة وصف احتلال ميليشيا الحزب لبيروت وجبل لبنان في 7 أيار 2008 بالإنجاز. وعندما أخطأ حسن نصر الله بوصف هذا اليوم باليوم المجيد تصدّى له معترضاً حليفه حينذاك رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص أطال الله بعمره. ولا يمكن أيضاً وصف حصار الآمنين والمدنيين في بلدة مضايا السورية حتى 2014 حيث مات البعض جوعاً وعطشاً بالإنجاز، سواء على المستوى الديني أو المستوى الشرعي. ولا يمكن أيضاً وصف اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أُدين فيه عناصر من الحزب وثبت ارتكابهم لجريمة الاغتيال بالإنجاز أو بالعمل الشريف.
لا بدّ لأيّ حزب أو تيّار أو حركة تعمل في السياسة والعسكر أن تخطئ وتصيب. وهي سُنّة من يعمل. لكن عندما ترى أيّ مجموعة أنّ كلّ أعمالها إنجازات، أو على العكس أن كلّ أعمالها خطايا، فإنّ ذلك يُصنّف ويوصف بالحالة المرضية التي تجب معالجتها والتفكير في أسبابها لتجاوزها.
الإمبراطوريات والممالك والجمهوريات عبر التاريخ والحاضر والمستقبل أصابت حيناً وأخطأت أحياناً، لكنّها ما كانت يوماً مصيبة على الدوام ولا ادّعت العصمة وتفوّقها عبر الزمن. فكيف بحزب يعاديه معظم اللبنانيين وغالبية العرب؟

نيسان لا يُنسى
من المؤكّد أنّ الحزب في ادّعائه أنّه هو من فرض تفاهم نيسان عام 1996 يرتكب أكبر كذبة في سياق ما يُعرف بـ”كذبة نيسان”. فهذا التفاهم الذي اعتبره الرئيس رفيق الحريري انتصاراً في حينه تحقّق بفعل ثلاثة عوامل:
1- صلابة وحيويّة القيادة السياسية الممثَّلة بالرئيس رفيق الحريري الذي ما هدأ هاتفه ولا طائرته الخاصة من أجل أن يجمع القيادات الدولية حول اتفاق سُمّي بتفاهم نيسان، وإلى يمينه ويساره الرئيسان الراحلان جاك شيراك وحافظ الأسد.
2- احتضان الشعب اللبناني من شماله حتى العاصمة بيروت لأهل الجنوب ومدّ يد العون لهم ومساعدتهم، وهو ما يمكن تسميته بالمقاومة المدنية التي لا يمكن للمقاومة المسلّحة أن تنتصر إن غابت تلك المقاومة.
3- صمود مقاتلي المقاومة على خطوط المواجهة المتعدّدة في الجنوب.

رحم الله رفيق الحريري
إنّ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليست أزمة كأيّ أزمة تعصف بالبلاد مثل أزمة الطحين أو أزمة غياب الطوابع البريدية أو أزمة الكهرباء. بل هي جريمة إرهابية كبرى وزلزال ضرب لبنان ما زالت تردّداته يشعر بها اللبنانيون حتى هذا اليوم في قيمة ليرتهم، وفي صورة اقتصادهم ومستوى معيشتهم. والتنكّر للتوصيف الحقيقي لهذه الجريمة الكبرى هو إيغال فيها على قاعدة “كاد المريب أن يقول خذوني”.

إقرأ أيضاً: قلق الحزب: انتصاراتنا الخارجية لا تصرف في لبنان

مصير القراءة الخاطئة
تقول القواعد العلمية والفكرية إنّ القراءات الخاطئة لا بدّ أن تؤدي إلى نتائج خاطئة. لا يمكن أن يُزرع القمح فيأتي الحصاد تفّاحاً، أو أن نزرع الشرّ كي ننتج خيراً. ما زالت قيادة الحزب تجري القراءات الخاطئة في مراجعاتها التي هي حاجة ملحّة، وهو ما سيؤدّي بالطبيعة إلى نتائج خاطئة. أوّل أسس الإصلاح أن يعمد الحزب إلى تحسين قراءته فيخضعها للحقائق والوقائع كي يحسّن مراجعاته.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

مواضيع ذات صلة

ولادة الجمهورية الثالثة: نهاية زمن السلاح… والطوائف

لم يجرؤ رئيس جمهورية، منذ اتفاق الطائف، وربّما منذ تأسيس لبنان، على التعهّد في خطاب القسم، بحصر السلاح بيد الدولة. كانت “المُقاومة” كلمة مُفتاحية في…

سقوط العقد الاجتماعيّ الإسرائيليّ

عانى اليهود في المجتمعات الغربية من الاضطهاد الديني. كانت فرنسا تمنع دخول اليهود إليها، وكذلك بريطانيا.   كانت هجرة يهود روسيا إلى أميركا هرباً من…

إسرائيل تدعو الشّرع للصّلاة في “الأقصى”؟

يختلف الإسرائيليون في تقويم الحكم الجديد في سوريا بقيادة أحمد الشرع (الجولاني سابقاً). إذ ينظر اليمين المتطرّف إلى هذه النخبة من “الإسلام السياسي” نظرة “الذئاب…

إشكاليّة لبنانيّة مزارع شبعا في قرارات مجلس الأمن(3/2)

تقع مزارع شبعا، بالنسبة للأمم المتحدة، ضمن الحدود السورية. وهي ليست لبنانية، ولذلك يعتبر الأمين العامّ للأمم المتحدة أنّ إسرائيل انسحبت في عام 2000 من…