تتسارع تفاعلات الاتفاق السعودي – الإيراني على ملفّات المنطقة. وتشمل المفاوضات ملفّات عدّة ولا تقتصر على اليمن:
– العراق وما يشهده من تحرّكات سياسية حاضران في التفاوض.
– سوريا كذلك، وصولاً إلى الاجتماعين اللذين عُقدا في جدّة وعمّان.
– لبنان لا يمكن أن يكون بعيداً عن هذا المسار. فهو يرتبط بالملفّ السوري وملفّ اللاجئين السوريين الذين تشكّل عودتهم عنواناً أساسياً لأيّ من أبواب التعاون العربي مع دمشق. وهناك تركيز على المجال السياسي والتسوية التي تنتج رئيساً للجمهورية ورئيساً للحكومة وحكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات في لبنان وعلى التواصل مع المجتمعَين العربي والدولي لمواكبة الضغوط التي تدفع في اتجاه إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
الحيثيّة السنّيّة العراقيّة
في العراق نشاط ملحوظ ومكثّف ومتسارع للسفيرة الأميركية. وهذا يدفع بعض الجهات القريبة من طهران إلى الاعتقاد بأنّ ثمّة تغييرات كثيرة ستحصل هناك. وتبرز مخاوف من عودة “البعث” أو عودة رغد صدّام حسين إلى البلاد، كجزء من إعادة الاعتبار إلى الوضع السّنّي في العراق. وهناك حركة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
يسود اعتقاد في أوساط المقرّبين من طهران أنّ حكومة محمد شياع السوداني تعمل على تقديم تنازلات للأميركيين ولدول الخليج أكثر من حكومة مصطفى الكاظمي. كانت بعض التغييرات قد طُرحت قبل سنوات على مسؤولين عراقيين، بمن فيهم مقتدى الصدر، فلم يتمّ القبول بها. لكن اليوم تجد طريقاً إلى التقّدم تحت عنوان تجديد الحيثيّة السنّية في العراق.
يتشابه المساران السعودي والإماراتي في شأن التعاطي مع الملف السوري
لا تخفي مصادر قريبة من المحور الإيراني التعبير عن بعض خيبتها. ولكنّها تؤكّد أنّ هذه القرارات تأتي من مراجع عليا، ولا مجال للنقاش فيها.
المسار السوريّ
يرتبط الملفّان اللبناني والسوري بتسارع وتيرة العلاقة بين دمشق والرياض. المسار السوري أكثر تعقيداً نظراً لتداخلات إقليمية ودولية. وهناك معلومات تفيد أنّ الإيرانيين هم الذين مارسوا ضغوطاً كثيرة على النظام السوري لتقديم تنازلات سياسية وأمنية لصالح المملكة العربية السعودية، بما فيها تسليم أسماء سوريين ومن جنسيات أخرى متّهمين بعمليات تهريب المخدّرات إلى السعودية. هذا إضافة إلى تسريب معلومات عن تهريب شحنات مخدّرات من لبنان.
يبقى الملفّ السوري أكبر وأكثر تعقيداً، ويحتاج إلى وقت أطول، خاصة الواقع السياسي ومسألة اللاجئين الذين غالبيّتهم من الطائفة السنّية. وهذا ما يفترض تقاطعات إقليمية ودولية توفّر مقوّمات حلّ الأزمة السورية. أمّا الواقع اللبناني فيمكن أن تتوفّر التقاطعات عنده في وقت أقصر.
تسير العلاقة بدمشق وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة. وتكشف مصادر أنّ خطوة الكشف عن تهريب المخدّرات وتوقيف شحنات كثيرة قابلتها بعض المساعدات السعودية للنظام. الاختبار الثاني عنوانه إعادة عدد من اللاجئين السوريين من الأردن إلى بلادهم، وضمان أمنهم وسلامتهم. وهذا مرتبط بتوفير الإجراءات اللازمة لتوفير مساكن لهم، وبمدى التزام النظام السوري بذلك مقابل حصوله على مساعدات تتّصل بإعمار المناطق التي يعودون إليها.
رؤية سعوديّة جديدة
يتشابه المساران السعودي والإماراتي في شأن التعاطي مع الملف السوري. صحيح أنّ دولة الإمارات كانت الأولى في انفتاحها على دمشق. وفيما بعد أعطى التطوّر السعودي ثقلاً أكبر لهذا الملف. وتقول مصادر إنّ هذا التحوّل مبنيّ على جملة معطيات:
– قناعة سعودية وإماراتية واضحة بضرورة عدم استمرار الصراع في سوريا، وعدم ترك الساحة للإيرانيين والأتراك، بعد الانشغال الروسي في أوكرانيا.
– ترتكز النظرة الخليجية لاستعادة العلاقة بدمشق على عدم الدخول إلا من بوّابة التواصل مع النظام في هذه المرحلة.
– استمرار القطيعة مع دمشق يخدم إيران في تحقيق مشروعها الاستراتيجي على المدى البعيد. لذلك لا بدّ من استعادة حصّة من النظام السوري والعودة إلى الساحة السورية.
– استمرار القتال وانعدام الاستقرار يخدمان المشروع الإيراني الهادف إلى إحداث تغيير ديمغرافي. فصحيح أنّ إيران عملت على نقل مجموعات موالية لها من داخل سوريا ومن خارجها إلى مناطق أساسية في دمشق وغيرها بعد تهجير سكّانها الأصليين، لكنّ تثبيت هذا التغيير وتكريسه يحتاجان إلى سنوات طويلة كي يتمكّن الذين انتقلوا من تكوين عائلات وإنجاب أطفال وتثبيت حضورهم على المدى الأبعد. وهذا لا يمكن أن يتحقّق إلا في حال استمرّ القتال أو الصراع ودامت القطيعة مع النظام السوري.
– شرعت إيران في نشر التشيّع في صفوف بعض البيئات السورية، وتحديداً في قلب دمشق أو في مناطق العلويين أو في شرق سوريا عبر بعض القبائل. وهذا استند إلى إغراءات مالية أو تهديدات أمنيّة. لذلك لا بدّ من مواجهته بإعادة هؤلاء إلى “التسنّن”. وهذا يعتبره العرب أسهل بكثير من ذهابهم نحو التشيّع.
هناك معلومات تفيد أنّ الإيرانيين هم الذين مارسوا ضغوطاً كثيرة على النظام السوري لتقديم تنازلات سياسية وأمنية لصالح المملكة العربية السعودية
انسحابات من سوريا
يضرب هذا التوجّه الخليجي مشروعَ النظامين السوري والإيراني الذي يريد تحقيق تغيير ديمغرافي هائل في سوريا. ويرتبط هذا الأمر بملفّات أخرى أمنيّة وعسكرية. ويركّز موقف دول الخليج على ضرورة انسحاب كلّ القوى العسكرية الأجنبية من الأراضي السورية، وإعادة الاعتبار إلى الجيش السوري وسيطرته على المناطق المختلفة. وتشير مصادر إلى أنّ التوازن سيعود على صعيد البنية العسكرية، خصوصاً أنّ العلويين خسروا في الحرب أكثر من 100 ألف مقاتل. ولذلك استند النظام إلى مساعدة الحزب وعراقيين وأفغان وإيرانيين.
أمّا التفاوض حالياً فيتركّز على ضرورة انسحاب هؤلاء. وتؤكّد المعطيات أنّ التفاوض مع النظام السوري وصل إلى مراحل جدّية في مسألة خروج القوى الأجنبية من سوريا. وتقول مصادر: “لم يكن بلا معنى شرط بشار الأسد للقاء إردوغان وضع برنامج واضح لانسحابه من سوريا، بل هو يفتح مساراً جديداً ليطلب فيما بعد انسحاب كلّ القوى من سوريا، كي يبسط الجيش السوري سيطرته. وهو يقول بشكل واضح إنّه يريد إعادة تعزيز الجيش السوري”. وستكون هذه المسألة حاضرةً في كلّ اللقاءات والبيانات الخاصة بسوريا التي ستصدر عن الدول العربية: خروج القوى الأجنبية وعودة سوريا إلى الحضن العربي.
إقرأ أيضاً: مرحلة سين سعوديّة فقط!
لا يمكن للبنان أن يكون بعيداً أو مستثنى من هذه التطوّرات، ولا سيما زيارة وزير الخارجية الإيراني بيروت، والتحرّكات الدبلوماسية الأخرى: الفرنسية والأميركية وحتى العربية. وهناك معلومات تفيد أنّ المساعي تتكثّف من أجل أن تتّفق قوى المعارضة على مرشّح قادر على تحصيل 65 صوتاً والتفوّق على سليمان فرنجية بعدد الأصوات التي ينالها، وهذا يمهّد للانتقال إلى النقاش حول هذا المرشح للخروج من الاستعصاء القائم.
في هذا الإطار تقول مصادر متابعة إنّ المطلوب هو البحث عن شخصية رئيس قادر على التواصل مع الجميع، ويحظى بثقة المجتمع الدولي، ولا تعتبره القوى السياسية، ولا سيما القوى المسيحية، عنصراً مهدّداً لها أو قادراً على منافستها سياسياً وشعبياً من خلال تشكيل حيثية معيّنة تغرف من صحونها.