اغتنم زعيم المعارضة التركي كمال كليجدار أوغلو فرصة تقارب الأصوات بينه وبين منافسه الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان ليعلن أوجه الاختلافات السياسية التي تميّزه عن إردوغان:
– هويّته الدينية.
– جذبه الناخبين الأتراك ليس فقط في الداخل، لكن أيضاً في الخارج، حيث يمكن لأكثر من 5 في المئة من الأصوات أن تحسم النتيجة.
لكن ما الذي يجعل من يقول: “أنا علويّ” يتقدّم على إردوغان؟
تقوم المعارضة التركية بكلّ أطيافها في السويد بحشد الأصوات ضدّ إردوغان مع الدعوة إلى التصويت الكثيف لصالح منافسه
الذاكرة واضطهاد العلويّين
قبل أشهر قليلة كانت أصول كليجدار أوغلو وافتقاره إلى الكاريزما من الأسباب التي استبعدت أيّ فرصة لديه ضدّ إردوغان. لكن بعد ظهوره مرشّحاً للمعارضة في كلمة مصوّرة كشف فيها عن ديانته ضمن دعوة إلى تكاتف جميع الأتراك لبناء وطن أفضل، تصاعدت فرصه في الفوز.
عنصر المفاجأة كان عاملاً في زيادة شعبيّته. لكنّ تطرّقه إلى أصوله العلويّة ينطوي على الاستفادة من التذكير بتاريخ العلويين مع الاضطهاد، وبالمذبحة التي شهدتها مقاطعة تونجلي، مسقط رأسه، سنة 1938، والتي كان إردوغان أوّل رئيس تركي يعتذر رسميّاً عنها، على الرغم من إشارته مراراً إلى أنّ منافسه شخص لا يمكن للمسلمين السُّنّة الاعتماد عليه.
قدرة كليجدار أوغلو على منافسة إردوغان أتت بعد محاولات عديدة من العلويين لإنهاء عزلتهم السياسية في تركيا، وإصرارهم على أنّهم ليسوا مجموعة أقلّية، وتردّدهم في صياغة مطالبهم الدينية والثقافية في إطار حقوق الأقلّيات المكفولة بموجب معاهدة لوزان للسلام لعام 1923، التي جاءت شروطها على حساب مشاركتهم في العمل السياسي. وتاريخهم هذا الذي كانوا فيه أقليّة تركية شجّع العديد منهم على التصويت لمرشّح يعدهم بالتغيير.
الاقتصاد الناخب الأوّل
جاءت كلمة كليجدار أوغلو وسط مشاعر إحباط أصابت نظام إردوغان لأسباب كثيرة:
– تفاقم الأزمة الاقتصادية.
– العداء التركي للّاجئين السوريين.
– استياء من تعرّض الصحافيين والسياسيين المعارضين للسجن.
– غضب من تأخّر استجابة الحكومة لتداعيات الزلزال المدمّر في وقت سابق من هذا العام.
احتدمت المنافسة بين إردوغان وكليجدار أوغلو، وأصبحا متكافئين في النتيجة. والأصوات التي ستنصبّ لصالح كليجدار أوغلو تنطوي على رغبة الناخبين في إدخال خطط جديدة لتعافي اقتصادهم. وأظهر استطلاع رأي نشره موقع “المونيتور” أنّ الاقتصاد أهمّ قضية بالنسبة للناخبين الأتراك.
يدرك المتنافسان أنّ التكافؤ في الأرقام موجود قبل احتساب أصوات الناخبين المغتربين الذين يشكّلون أكثر من خمسة في المئة، ومعظمهم في أوروبا، والعدد الأكبر في ألمانيا. وهذه النسبة يمكن أن تكون كافية لحسم الفوز بالرئاسة.
على الرغم من تقدّم كليجدار أوغلو في نتائج الاستطلاعات الأخيرة، يظلّ كشفه عن أصوله قبل أسابيع من الانتخابات واستعجاله الشعور بنصر انتظرته المعارضة طويلاً، مثار تساؤل عن حنكته السياسية
ضعف شعبيّة إردوغان في الخارج
في انتخابات عام 2018 حصل إردوغان على أغلبية أصوات الأتراك في ألمانيا وفرنسا وهولندا، بينما كان الدعم أقلّ في بريطانيا وإيطاليا والسويد. ففي ألمانيا حصل على 64 في المئة ليس فقط بسبب خبرة آلته الانتخابية وسيطرته على وسائل الإعلام، بل لأنّ معظمهم من السُّنّة ومؤيّدون للنظام. وهذا على خلاف السويد مثلاً، حيث النسبة الكبرى هي من الأتراك الكرد ومعارضي النظام.
في الانتخابات الأخيرة حصل المرشّح الرئاسي التركي الكردي المسجون حاليّاً، وهو صلاح الدين دميرتاش من حزب الشعوب الديمقراطي، على نسبة 30 في المئة من أصوات الأتراك في السويد. ولم يفُت دميرتاش أخيراً أن يعلّق على كلمة كليجدار أوغلو المصوّرة كاتباً على تويتر: “أؤيّد بشدّة هذه الرسالة الجميلة”. وهذه خطوة يمكن أن تساعد في حشد أصوات الأتراك المعارضين للنظام، ولا سيما أنّ علويين كثيرين هم من الأكراد.
اتّبع إردوغان سياسة إسلامية في أوروبا من عناصرها:
– تأسيسه هناك مئات المساجد واستخدامها لكسب أصوات الأتراك.
– سيطرة رئاسة الشؤون الدينية والمعروفة باسم “ديانت” على العديد من المساجد التركية لتحقيق مصالح أنقرة.
لكنّ أصوات منتقدي نظامه تزايدت بعد سلسلة الأزمات الأخيرة التي قلّلت من شأن المزايدة الدينية والسياسية التي يعتمدها إردوغان.
تقدّم أوغلو في صناديق “الخارج”
تتباين المسائل التي بسببها يخاطر إردوغان بخسارة أصوات الناخبين في الدول العشر الأوروبية حيث يعيش معظم الأتراك المغتربين. العدد الأكبر من الأتراك الذين يحقّ لهم التصويت يعيشون في ألمانيا (1.44 مليون شخص). والعدد الأقلّ في إيطاليا (15,500).
وفيما تتركّز معظم انتقادات الأتراك المغتربين على تحوُّل سياسة إردوغان نحو “الاستبداد” و”إضعاف الديمقراطية”، وتطالب الحزب الحاكم بضرورة تداول السلطة وإدخال فكر جديد يغطّي مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تكثّف المعارضة في أوروبا، وأغلبيّتها من الأتراك الكرد، هجومها على سياسة إردوغان المتشدّدة تجاهها، منتقدةً تصويره المعترضين والمعارضين طابوراً خامساً. نسبة كبيرة من المعارضة والأتراك الكرد تعيش في إيطاليا والدنمارك وفي السويد التي تحتوي على حوالي 39,000 ممّن يحقّ لهم التصويت.
إقرأ أيضاً: إردوغان وبوتين… وبشّار!
تقوم المعارضة التركية بكلّ أطيافها في السويد بحشد الأصوات ضدّ إردوغان مع الدعوة إلى التصويت الكثيف لصالح منافسه. وأخيراً قامت بإضافة بند جديد إلى قائمة الاعتراض ضدّ إردوغان: تصميمه على الحؤول دون تمكين السويد من الانضمام إلى حلف الناتو لاحتوائها المعارضة التركية والأكراد.
على الرغم من تقدّم كليجدار أوغلو في نتائج الاستطلاعات الأخيرة، يظلّ كشفه عن أصوله قبل أسابيع من الانتخابات واستعجاله الشعور بنصر انتظرته المعارضة طويلاً، مثار تساؤل عن حنكته السياسية في بلد شهد انقلاباً عسكرياً في عام 1980 لترسيخ المذهب السنّيّ في الداخل التركي، وفي خارج يرتاد فيه مئات الألوف من المصلّين الأتراك مساجد تحت سيطرة “ديانت”.