لرئيس يفهم العالم.. ولا يمثّل إيران

مدة القراءة 6 د

يمكن لتبسيط الأمور المساعدة في إيجاد مدخل لإعادة تشكيل لبنان ووقف الانهيار. يمكن تبسيط الأمور عن طريق سدّ الفراغ في رئاسة الجمهوريّة، علماً أنّه بات مطروحاً التساؤل التالي: هل هناك جمهوريّة حتّى تكون هناك حاجة ما إلى رئيس لها؟

على الرغم من كلّ هذا الانهيار اللبناني الذي لا قعر له، لا تزال الحاجة أوّلاً إلى رئيس جديد للجمهوريّة “عينه شبعانة”، كما يقول المثل الشعبي، لعلّ وعسى يساهم ذلك في توفير بعض الأمل.

يبدو مطلوباً، أكثر من أيّ وقت، العثور على الرئيس القدوة الذي يعرف ما يدور في المنطقة والعالم وكيف تعمل المؤسّسات الدولية. الأهمّ من ذلك كلّه ألّا يكون هذا الرئيس في تصرّف “حزب الله”… كما كانت عليه الحال في عهد ميشال عون – جبران باسيل.

بكلام أوضح، ثمّة حاجة إلى رئيس للجمهوريّة يكون مرجعية لكلّ اللبنانيين. رئيس يدرك في الوقت ذاته ما هو “حزب الله” وما هي طبيعة أدواره في لبنان وخارجه، في سوريا والعراق واليمن على سبيل المثال وليس الحصر.

ليس كثيراً على لبنان أن يكون لديه الرئيس القدوة الذي يعرف معنى أن يكون وزير الخارجية، خصوصاً عندما كان جبران باسيل في هذا الموقع، صوت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران داخل مجلس جامعة الدول العربيّة

هناك حاجة أيضاً إلى رئيس يعرف ما هي إيران التي تقف خلف الحزب والتي تعتبره الأداة الخارجيّة، الأهمّ والأنجح، منذ قيام “الجمهوريّة الإسلاميّة” في عام 1979. الأكيد أنّ مثل هذا الرئيس اللبناني موجود. هناك عدد لا بأس به من الموارنة يتمتّعون بهذه الصفات. لكنّ السؤال: هل مسموح أن يكون للبنان رئيس للجمهورية يمتلك مثل هذه الصفات في ظلّ موازين القوى الإقليمية القائمة في المنطقة حالياً؟

الأكيد أنّ الظروف الراهنة لا تسمح بذلك في ظلّ إصرار “حزب الله” على أن يكون العهد الجديد مكمّلاً لـ”العهد القويّ” الذي يُعتبر من أهمّ إنجازات الحزب، كي لا نقول أهمّ ارتكاباته في حقّ لبنان واللبنانيين، في السنوات الأربعين الأخيرة.

لبنان صوت إيران في جامعة الدول العربية

من الطبيعي استمرار الفراغ الرئاسي في هذه الظروف بالذات حيث الحاجة أكثر من أيّ وقت إلى صوت لبناني عاقل يتحلّى بالاعتدال ويصارح اللبنانيين بما هي عليه حال بلدهم. سيستمرّ الفراغ الرئاسي في غياب تغيير جذري على الصعيد الإقليمي يُعيد لبنان إلى اللبنانيين. يُفترض في مثل هذا التغيير إعادة الاهتمام العربي والدولي بلبنان بدل الاكتفاء بالقول إنّ البلد ساقطٌ عسكرياً وسياسياً ولا مجال لإنقاذه بأيّ شكل.

نعم، لبنان في حاجة إلى الرئيس القدوة، أي إلى رئيس يتّخذ مواقف وقرارات معاكسة كلّيّاً لتلك التي اتّخذها الثنائي الرئاسي ميشال عون – جبران باسيل الذي عمل تحت شعار السلاح يحمي الفساد. في ظلّ هذا الشعار، عمل الثنائي، قبل أن يصل ميشال عون إلى قصر بعبدا، على منع الكهرباء عن لبنان واللبنانيين وتحويل هذا القطاع إلى مجال للسمسرات التي كلّفت الخزينة العامّة مليارات الدولارات. في ظلّ هذا الشعار أيضاً، قطع ميشال عون الطريق باكراً على تحقيق دولي في تفجير مرفأ بيروت حتّى لا تُعرف الحقيقة يوماً.

ليس كثيراً على لبنان أن يكون لديه الرئيس القدوة الذي يعرف معنى أن يكون وزير الخارجية، خصوصاً عندما كان جبران باسيل في هذا الموقع، صوت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران داخل مجلس جامعة الدول العربيّة.

كان ذلك من الماضي القريب، هذا الماضي الذي شهد القضاء على النظام المصرفي اللبناني والقضاء في الوقت ذاته على كلّ المقوّمات التي قام عليها البلد. سمحت هذه المقوّمات للبنان بالصمود سنوات طويلة، وسمحت له أيضاً باستعادة جزء من بريقه في فترة قصيرة كان رفيق الحريري ينفّذ فيها مشروع إعادة الحياة إلى بيروت وغير ذلك من المشاريع، بما في ذلك عودة الكهرباء، التي عادت فعلاً في أيّامه.

في غياب تغيُّرات على الصعيد الإقليمي، لم يبقَ أمام اللبنانيين غير أن يحلموا برئيس جديد للجمهوريّة. فمن دون رئيس لن يتغيّر شيء، وسيظلّ الانهيار مستمرّاً ما دامت التوازنات في المنطقة على حالها 

مؤسف أنّ التوازنات الإقليميّة لا تسمح في الوقت الراهن بوجود رئيس للجمهوريّة يعرف المنطقة والعالم ويعرف خصوصاً ماذا يعني اقتصاد “القرض الحسن” وماذا يعني غياب القدرة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

يبقى الأهمّ من ذلك كلّه ضرورة خروج اللبنانيين من النظام الذي فرضه عليهم “حزب الله”، وهو نظام كرّسه قانون الانتخابات المعمول به الذي سمح للحزب بأن يكون لديه أصوات 27 نائباً شيعياً من أصل 27 في مجلس النوّاب!

رئيس يفهم “العالم”

ليس سرّاً أنّ صلاحيّات رئيس الجمهورية باتت محدودة، لكنّ رئيساً يمتلك شخصية قويّة بالفعل، وليس بالكلام الكبير الفارغ من أيّ مضمون، ومعرفة بالمنطقة والعالم، يستطيع أن يصنع فارقاً. يستطيع مثل هذا الرئيس صنع فارق في بلد يحتاج أوّل ما يحتاج إليه إلى إعادة تشكيله بعدما قضى ميشال عون على مؤسّسة القضاء المستقلّ وعلى كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بلبنان المزدهر ببعده العربي.

هل كثير على لبنان أن يحلم برئيس يعرف معنى تصويت مجلس النواب الأميركي بأكثرية 412 صوتاً ضدّ صوتين على قرار “يدين بشار الأسد بسبب استغلاله اللئيم والساخر لكارثة الزلزال بغية تفادي الضغوط الدولية والمحاسبة”؟

هل كثير على لبنان وجود رئيس يدرك التغيّرات التي يشهدها العالم في ضوء حرب أوكرانيا، وهي تغيّرات حملت وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى كييف؟

هل كثير على لبنان أن يكون لديه رئيس للجمهوريّة يقرأ في أحداث الثورة الشعبية الجديدة التي تشهدها “الجمهوريّة الإسلاميّة”؟

هل كثير على لبنان أن يكون لديه رئيس للجمهورية يستوعب معنى بدء إسرائيل بتصدير الغاز والنفط من حقل كاريش، فيما يقف “حزب الله” موقف المتفرّج بعدما لعب الدور الأساسي في ترسيم الحدود البحريّة مع “العدوّ”؟

إقرأ أيضاً: “الشرّ التافه”: من أيخمان النازي… إلى النظام اللبناني

هل كثير على لبنان أن يكون رئيسه متابعاً لِما يصدر عن وليم بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من أنّ أولويّات الولايات المتحدة في هذه المرحلة هي أوكرانيا وروسيا والصين… وإيران.

في غياب تغيُّرات على الصعيد الإقليمي، لم يبقَ أمام اللبنانيين غير أن يحلموا برئيس جديد للجمهوريّة. فمن دون رئيس لن يتغيّر شيء، وسيظلّ الانهيار مستمرّاً ما دامت التوازنات في المنطقة على حالها وما دام على البلد العيش في ظلّ كابوس اسمه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…