انطلقت بين عدد من القيادات الشيعية المستقلّة وبين كوادر شيعية قريبة من بيئة حركة أمل وحزب الله نقاشات داخلية لتقويم الواقع الشيعي في لبنان والمنطقة في ما يتّصل بمختلف الأوضاع السياسية والفكرية والاجتماعية والدينية.
أربعة أسئلة ملحّة
تدور النقاشات الصريحة والعميقة حول أربعة أسئلة محوريّة:
1- أين تكمن المشكلة اليوم في الواقع الشيعي؟ وما هي طبيعة العلاقات مع المكوّنات الأخرى في لبنان ودول المنطقة؟
2- ما هي أبرز الإنجازات التي تحقّقت حتّى الآن؟
3- هل يكفي الانتصار في الصراع العسكري أم نحتاج إلى مقاربات أخرى على صعيد الموقف من الدولة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية؟
4- هل نحتاج اليوم إلى رؤية جديدة لمقاربة الدور الشيعي في العالم العربي والمنطقة؟
في حين تبحث بعض القيادات الشيعية في كيفية تعزيز الحوار، سواء داخل البيئة الشيعية أو مع بقيّة المكوّنات الوطنية، لبحث الهواجس والمخاوف المشتركة، فإنّ قيادات أخرى تؤكّد ضرورة إعادة تقويم الواقع الشيعي اليوم وفتح الباب أمام نقاشات صريحة حول كلّ القضايا وتعزيز دور المؤسّسات الشيعية
تؤكّد هذه القيادات والكوادر الشيعية أهميّة الإنجازات التي تحقّقت خلال الثلاثين سنة الماضية، ولا سيّما في مواجهة العدوّ الصهيوني وتحرير الأراضي المحتلّة في جنوب لبنان ومواجهة الخطر الإرهابي الذي طال عدداً من دول المنطقة وتعاظم الدور السياسي الشيعي خلال الفترة الأخيرة على المستويين الإقليمي والدولي، إلّا أنّها ترى أنّ ذلك لا يلغي التحدّيات التي يواجهها الشيعة اليوم في عدد من دول المنطقة، وخصوصاً على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وطبيعة علاقاتهم مع المكوّنات الأخرى في الأوطان التي يقيمون فيها.
ورشة نقاش
تطرح هذه القيادات والكوادر ضرورة عقد مؤتمرات وندوات ولقاءات داخلية لتقويم الواقع والدور الشيعي، سواء خلال السنوات الثلاثين الماضية أو في المرحلة المقبلة، وذلك بهدف البحث عن رؤية شاملة لمقاربة مختلف الملفّات وتأكيد الموقف الشيعي من العلاقة مع الدولة وتبنّي طرح مشروع الدولة المدنية والمواطنة الكاملة، وعدم إمكانية تبنّي الطروحات الداعية إلى قيام مشروع شيعي مستقلّ، لأنّه لا يمكن مقاربة الدور الشيعي من زاوية مذهبية فقط، بل لا بدّ من التأكيد على وحدة الأوطان والحفاظ عليها، إضافة إلى الدور التاريخي للشيعة في هذه المنطقة الذي ينطلق من ثوابت أساسية، من بينها مواجهة العدوّ الصهيوني ورفض مشاريع التقسيم والتدخّلات الخارجية وتأكيد الانتماء إلى المشروع العربي الوحدوي.
على الصعيد اللبناني تطرح اللقاءات أسئلة تفصيلية تتعلّق بتجربة القوى الشيعية السياسية في الدولة وأسباب الفشل في عملية الإصلاح وعدم تحويل النتائج الإيجابية لمعركة تحرير الجنوب إلى قوّة فاعلة في إصلاح النظام ومواجهة الفساد الداخلي وبناء الدولة.
تعتبر بعض القيادات الشيعية المشاركة في هذه اللقاءات الحوارية أنّه لا بدّ من إعادة التفكير في الأسئلة الأساسية المتعلّقة بالهويّة الوطنية وكيفية بناء المشروع السياسي العابر للطوائف والمذاهب، وأنّه لا يمكن تجاوز دور الدولة في مواجهة مختلف التحدّيات، وهذا ما يستدعي مقاربة جديدة للدور الشيعي الداخلي والخارجي.
إقرأ أيضاً: تهديدات السيّد: الانفجار الكبير أو التسوية؟
البيئة الشيعيّة والحوار
في حين تبحث بعض القيادات الشيعية في كيفية تعزيز الحوار، سواء داخل البيئة الشيعية أو مع بقيّة المكوّنات الوطنية، لبحث الهواجس والمخاوف المشتركة وكيفية إزالة الأسباب التي أدّت وتؤدّي إلى زيادة المناخات السلبية السائدة في لبنان والاتّهامات المتبادلة بين مختلف الطوائف حول من يتحمّل مسؤولية ما وصلنا إليه اليوم، فإنّ قيادات أخرى تؤكّد ضرورة إعادة تقويم الواقع الشيعي اليوم وفتح الباب أمام نقاشات صريحة حول كلّ القضايا وتعزيز دور المؤسّسات الشيعية، وخصوصاً المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لأنّه المؤسّسة الأمّ للشيعة في لبنان والقادر على إدارة الحوارات مع مختلف المرجعيات الدينية والفكرية.
بعيداً عن الأسئلة المطروحة للنقاش يبقى سؤال بنيويّ: هل تصل هذه النقاشات والحوارات الداخلية إلى نتائج عمليّة أم تبقى تدور في حلقة مفرغة في ظلّ التأزّم السياسي والاقتصادي وحدّة السجالات في البلد والمخاوف من حصول تصعيد عسكري في المرحلة المقبلة؟