تخبّط خماسيّ باريس بالخلافات و”حزب الله” بالتهديد

مدة القراءة 7 د

يغلب وصف التخبّط على عنوان الجهود الخماسية المنبثقة عن اجتماع باريس في 6 شباط بين ممثّلي كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر. هذا في تقويم الأوساط السياسية المتابعة عن كثب ما سبق الاجتماع من أفكار تمهيدية حول خريطة الطريق من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي اللبناني، وما رافقه من مداولات تسنّى لهذه الأوساط الاطّلاع على ما تسرّب منها، ثمّ الرسائل المتواضعة التي نقلها السفراء الخمسة بعد الاجتماع إلى المسؤولين في بيروت.

إذا جاز إطلاق وصف “التخبّط” على نتائج الاجتماع، فإنّه يطابق أيضاً السلوك الذي يطبع الفريق المقابل لخماسيّ باريس، من خلال المواقف التي تصدر عن “حزب الله” وإيران من ورائه، في شأن مأزق الشغور الذي ما زال ينتج وقائع سياسية واقتصادية تزيد من التأزيم وتعمِّق الانهيار المالي وهريان الدولة ومؤسّساتها، وتصيب جمهور “الحزب”. فقيادته تتصرّف على أنّه جمهور حديدي لا يصيبه ما يصيب سائر اللبنانيين من فقر وبؤس ومآسٍ جرّاء التدهور المعيشي، وحين يخذلها الواقع وتكتشف أنّه “بيئة تتألّم”، يذهب السيد حسن نصر الله نحو اتّهام أميركا بأنّها خلف الفوضى، وتهديدها بالردّ ضدّ “ربيبتكم إسرائيل”. والحجّة هي أنّ “مؤامراتكم تمتدّ إلى اليد التي تؤلمنا وهي ناسنا”.

يميل بعض المراقبين إلى الاقتناع بتعدّد الأسباب التي تدفع “حزب الله” إلى التشدّد في الإصرار على رئيس للجمهورية مضمون الولاء ويكون حليفاً أكيداً له، و”لا يطعنه في الظهر”

سقوط معادلة رئيس لـ”الممانعة” ورئيس حكومة لـ”الخماسيّ”

تكثر المعطيات عن وقائع “التخبّط”، حتى لو كانت المعلومات في هذا الشأن مبعثرة. ويحرص ممثّلو الدول المعنية على التكتّم في شأنها. لكن يمكن استنتاج الآتي منها:

– محاولة المزاوجة بين الاتفاق على اسم الرئيس العتيد وبين التفاهم مسبقاً على رئيس الحكومة وعلى شكل الحكومة المقبلة واجهت صعوبة كبيرة. وإذا كان التفضيل السعودي، قبل الاجتماع، هو ضمان تركيبة الحكم المقبل (السلّة) لضمان عدم قيام سيبة جديدة تسهّل اعتماد لبنان منصّةً ومنبراً للعداء لها ولدول الخليج، فإنّ مقاربة الجانب الفرنسي كانت في هذا السياق أن يتمّ اختيار رئيس للحكومة قريب من توجّهات الدول الخمس مقابل التخلّي عن طموح الإتيان برئيس مستقلّ عن “حزب الله” وإيران. أي كانت المقاربة الفرنسية تميل إلى التساهل عبر معادلة رئيس للجمهورية يختاره فريق الممانعة، مقابل رئيس للحكومة تتوافق عليه الدول الخمس ولا يكون خاضعاً لنفوذ “الحزب”. رفض الجانب السعودي هذه المقاربة، إن لم تكن قد فشلت وسقطت بالكامل.

رفض فرنجيّة وميقاتي

– على الرغم من تأكيد مصادر باريس أنّه لم يتمّ بحث الأسماء المرشّحة للرئاسة الأولى، بتكرار الحجج القائلة إنّ هذا شأن اللبنانيين وإنّ التجارب في هذا المجال جلبت الخيبة للدول أو الجهات التي سبق أن انغمست في اقتراح أسماء، بات شائعاً في الأوساط الضيّقة التي علمت بما جرى تداوله أنّ الجانب الفرنسي قدّم اقتراحات منها أن يكون سليمان فرنجية للرئاسة (والبعض قال إنّ باريس وضعت خياراً ثانياً هو قائد الجيش العماد جوزف عون) وأن يتولّى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة المقبلة، فرفض الجانب السعودي الفكرة بالكامل. وتشير مصادر هذه المعلومات إلى أنّ الرفض كان حاسماً في عدم القبول بفرنجية لأنّه حليف لـ”الحزب”، وبرفض رئاسة ميقاتي للحكومة نظراً إلى أنّه من ضمن التركيبة الحاكمة التي تعيق الإصلاحات الضرورية والمطلوبة من صندوق النقد الدولي.

ولم ينخرط الجانب السعودي في طرح بدائل للأسماء التي تناولها الجانب الفرنسي، الذي انطلق من فكرة السعي إلى اقتراح خطوات عملية لا تقف عند مجرّد البحث في حثّ الفرقاء اللبنانيين على إنهاء الفراغ الرئاسي وفي مواصفات الرئيس من أجل الخروج بنتائج عملية. بل إنّ الجانب السعودي أعاد التأكيد على خريطة الطريق التي أراد من الأساس اعتمادها برنامجاً لأيّ رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة وحكومة، كي تكون معياراً لأيّ دعم مالي للبنان لاحقاً، بدءاً من الإصلاحات وانتهاءً بما تضمّنته الورقة الكويتية الخليجية التي صدرت مطلع عام 2022 مع توضيحات تُضاف إليها. والمعروف أنّ هذه الورقة تنصّ على تطبيق اتفاق الطائف وما بقي من مندرجاته من دون تنفيذ، والقرارات الدولية، وتنفيذ مبدأ النأي بالنفس عن صراعات المنطقة “قولاً وفعلاً”. لكنّ النقاش الخماسيّ حول خريطة الطريق لم يُستكمل بعدما حصل خلاف حول طرح باريس للأسماء. وتعتبر أوساط سياسية لبنانية أنّ تفضيل الجانب الفرنسي ميقاتي رئيساً للحكومة واستثناءه من اتهام الرئيس إيمانويل ماكرون الطبقة السياسية كاملة بأنّها “خانت” الشعب اللبناني وتحول دون الإصلاح، يناقضان حديثه عن الحاجة إلى تغييرها. كما أنّه على الرغم من أنّ نفي طرح أسماء يناقض وقائع تداولها ودور باريس في تأمين لقاءات لمرشّح معيّن تطرحه مع الفرقاء اللبنانيين، تكثر في صالونات بعض القيادات ذات الصلة بالإدارة الفرنسية في بيروت، الانتقادات لإصرار الجانب الفرنسي على استمرار ميقاتي في الرئاسة الثالثة لأسباب تتعلّق بتمريره مصالح استثمارية لباريس في المرفأ وغيره.

يغلب وصف التخبّط على عنوان الجهود الخماسية المنبثقة عن اجتماع باريس في 6 شباط بين ممثّلي كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر

– إنّ مصدر الكلام عن أنّ خماسيّ باريس تحدّث في لقاءات السفراء الخمسة في بيروت مع المسؤولين الذين التقاهم (رئيسَيْ البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب) عن “عواقب سلبية” لعدم انتخاب رئيس، هو التفكير في إجراءات ضدّ معرقلي ملء الفراغ الرئاسي. والجانب الفرنسي، والغربي عموماً، يطرح بين الفينة والأخرى عقوبات من نوع حجب التأشيرات عن بعض الرموز. لكنّ ما يخفّف من وطأة التلويح بهذه العواقب استمرار الجدل، سواء في باريس أو غيرها، والتردّد في الإقدام عليها نظراً إلى قناعة بعدم فعّاليّتها مع أنّ واشنطن أكثر حماسة لها. هذا فضلاً عن أنّ تعميم تهمة التسبّب بالفراغ على الفرقاء كافّة يجافيه سعي بعضهم إلى مواكبة الجهود الدولية لإنهاء الفراغ باقتراح مبادرات في هذا الشأن لا تلقى تجاوباً.

– يلفت بعض مصادر المعلومات إلى أنّ الأفكار الفرنسية في ضمّ دول أخرى إلى الصيغة الخماسية لقيت امتعاضاً من الجانب السعودي. وفي الوقت نفسه تعود محدودية ما تمخّض عن اجتماع باريس إلى ما يكتنف العلاقات العربية من خلافات في هذه المرحلة.

“الحزب” يرفع “مهر” مكافأة الترسيم؟

ماذا عن تخبّط الفريق المقابل؟

يميل بعض المراقبين إلى الاقتناع بتعدّد الأسباب التي تدفع “حزب الله” إلى التشدّد في الإصرار على رئيس للجمهورية مضمون الولاء ويكون حليفاً أكيداً له، و”لا يطعنه في الظهر”. لكنّ السبب الرئيس هو اعتقاده قبل شهرين أنّه بـإجازته الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، سينال مكافأة من خلال التساهل معه في انتخاب رئيس للجمهورية قريب منه ويطمئنّ إليه. فإذا بالجانب الأميركي يتصرّف معه كأنّ شيئاً لم يكن، فيصعّد العقوبات ضدّه وضدّ طهران وينحاز إلى الاحتجاجات الشعبية والشبابية والنسائية ضدّ النظام المستمرّة منذ منتصف أيلول الماضي. وإصرار “الحزب” على مرشحٍ موالٍ له هو وفق وصف بعض الأوساط المتابعة، أقرب إلى “رفع مهر” العلاقة مع الجانب الأميركي الذي أبقى على وتيرة ضغوطه على مواقع نفوذ طهران الإقليمية عالية، ولا سيّما في المجال الاقتصادي، بسبب موقفها من الحرب في أوكرانيا، وانسداد أفق التفاوض على النووي. وهذا ما دفع الأمين العام السيد حسن نصر الله إلى رفع سقف تهديده بالردّ على إسرائيل، بما يعني إسقاط مفاعيل اتفاق الترسيم، التي رسمت بالموازاة خريطة الاستقرار على جانبَي الحدود. وهو تهديد لا يقتصر على معاكسة اتفاق الترسيم فقط، بل يواجه العقوبات والتشدّد الأميركي في تجفيف ميادين النفوذ الإيرانية من العملة الصعبة، بل يقود إلى إقفال منافذ ما زالت متاحة لمعالجة التردّي المعيشي والحياتي في لبنان.

إقرأ أيضاً: مفاتيح بعبدا.. في خزائن الرياض

فأيّ نشاط يمكن لشركة “توتال” وحليفتَيها في التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكات اللبنانية، في حال سقط الاستقرار في الجنوب اللبناني؟

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…