3 جبهات نوويّة.. ونبوءة آينشتاين

مدة القراءة 5 د

يقف العالم على شفير ثلاث جبهات نووية:

– جبهة أوكرانيا بين روسيا والحلف الأطلسي.

– جبهة تايوان بين الصين والولايات المتحدة.

– الجبهة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ااتي تمتدّ حتى اليابان.

في الجبهات الثلاث تتبوّأ الولايات المتحدة موقعاً متقدّماً له ناحية سياسية تتجلّى في تحالفات سياسية وسط احتقانات متورّمة، وأخرى عسكرية لجهة استخدام، أو التهديد باستخدام، السلاح النووي.

أصل الخلاف الياباني – الصيني يعود إلى مجموعة من الجزر في بحر الصين. فكلّ منهما يدّعي أنّ هذه الجزر هي جزء منه وخاضعة لسيادته. لكنّ الصين حوّلت بعضها مواقع عسكرية متقدّمة لأنّ تكوينها الجغرافي لا يجعلها صالحة للاستيطان

في الجبهة الأولى كان استثناءً السلامُ بين روسيا وجارتها أوروبا. فطوال الثلاثمئة سنة الماضية دخلت روسيا حروباً مع الدول الأوروبية:

– مع بولندا وفنلندا المجاورتين لها في الشرق والشمال.

– قبل ذلك مع فرنسا النابوليونيّة.

– ثمّ مع ألمانيا الهتلريّة.

– حتى بريطانيا التي كانت بعيدة عن روسيا جغرافياً، كانت تخشى على درّة تاجها “الهند” من الخطر الروسي الذي ثبّت أقدامه في آسيا الوسطى. وكانت روسيا تخشى على سيبيريا من الخطر البريطاني الجاثم في شمال كندا، فباعتها إلى الولايات المتحدة بحفنة من الدولارات لأنّها كانت تدرك عجزها العسكري عن حمايتها والدفاع عنها إذا ما هاجمتها القوات البريطانية من كندا.

الجبهات النوويّة الثلاث

1- في الجبهة النووية الأولى اعتقدت روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أنّها تستطيع الاعتماد على صيغة تفاهم جديدة مع حلف شمال الأطلسي قامت على أساس عدم توسّع الحلف شرقاً مقابل حلّ منظومة حلف وارسو التابع للكرملين. لكنّ ذلك لم يحدث، إذ وصل الحلف في توسّعه إلى أوكرانيا وفنلندا.

يصطدم هذا الواقع بطموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يريد إعادة الاعتبار إلى الاتحاد السوفيتي تحت مظلّة روسية – أرثوذكسية، فكانت الحرب على أوكرانيا، ووصلت الآن إلى الحافة النووية.

2- في الجبهة النووية الثانية، جبهة تايوان، يصطدم مشروع الرئيس الصيني “تشي” بالمصالح الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأقصى. فمشروع “تشي” يقوم على أساس إعادة الوحدة الوطنية إلى الصين باسترجاع جميع الأجزاء المقتطَعة إلى الوطن الأمّ. شجّعه على ذلك نجاحه في استعادة هونغ كونغ من بريطانيا وماكاو من البرتغال. ولم يبقَ خارج الوحدة الوطنية الصينية سوى تايوان. وشجّعه أيضاً عدم اعتراف الولايات المتحدة حتى الآن بتايوان دولة مستقلّة. لكنّ حسابات الصين لم تأخذ بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. فتخلّي واشنطن عن أحد الحلفاء (تايوان تحديداً) يدمّر ثقة حلفائها بها في المنطقة، وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية، وحتى الفلبين وتايلند. لذلك تحوّلت تايوان نقطة مواجهة بين القوّتين النوويّتين الصين والولايات المتحدة. ووصلت هذه المواجهة إلى ما يقرب من نقطة الصفر. لكنّ الطرفين، إدراكاً منهما لخطورة هذه المواجهة، نجحا في ضبط النفس وعادا إلى طاولة المفاوضات الخلفيّة مرّة أخرى، بلا أيّ ضمانات بوصولها إلى نتائج إيجابية حاسمة.

3- الجبهة النووية الثالثة: جبهة الكوريّتين الشمالية والجنوبية.

الصراعات غير خاضعة للتنبّؤات. فالتاريخ حافل بحروب كان أصحابها يعتقدون أنّها حروب قصيرة وسريعة وحاسمة، فإذا بها تستمرّ لسنوات

عرفت الشمالية أنّ الولايات المتحدة تحتفظ بقوة نووية في الجنوبية منذ عقود، وأنّ هذه القوة تستهدفها في الدرجة الأولى. لذلك عملت على تطوير وتحديث سلاحها النووي، فوصلت إلى السلاح “الهيدروجيني”. وترافق هذا التطوير مع تطوير سلاحها الصاروخي الذي جعلها تهدِّد الولايات المتحدة بفضل قدرتها على توجيه قنابلها إلى الغرب الأميركي.

أدّى ذلك إلى رفع الحظر المفروض على تسلّح اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا ينكأ جراحات دول شرق آسيا التي عانت بسبب العسكريتاريا اليابانية قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها، وخاصة الصين، لكنّه يوفّر خطّ هجوم أماميّاً أميركياً لتهديد الصين التي ما تزال تحتلّ جزراً يابانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شأنها في ذلك شأن روسيا.

إنّ أصل الخلاف الياباني – الصيني يعود إلى مجموعة من الجزر في بحر الصين. فكلّ منهما يدّعي أنّ هذه الجزر هي جزء منه وخاضعة لسيادته. لكنّ الصين حوّلت بعضها مواقع عسكرية متقدّمة لأنّ تكوينها الجغرافي لا يجعلها صالحة للاستيطان.

صدق آينشتاين

على الرغم من التباعد الجغرافي بين هذه الجبهات النووية الثلاث، تبقى هذه الأخيرة مترابطة من خلال الدول المعنيّة بها وتداخل تحالفاتها. فأيّ انفجار عسكري نووي، لا سمح الله، لن يقتصر على جبهة واحدة لأنّ الصراع على أوكرانيا مرتبط بتقرير الصراع على تايوان، والصراع على تايوان مرتبط بتقرير الصراع على الكوريّتين وجزر بحر الصين. علاوة على ذلك، الصراعات غير خاضعة للتنبّؤات. فالتاريخ حافل بحروب كان أصحابها يعتقدون أنّها حروب قصيرة وسريعة وحاسمة، فإذا بها تستمرّ لسنوات.

إقرأ أيضاً: لماذا فجّر البابا بنديكتوس العلاقة مع الأزهر؟

عندما أجرت الولايات المتحدة أوّل تجربة نووية لها في صحراء نيفادا الأميركية، قال آينشتاين، وكان أحد العلماء النوويين الذين شاركوا في برنامج مانهاتن السرّي الأميركي: “على دول العالم أن تتوافق على تشكيل حكومة دولية واحدة كي لا يكون السلاح النووي ملك حكومات متعدّدة مختلفة المصالح ومتعدّدة الأهواء. فانتشار هذا السلاح بين دول مختلفة يجعل منه خطراً على الإنسانية كلّها”.

ألم يصدق آينشتاين؟

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…