سيادة الرئيس الأميركي جو بايدن،
تحية وبعد،
أكتب إليكم من العاصمة اللبنانية بيروت، التي كانت في ما مضى لؤلؤةَ الشرق، ومحجّة الأجانب والعرب لأغراض السياحة والتعليم والطبابة والنقاهة، ثمّ باتت اليوم أيّما مدينة على ضفاف البحر المتوسط، مهملة منبوذة مفجّرة، أبناؤها أينما حلّوا في المعمورة يُنظر إليهم على أنّهم مشاريع إرهابيين وانغماسيين وخلايا نائمة، بسبب حزبٍ يأخذنا رهائن أجمعين في هذا البلد الصغير ولصالح أجندة ومشاريع ليس لهم فيها.
بيروت يا سيادة الرئيس ما زالت بفعل انفجار مرفئها بتلك الموادّ المجهولة – المعلومة، تلملم جراحها إلى يومنا هذا، وما زلنا نحن في بيروت ولبنان عمومًا حتى كتابة هذه السطور، لا نعرف من أتى بهذه المتفجرات إلى مرفأ عاصمتنا، ولأيّ غرض أتى بها، وكيف فجّرها أم إنها انفجرت من تلقاء سوء طالعنا!
سيادة الرئيس، أكتب إليكم هذا كلّه، بعد أن أُقرِؤُكم السلام وأُرسل إليكم تحياتي وتبريكاتي بتبوّئكم منصب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، مهد الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير.
بيروت يا سيادة الرئيس ما زالت بفعل انفجار مرفئها بتلك الموادّ المجهولة – المعلومة، تلملم جراحها إلى يومنا هذا، وما زلنا نحن في بيروت ولبنان عمومًا حتى كتابة هذه السطور، لا نعرف من أتى بهذه المتفجرات إلى مرفأ عاصمتنا
صحيح أنّ المدة التي قضيتمونها في مكتبكم البيضاوي إلى اليوم، لم تتخطَ الشهرين بعد، إلّا أنّها قد تكون مدة كافية في الإشارات التي حملتها القرارات والبيانات التي صدرت عنكم، من أجل الاستدلال إلى أنّكم تسعون بجهد، لاستعادة دور رائد تبوّأته بلادكم في مجال نشر الديمقراطية وإعلاء الحرية الفردية في العالم منذ عقود.
ليس سرًّا يا سيادة الرئيس أنّكم من دعاة “أميركا المبادىء” ومن المدافعين عن “أميركا حقوق الإنسان”، وذلك بعد أن طغت على مدى السنوات الأربع التي خلت، عناوين عكست صورة مغايرة كليًّا عن تلك، فباتت بلادكم “أميركا الديماغوجيا” و”أميركا الشعبوية” اللتين شهدناهما خلال حقبة سلفكم غير المأسوف على رحيله. دونالد ترامب الذي تسبب للكوكب كلّه بالخلل.
أكتب إليكم كلّ هذا يا سيادة الرئيس، لأذكّركم بصديقي وصديق الأحرار في لبنان والعالم، لقمان سليم. لقمان الإنسان المهذّب والخلوق الذي قتلته أيادي الغدر قبل نحو شهر في “حَرَم” القرار الدولي 1701 الذي يُفترض به أن يحمي كل من يطأ منطقة عملياته في جنوب لبنان.
لقمان يا سيادة الرئيس لم يكن صحافيًّا أو كاتبَ عمود في صحيفة أميركية، ولكنّه في المقابل كان باحثًا وصاحبَ رأيٍ حرٍّ. كان ناشطًا سياسيًّا ولغويًّا يقدّس لغته العربية ويحترم ذاكرة البلاده ويجلّها.
أكتب إليكم كلّ هذا يا سيادة الرئيس، لأذكّركم بصديقي وصديق الأحرار في لبنان والعالم، لقمان سليم. لقمان الإنسان المهذّب والخلوق الذي قتلته أيادي الغدر قبل نحو شهر في “حَرَم” القرار الدولي 1701 الذي يُفترض به أن يحمي كل من يطأ منطقة عملياته في جنوب لبنان
لقمان لم يكن إرهابيًّا ولا شموليًّا وإنما رجل ديمقراطيّ يؤمن بالفكر وبالكلمة وسيلة لإيصال أفكاره. لقمان كان أيضًا صديقًا للولايات المتحدة، وصديقًا لكل الدول الغربية الحرة التي تُعلي شأن الديمقراطية وحرية الفرد… فحبذا لو تنظر عين العدالة الأميركية قليلًا صوب أسفل الخريطة. صوب الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت مكان سكنه، حيث الزوجة والأخت الحزينتان والأم المفجوعة بصمت. فأنت أبٌ وتعرف مرارة فَقْد الأولاد بعد أن فُقدت ابنك البكر Beau قبل عقد من الزمن..
ربما الوقت كان ضيّقًا أو الملفات كانت ضاغطة تزامنًا مع دخولكم الحديث للبيت الأبيض. ربّما لم يتسنَّ لأجهزتكم المعيّنة أن تعرض لكم عملية مقتل لقمان سليم.
إقرأ أيضاً: هكذا شارك الـ1701 في قتل لقمان سليم
زحمة الملفات قد تلهيكم عن المستضعفين. وعليه فلا ضَيم يا سيادة الرئيس من أن تستأنسوا برأي رئيس لجنة الشؤون الخارجية غريغوري ميكس، والعضو فيها النائب مايكل مكول، فتوعزوا من أجل النيل من قتَلة لقمان سليم ومحاسبتهم أو في أضعف الإيمان، معاقبتهم أو معاقبة من قصّر في حمايته، طالما أنّ الاغتيال يمثّل “انتهاكًا لحقوق الانسان المتعارف عليها عالميًّا، ومورس ضد شخص أجنبي سعى لممارسة وترويج الحرية وسيادة القانون” على حدّ قول المشرّعين أبناء جِلدتك.
إعلم يا سيادة الرئيس أنك لست من دعاة الثأر في ما كشفت خلال اليومين الماضين، لكنّك في المقابل حريص على قيمة الفرد ومكانته، وهذا دافعك للتحرّك.
وعليه، فإذا كان “ماغنيتسكي” قد كشف سرقةً في بلاده، و”قيصر” قد فضح جرائم ضد الإنسانية ارتكبها نظام الأسد في سوريا، فلِمَ لا تكون عين العدالة الأميركية أوسع؟ ولِمَ لا يكون “لقمان” اسم قانون يُسنّ في الكونغرس، يحمي حرية الرأي حول العالم ويعاقب كل من يرتكب جريمة سياسية؟
عشتم وعاشت الديمقراطية..