يبدو أنّ “مفاعيل” جلسة مساءلة القنوات التلفزيونية التي دعت إليها لجنة الإعلام والاتصالات في المجلس النيابي، انتهت. فبعد مقدمتي “الجديد” والـ”LBCI”، التي تلت الاجتماع، تراجعت حدّة المواقف، وفضّل المدعوون إلى “فنجان القهوة” النيابي أن يلتزموا الهدوء.
فالدعوة التي وجهتها لجنة الإعلام والاتصالات في مجلس النواب ولبّتها القنوات الإعلامية، حملت بعدَيْن، الأوّل قانونيّ ودستوري، وفتح سؤالًا حول صلاحيات اللجان النيابية، في ظلّ وجود الوزارات والنقابات الراعية… أما البعد الثاني فهو سياسي، لاسيّما وأنّ اللجنة المذكورة يرأسها نائب “حزب الله” حسين الحاج حسن، وأنّ ما دار في الجلسة، كان المقصود به بالدرجة الأولى أداء قناة mtv، لكن أيضًا تطويع كلّ القنوات في هذه اللحظة السياسية المتوتّرة.
هذه الأجواء كانت قد نقلتها رئيس مجلس إدارة “الجديد” كرمى خياط، في كلمتها الجريئة على عادتها بعد الاجتماع، فعبّرت عن رفضها لما أسمته بـ”محاولة المحاكمة”، معتبرةً أنّ “اللجنة – على ما يبدو – هي لتسيير شؤون حزب الله”، معلنة في السياق نفسه عن أفضلية الجلوس مع الحزب والنقاش معه.
[VIDEO]
أما القارئة الدقيقة للفنجان السياسي مريم البسّام، فبدا على صوتها ما يكفي من “القرف” لعدم الاستطراد. وهي الأبرع في معالجة الصداع السياسي بأدوية البلاغة.
وحده الوجه الغائب وصاحب النص “المواجهه”، مدير الأخبار والبرامج السياسية في mtv غيّاث يزبك، يتساءل عن توقيت الجلسة، ومبررات دعوة بعض التلفزيونات فقط دون الصحف وسائر وسائل الإعلام: “في القانون والدستور لا يحق للجنة دعوة وسائل الإعلام، إذ هناك في سلّم المسؤوليات، وزارة الإعلام، والمجلس الوطني المرئي والمسموع، والنقابات، وإدارات المؤسسات، ومحكمة المطبوعات في آخر السلسلة. أما اللجنة فتجتمع مع وسائل الإعلام لتبادل الخبرة والرأي الراجح، عندما يكون هناك حاجة في عملية التشريع”.
الدعوة التي وجهتها لجنة الإعلام والاتصالات في مجلس النواب ولبّتها القنوات الإعلامية، حملت بعدَيْن، الأوّل قانونيّ ودستوري، وفتح سؤالًا حول صلاحيات اللجان النيابية، في ظلّ وجود الوزارات والنقابات الراعية… أما البعد الثاني فهو سياسي
إلى ذلك يضع يزبك جلسة أمس، في سياق شعور الحزب بأنّ هناك هجمة إعلامية عليه: “اليوم هناك مواقع التواصل، والجيوش الإلكترونية، والوسائل غير القانونية، وهناك أيضًا المؤسسات الشرعية القانونية حيث للسلطة والحزب كلمة، ولهذا السبب تحرّكت اللجنة. وهي لم تتحرّك بوجه الإساءات والاعتداءات، ولا ضدّ وسائل الإعلام التي تلوذ بالسلطة وتهشّم بوسائل الإعلام التي نحن جزء منها، وتتهمنا بكل تهم الخيانة والتآمر، وأننا مأجورون وإعلام السفارات”.
“التحرك سياسي”، هذا ما يؤكد عليه يزبك، موضحًا أنّ “قطع بثّ القناة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحزب لم يكن مدرجًا. وكان الاعتبار أنّ الأهالي لديهم مزاج تمّ خدشه من قبل وسائل الإعلام المعارِضة، ما دفعهم إلى الضغط على موزّعي المحطات الذين استجابوا بدورهم. هو النمط نفسه الذي يستعملونه عندما يحدث أيّ شيء في منطقة تابعة لليونيفيل في الجنوب، فيقولون (الأهالي). واليوم هناك (أهالي) يعترضون على عمل وسائل الإعلام”.
وفيما يؤكد يزبك أنّه لا يؤيد وجود وزارة الإعلام، وأنّ المجلس الوطني للإعلام لا نسمع فيه إلا لدى محاولة قمع الإعلام، يضيف: “بما أنّ وزارة الإعلام موجودة، لا بد من الإشارة إلى أنّ دورها ضعيف ومسروق، ومشاركة الوزيرة في الجلسة كانت لايت. فهي لم تشارك في الهجوم لكنّ حجتها في الدفاع كانت ضعيفة. بل كان على الوزيرة أن ترفض المشاركة وأن تقدّم اعتراضًا بالشكل والمضمون على الجلسة. أما المجلس الوطني للإعلام فدوره في دول العالم المتطورة تِقْني وعلمي ومِهْني، وعمله ليس قمعيًّا”.
ولم ينفِ يزبك أنّ محاولة العودة إلى مرحلة الوصاية والقمع دائمة ودؤوبة مستمرة: “نحن ننادي اليوم الناس وثورة 17 تشرين، ونحن بهذا النداء جهة تعرّضت للاعتداء من السلطة، التي تستخدم الأعراف البوليسية لكمّ الأفواه. لذلك فالنيّة موجودة، والوسائل العنفيّة دائمًا موجودة، مرّة بالقضاء ومرّة بتحطيم سيارة، ومرّة بالجيوش الإلكترونية وصولًا إلى الاغتيال. ونحن لا نخاف. نحن إلى جانب الناس وإلى جانب الحق، والحق إلى جانبنا ولو بعد حين. وكل ما يقومون به بات مكشوفًا أمام المؤسسات الدولية والمؤسسات التي تُعنى بحريّة الإعلام”.
“التحرك سياسي”، هذا ما يؤكد عليه يزبك، موضحًا أنّ قطع بثّ القناة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحزب لم يكن مدرجًا. وكان الاعتبار أنّ الأهالي لديهم مزاج تمّ خدشه من قبل وسائل الإعلام المعارِضة، ما دفعهم إلى الضغط على موزّعي المحطات الذين استجابوا بدورهم
وبالعودة إلى قانونية الدعوة التي وجهتها لجنة الإعلام والاتصالات لوسائل الإعلام، تواصل “أساس” مع الخبير القانوني والدستوري، الوزير الأسبق زياد بارود، الذي أوضح بدايةً أنّ “اللجان النيابية، منصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس النواب وهو قانون صدر في العام 1994، وهذا القانون ينص على 16 لجنة نيابية. هذه اللجان تتعاطى بما هو مرتبط بعنوانها، لجنة المال الموازنة تعمل على الموازنة والقوانين المالية، ولجنة الإعلام من المفترض أن تتعاطى بكل ما هو مرتبط بوزارة الإعلام طالما هي قائمة، بالمجلس الوطني للإعلام، وبالتشريعات المتعلقة بالإعلام”.
وميّز بارود بين أن “تستمع اللجنة إلى وسائل الإعلام وتتناقش معها، وبين أن يأخذ الموضوع منحًى آخر”، وتابع سائلًا: “ماذا يحصل لو قررت وسيلة إعلامية عدم حضور الجلسة؟ الجواب، لا شيء. لا تستطيع اللجنة أن ترتب أيّ نتائج قانونية على عدم حضور الوسيلة الإعلامية. السؤال الثاني: هل تستطيع اللجنة النيابية أن تتخذ إجراءات بحقّ وسائل الإعلام؟ الجواب، لا. وبالتالي كل ما تستطيع لجنة الإعلام فعله هو التداول والاستماع وهذا أمر طبيعي، ولا يمكن له أن يصل إلى حدوث اتخاذ إجراءات”.
إقرأ أيضاً: يعقوب وطوق وصادق: سنواجه برّي في القضاء
واعتبر بارود أنّ “ما حدث أمس الأوّل هو مجرد استماع لوسائل إعلام ومجرد تداول، من دون أن تنتج أيّ اجراءات لاحقة أو أيّ وضع قانوني جديد”.
وفي ما يتعلق باعتبار بعض رؤساء مجالس الإدارة أنّهم تعرّضوا للمساءلة، قال بارود: “المساءلة لا يمكن أن تحصل إلّا من خلال المجلس الوطني للإعلام (إذا كان لا يزال قائمًا قانونًا، إذ هناك جدل حول صلاحياته بعد انتهاء ولايته) أو من خلال القضاء والنيابات العامة والمحاكم، ومحكمة المطبوعات على وجه الخصوص. خارج ذلك أكرّر وأقول عن قناعة إنّ الاجتماع مجرد تداول. وأيّ لهجة أو تنبيه وما إلى ذلك، لا يتعدّى الكلام المعنوي. طبعًا لدى وسائل الإعلام امتعاض من الطريقة وربما شعروا أنّهم استُدعوا، لكن حتى لو كان هناك رغبة لدى اللجنة لذلك، فإنّه في الواقع لا صلاحية لها لاتخاذ أي ّتدابير عِقابية أو جزائية، هذه المسائل لا يمكن أن تُتّخذ بحق المؤسسات الإعلامية إلّا قضائيًّا”.
لكن هل فعلًا لا يوجد تداعيات لمن لا يلتزم؟
لا بالأمن ولا بـ”الأهالي”؟