حكاية العفو… بين عرفات وكلينتون ونتنياهو

مدة القراءة 3 د

في مفارقة تاريخيّة لم يُكتب لها أحد أن تتكرّر بهذه الصورة، تعود أحداث الماضي لتلقي بظلالها على الحاضر، حيث يجد رئيس وزراء إسرائيل نفسه اليوم في موقف مشابه لما رفضه قبل عقود، في قصّة العفو التي جمعت بين ياسر عرفات وبيل كلينتون وبنيامين نتنياهو، وتكشف عن أنّ التاريخ أحياناً يدور دورته بشكل غير متوقّع.

 

أثناء زيارة الرئيس بيل كلينتون لفلسطين في الرابع عشر من كانون الأوّل 1998، التي افتتح فيها إلى جانب الرئيس الراحل ياسر عرفات مطار غزّة الدوليّ، وألقى خطاباً أمام المجلس الوطنيّ، استغلّ الرئيس عرفات هذه الزيارة وطلب من كلينتون التوسّط لدى نتنياهو، الذي كان رئيساً للحكومة آنذاك، لاستصدار قرار من رئيس الدولة يقضي بالإفراج عن أسيرين فلسطينيَّين مريضين. ومن أجل إضفاء طابعٍ عاطفيّ إنسانيّ، استضاف عرفات في مكتبه زوجتَي الأسيرَين ومعهما عدد من الأطفال، والتُقطت صور لهم مع الضيف الكبير.

يبدو أنّ الرئيس كلينتون اعتبر موافقة نتنياهو مضمونة في جيبه، نظراً لأنّ العفو عن أسيرين مريضين ليس بالقضيّة الشائكة التي يمكن أن يُردّ برفضها طلب رئيس أكبر دولة في العالم.

ذهب كلينتون إلى إسرائيل والتقى نتنياهو وعرض عليه طلب أبي عمّار العفو عن الأسيرين المريضين. فوجئ الرئيس الأميركيّ باعتذار نتنياهو، وكان اعتذاره مبرَّراً بأنّ إسرائيل دولة قانون، وأنّ قرار العفو من قبل رئيس الدولة يخضع لإجراءات قانونيّة معقّدة ولا يمكن تجاوزها.

ألحّ كلينتون على نتنياهو بمنطق أنّ الضرورات تتيح الاستثناء، لكنّ نتنياهو أصرّ على موقفه.

أبلغ الرئيس كلينتون عرفات برفض وساطته واعتذر عمّا حدث.

يبدو أنّ الرئيس كلينتون اعتبر موافقة نتنياهو مضمونة في جيبه، نظراً لأنّ العفو عن أسيرين مريضين ليس بالقضيّة الشائكة التي يمكن أن يُردّ برفضها

فضيحة مدوّية

منذ ذلك اليوم، الرابع عشر من كانون الأوّل 1998، الذي تمّت فيه أوّل وآخر زيارة للرئيس كلينتون لغزّة وبيت لحم، حتّى يومنا هذا، جرت في الأنهار مياه كثيرة، ووقعت أحداث جسام، منها ما يحدث هذه الأيّام. ودخل مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال إلى السجون الإسرائيليّة، واحتُجزت جثامين فلسطينيّين استُبدلت أسماء أصحابها بأرقام. ولكن كانت للقدر ألعابه التي لا تخطر على بال، فقد حدث أن وُجّهت اتّهامات كبرى لنتنياهو أوصلته إلى قاعة المحكمة، وبات أكيداً أنّه سيذهب إلى السجن جرّاء إدانته بها.

إقرأ أيضاً: بعضٌ منه في ذكرى رحيله

حاول نتنياهو التحايل على القضاء، وحين لم تمرّ تكتيكاته، عمل زميله في الائتلاف ليفين على تدمير القضاء لعلّه ينقذ نتنياهو من المحاكمة والحكم. وبعد التأكّد من حتميّة إدانته، لم يبقَ أمامه سوى أن يتقدّم بطلب العفو من رئيس الدولة. وربّما لم يتذكّر حكاية امتناعه عن تلبية طلب العفو عن أسيرين مريضين، لكنّه بالتأكيد يتذكّر وساطة كلينتون التي رفضها.

وضعته لعبة القدر مكان الأسيرين المريضين. والفرق بين الواقعتين أنّ كلينتون قام بالوساطة، بينما ترامب طلب العفو. وما إن شاع خبر التماس نتنياهو العفو من رئيس الدولة، حتّى اشتعلت إسرائيل كلّها بفضيحة مدوّية عنوانها: رئيس وزراء قويّ يلتمس العفو من رئيس دولة بلا صلاحيّات. وربّما أدقّ تعليق إسرائيليّ قيل في هذه الواقعة هو أنّ نتنياهو، الذي أراد إنقاذ نفسه من السجن أو الاعتزال، ثبّت بطلبه العفو جميع التهم الموجَّهة إليه، إذ لو كان بريئاً كما يدّعي محاموه لما احتاج إلى طلب من هذا النوع.

مواضيع ذات صلة

هل يستميل لبنان فرنسا وأميركا في التّفاوض؟

تتوالى الاستحقاقات على لبنان وما سينجم عنها في الأسابيع المقبلة. بين ثناياها وتواريخها  يختبر اللبنانيّون مراهنتَين على: – أن تصرّ واشنطن على تل أبيب كي…

ترامب “يستدعي” نتنياهو لفرض المرحلة الثّانية

لا يبدو أنّ المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب ستنطلق قبل زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن، المتوقّعة في نهاية الشهر الحالي. من السذاجة الاعتقاد أنّ التأخير…

أجواء برّي: تعديل اتّفاق الهدنة… وقف النّار أوّلاً

أفسح تعيين مفاوض مدنيّ هو السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد العسكريّ إلى اجتماعات لجنة “الميكانيزم” في المجال أمام البحث في حلول سياسيّة ممّا كان…

بهشلي – بارزاني: خطّان متوازيان… يلتقيان؟

شهدت العلاقات بين أنقرة وإربيل خلال الأعوام الأخيرة تقدّماً ملموساً تجاوز الكثير من العقبات، مدفوعةً بتقاطع المصالح وبناء قنوات ثقة متدرّجة. لكنّ  “حادثة شرناق” وضعت…