هجمة كورونية مرتدّة: لماذا تسرّع لبنان بتخفيض التعبئة؟ وبتخفيض الفحوصات العشوائية؟

مدة القراءة 8 د


لا زالت فرق وزارة الصحة تتابع إجراء الفحوصات العشوائية في مختلف المناطق اللبنانية. وبحسب مصادر الوزارة لـ”أساس” فإنّ عدد هذه الفحوصات العشوائية في مختلف المناطق، بلغ 9000 حتّى الآن، على أن يتجاوز عددها الـ10 آلاف يوم الأحد، وحينها ستُعلن الوزارة الأرقام النهائية بشكل رسمي.

موقع “أساس” حاول الحصول على خارطة انتشار الفحوصات، إلا أنّ الوزارة أرجأت تزويدنا بها، حتّى الانتهاء منها وصدورها رسمياً.

والمعروف عالمياً أنّ نسبة الفحصوات العشوائية التي يمكن أن تعطي صورة واضحة يجب ألا تقل عن 15 بالألف، أي 15 ألف فحص عشوائي لكلّ مليون مقيم، وإذا احتسبنا أنّ عدد سكان لبنان 5 ملايين، فعدد الفحصوات العشوائية يجب ألاّ يقلّ عن 75 ألفاً.

وكان وزير الصحة حمد حسن قد أعلن بالفعل أنّ الوزارة تتجّه لإجراء 75 ألف فحصاً حتى تاريخ 10 أيار، غير أنّ الفحوصات التي أجريت تقارب الـ47 ألف. ومصادر الوزارة توضح في هذا السياق لـ”أساس” أنّها أجرت الكثير من الفحوصات المجانية، لعيّنات عشوائية، واستهدفت هذه الفحوصات كلّ شخص لديه عارض تنفّسي أو لديه شكوك أو حتّى من يريد التأكد، كما استهدفت كلّ من خالط مصابين، وأماكن التجمّعات، مثل السوبر ماركات. ويصرّ المصدر على أنّ الرقم 75 ألفاً ليس ضرورياً، ولا حاجة له، مشيراً إلى أنّ الفحوصات أجريت حسبما دعت الحاجة، والنتائج السلبية أظهرت عدم انتشار الفيروس، ولم يكن هناك من ضرورة للوصول إلى هذا العدد.

إقرأ أيضاً: تحذير الى الجميع من التراخي: موجة كورونا ثانية ستكون أقوى… لا مؤشرّ علمي لنهاية قريبة

وزارة الصحّة التي كانت قد بشّرت عبر “أساس” عند إعداد هذا التقرير، بأنّ الوضع المحلي بات تحت السيطرة، وأنّ تاريخ اليوم 10 أيار الذي سبق وحدّده وزير الصحّة لبدء انفراج الأزمة ما زال قائماً، اصطدمت بتسجيل 11 إصابة يوم السبت بين المقيمين.

الارتفاع المفاجئ في المنحنى الوبائي في لبنان، دفع الوزير حمد، إلى التصريح بأنّه سيطلب من مجلس الوزراء إقفال البلد 48 ساعة، في حال بقيت نتائج إصابات فيروس كورونا مرتفعة، لافتاً إلى أنّ اللجنة الوزارية الخاصة بكورونا قرّرت تخفيض عدد الرحلات في المرحلة الثالثة من إعادة المغتربين.

يشار إلى أنّ 35 إصابة بين الوافدين قد سجلّت في الـ48 ساعة الماضية.

التسرّع في رفع إجراءات التعبئة كما هو ملحوظ، والعودة إلى الحياة وكأنّ لا كورونا في لبنان، أظهرت أمس أولى مؤشراتها السلبية، وهي تسجيل 11 إصابة بين المقيمين في لبنان.

 الـ11 إصابة بحسب مصادر وزارة الصحة لم تسجّل من بين الفحوصات العشوائية، وإنّما هي من ضمن نتائج الفحوصات التي أجرتها المستشفيات، وتعود الإصابات لشخصين خالطا حالتين مصابتين، الحالة الأولى نقلت العدوى إلى 6 أشخاص في المحكمة العسكرية والحالة الثانية نقلتها إلى 5 أشخاص في عكار، وقد تمّ كشف الحالات من خلال تتبع الإصابتين.

أما فيما يتعلّق بنتائج الفحوصات العشوائية فجميعها، وفق مصادر وزارة الصحة سلبية، باستثناء نتيجتين إيجابيتين، الأولى من بنت جبيل والثانية من جزين، لشخصين احتكا مع وافدين من دول خارج لبنان.

وفي محاولة لرسم خارطة الفحوصات العشوائية، استطاع موقع “أساس” تجميع ما يقارب الـ6400 فحص من خلال منشورات الوزارة. وهذا العدد يعود فقط لفحوصات فرق وزارة الصحة ولا يشمل الفحوصات التي قامت بها المختبرات الخاصّة أو المستشفيات الرسمية والخاصّة.

ويأتي توزع الفحوصات التي أحصيناها وفق المناطق اللبنانية على الشكل التالي:

– الهرمل: 250 فحصاً.

– زغرتا: 100 فحص.

– الضنية: 200 فحص.

– صيدا: 106 فحوصات.

– بشرّي: 300 فحص.

– بنت جبيل: 229 فحصاً.

– صور: 267 فحصاً.

– جبيل: 200 فحص.

– جزين: 300 فحص.

– الشوف: 293 فحصاً.

– المتن الأعلى والجنوبي: 1370 فحصاً.

– مخيم الجليل: 61 فحصاً.

– حارة حريك والضاحية الجنوبية: 1318 فحصاً.

– طرابلس: 976 فحصاً.

– النبطية: 400 فحص.

– مغدوشة: 40 فحصاً.            

– عنجر: 25 فحصاً.

10 آلاف فحص عشوائي إذاً، إلى جانب نحو 30 ألف فحص في المستشفيات الحكومية والخاصة، ونحو 7 آلاف فحص، للمغتربين العائدين، ليقارب الرقم 47 ألف فحص.

 

وبالعودة  إلى الفحوصات العشوائية، وقراءتها، فإننا في حال اعتبرنا أنّ عدد سكان لبنان هو 6 ملايين نسمة فقط، فإنّ إجراء 10 آلاف فحص عشوائي، يعني أننا قمنا بمسح لـ0.17 % من المقيمين في لبنان. فهل يكفي هذا العدد؟

وزير الصحة شخصياً كان قد حدّد حاجة لبنان الى 75 ألف فحص فما الذي تغيّر حتى صار 50 ألف تقريباً؟ هل بسبب النقص في الإمكانيات، أم أن التداول بين المعنيين أظهر عدم الحاجة الى عدد الفحوصات الذي حدّده الوزير منذ أسبوعين؟ سؤال مشروع لا بدّ من طرحه بعد ارتفاع عدد الإصابات، لاسيما وأنّ كلّ الدراسات الدولية الجدّية تحذّر من موجة كورونا ثانية أقسى من التي نعيشها. فلماذا التردّد؟ ليخرج وزير الصحة، وهو الذي حظي باستثناء من المديح على جهده، وليعلن للملأ حقيقة الوضع ولماذا تغيّرت نسبة الفحوصات الضرورية لإيجاد خريطة بيانية عن مدى انتشار هذا الوباء بين المقيمين على الأراضي اللبنانية.

وزير الصحة السابق الدكتور محمد جواد خليفة أكّد لـ”أساس” أنّ “الانتشار المحلي لهذا الفيروس في لبنان وفي الشرق الأوسط مختلف بشكل عام عن أوروبا وعن أفريقيا وعن روسيا”.

وبحسب خليفة فإنّ نتائج الفحوصات مقبولة، ولا يمكن إيقافها ويجب زيادة عددها، وقال: “الوضع اليوم أفضل من السابق حين كانت الفحوصات محصورة في مستشفيات محدّدة. الآن باتت الفحوصات أكثر تطوّراً ومنتشرة في العديد من المناطق، ودائرتها تكبر وأعدادها تزداد وتشارك بها الجمعيات والوزارة والمؤسسات الصحية. وإجراء الفحوصات خلال فترة استمرار الأزمة أمر مفيد، ويجب توسيع دائرتها لأكبر حدّ لكونها تساعد على الترصّد وعلى التقاط الأمور في بدايتها”.

يشير خليفة إلى أنّ الشرق الأوسط محظوظ جداً في مسألة الكورونا، وذلك لأسباب عدّة ومختلفة، متمنياً أن يبقى الوضع كذلك، وأن يتمّ إجراء الفحوصات بشكل دائم ودوري.

الدكتور خليفة وعند سؤاله عن التحذيرات من موجة ثانية من الكورونا مع موسم الخريف يقول: “يجب أن نبقى جدّيين ونتعاطى بجدّية على أساس أنّ هذا الوباء لم ينتهِ بعد، ولا أحد يعرف إلى أين تذهب التطوّرات. هذه أزمة عالمية والعالم بات معتاداً على التعامل معها أكثر، مع العلم أنّ عدد الوفيات في الدول الأوروبية ما زال كبيراً ونسبة الاستشفاء انخفضت فقط 10% في الدول الأوروبية وأميركا. العالم بات أكثر تقبّلاً لفكرة الوفيات في أوروبا، وهذا لا يعني أبداً أنّ خطر المرض قد زال. لذا يجب أن يبقى الحذر موجوداً، ولاسيما المناطق التي لم تتعرّض لنكسات”.

عضو “اللجنة الوطنية للأمراض السارية والمعدية” والاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري، يؤكد من جهته لـ”أساس” أنّ “الموضوع لا يعتمد فقط على النسبة المئوية، وإنّما أيضاً على مصدر العيّنات والمناطق التي تؤخذ منها، وإن كانت عشوائية وأخذت بعين الاعتبار واقع المنطقة، وعدد السكان فيها. فعلى سبيل المثال، عندما قيل سنأخذ من المنطقة (أ) 50 فحصاً، هل كان هذا الأمر مبنياً على عدد السكان، فضلاً عن الفئات العمرية التي أخذت منها العيّنات؟”، مضيفاً: “نحن نأخذ الفئة بالمليون وليس بالمئة، ونعتبر عدد سكان لبنان 7 مليون إذ نأخذ بعين الاعتبار أكثر من مليون سوري و500 ألف فلسطيني، ويجب ألاّ تقلّ نسبة الفحوصات عن 5 آلاف في المليون، بينما النسبة الحالية تراوح عند 1700 بالمليون تقريباً. وهذه نسبة ليست مرتفعة مقارنة بأرقام الفحوصات التي أجرتها دول أخرى. مع العلم أنّ في لبنان فحوصات أخرى يتمّ إجراؤها من جهات غير وزارة الصحة”.

وفيما يدعو البزري إلى إجراء المزيد من الفحوصات لأننا ما زلنا متأخرين في هذا المجال، يتساءل في المقابل عن نوعية الفحوصات العشوائية: “بعض الفحوصات لم تكن نوعيتها جيدة. وهذا الأمر كانت هناك ملاحظات عليه”.

وعن حالة الاطمئنان في لبنان، يقول البزري إنّ “له مبرّراته، وهو انخفاض عدد الإصابات في لبنان مقارنة بالدول الأخرى، ولكن ما تلا الاطمئنان لم يكن منطقياً، ولم يكن يجب التصرّف بالطريقة التي رأيناها، وهذا يدلّ على أنّ البلد من دون قيادة. فالاطمئنان يجب أن يليه تثبيت للاطمئنان للتأكّد من أنّه حقيقي، وهو ليس مرتبطاً بكون عدد الفحوصات قليلاً أو أنّنا لم ننتبه إلى بعض المناطق، أو أنّ هناك حالات فيروسات لم نكتشفها بسبب عدم التبليغ”.

ويشدّد البزري على أنّ “عودة الحياة تدريجياً إلى سابق عهدها لم يكن قراراً خاطئاً، بل كان يجب أن يكون مدروساً أكثر. فماذا يعني أن تمدّد الحكومة التعبئة العامة في ظلّ تفلّت الشوارع والطرق بهذا الشكل، لدرجة أنّ بعض الناس أصبح لديها حالة من الخوف”.

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…