من أول كاس… Secret Santa!

مدة القراءة 3 د


لطالما أحببت الأجواء الميلادية ووقعتُ في غرام زينة عيد الميلاد وترانيمه وأغانيه التي تذكّرني بأيام المدرسة. أغاني مثل Petit papa Noël وvive le vent وخلافه. فأنا خرّيج مدارس الراهبات وأتقن اللغة الفرنسية بتمكّن.

جدّي، رحمه الله، كان يعمل في مرفأ بيروت الذي دمره “أمونيوم الممانعة”، وطبيعة عمله كانت تفرض عليه التواصل مع العمال الأجانب على ظهر السفن، فتعلّم الكثير من المصطلحات واللكنات، وقد أوصى والدي بتعليمي الفرنسية بسبب تعلّقه بها، فأدخلني الوالد مدرسة خاصة وولهذا ترانيJe gazouille comme les oiseaux، لكنّ حبّي للغات الفرنسية لم يثنني عن التعلّق باللغة العربية أيضاً، وهنا بالمناسبة سأخبركم عشية هذه المناسبة، عن الفرق بين مصطلحي “ميلاد” و”مولد”.

فالميلاد كلمة تُقال لمن يُعرف تاريخ ولادته من دون معرفة مكانها، فيما المولد فتقال لمن يُعرف موضع ولادته من دون معرفة تاريخها (لسان العرب… طويل وبدو قصّ).

جدّي، رحمه الله، كان يعمل في مرفأ بيروت الذي دمره “أمونيوم الممانعة”، وطبيعة عمله كانت تفرض عليه التواصل مع العمال الأجانب على ظهر السفن، فتعلّم الكثير من المصطلحات واللكنات

إذاً، مثلما قلت لكم أعلاه، فإنّ الأجواء الميلادية تعود بي في الذاكرة إلى ماضٍ غابر، إلى تلك الحقبة يوم كنتُ مراهقاً يمشي في الأرض مَرِحَاً. أذكر كم كنتُ أقصد منزل جدّتي في منطقة الجميزة في فترات الميلاد لأرى ابنة الجيران التي كان شبان الحيّ جميعهم متيّمين بها، وكانت تُدعى للمفارقة “سانتا” على اسم “الوالد نويل” باللغة الانكليزية.

كانت “سانتا” تبهر شبّان الحيّ بجمالها ودلالها وحسن قوامها. فهي رعبوبة ملساء القدمين، دَرْمَاء الكعبين، ناعمة الأليتين، مهضومة الخصرين، مُشرقة، حمراء الخدين، زجّاء الحاجبين، لمياء الشفتين، بلجاء الجبين، حالكة الشعر، غيداء العنق، ناهدة الثديين، يدفّيان الضجيع ويرويان الرضيع.

كانت الناس تنصرف إلى الصلاة والزيارات والمعايدات، عدانا نحن المراهقين، فقد كنّا نقيم الحفلات الراقصة والماجنة خلال عطلة المدرسة، فنتجمّع في كلّ سنة عند واحد منّا، فيتداعى الجميع إلى منزله لإحياء المناسبة.

كانت “سانتا” تبهر شبّان الحيّ بجمالها ودلالها وحسن قوامها. فهي رعبوبة ملساء القدمين، دَرْمَاء الكعبين، ناعمة الأليتين، مهضومة الخصرين، مُشرقة، حمراء الخدين، زجّاء الحاجبين

ذات عيدٍ، دعانا أحد الأصدقاء إلى منزله، فطال بنا السهر والسمر ورقصنا (لم يكن هناك محمد فهمي في حينه ولا حتّى حمد حسن) واحتسينا الكحوليات والمُسكرات والعياذ بالله، ثم في نهاية السهرة، أكثرنا في ترع الكؤوس وسِكْرِت سانتا!

إقرأ أيضاً: لغتي الجميلة ودّتني “في نيلة!”

انتشر الخبر في حَيّنا المحافظ مثل النار في الهشيم، وصارت ذلة “سانتا” على كل لسان، ومذّاك بات الجميع يقول: Secret Santa والعياذ بالله، ثم مع الوقت تحوّلت هذه الحادثة المحرجة إلى لفتة كريمة تُقام بين الزملاء في العمل، حيث يتبادلون بسببها الهدايا في ما بينهم بشكل سرّي، وذلك من باب إحياء طقوس التستّر على “سانتا” المسكينة يلي secret “أوفر دوز” سبيرتو مضروب صناعة الحي المجاور للجميزة (حمود قبل بناء البرج ويصبح برج حمود).

في السنة المقبل، إن الله أعطاني عمر، سأخبركم قصة Le gigot de Noël… وإلى حينه نسأل الله عزّ وجلّ أن يبلّغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين.

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب 

مواضيع ذات صلة

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…

مآلات الحرب على كلّ جبهاتها: سقوط المحور

لم تنتهِ بعد حرب الشرق الأوسط المتعدّدة الساحات والتسميات.. طوفان الأقصى والسيوف الحديدية والإسناد إلخ…. لذا لن تكون قراءة النتائج التي أسفرت عنها نهائية حاسمة،…