من دون حاجته إلى النطق ولو بهمسة، يصرخ زياد أسود. حتّى صورة حسابه “العفوية” على تويتر وهو منهمك في قراءة كتاب خلف مكتبه، يبدو فيها كأنّه يتأهّب لرمي الكتاب على المصّور بعد انتهائه من التقاط الصورة، ثم على الغالب بعد أن يتأكّد من أنّ الصورة تعجبه، وتحاكي أناه المتضخّمة، يبدأ بالصراخ ويقوم بطرده. الرجل كتلة من غضب، وغضبه يدفعه إلى الثرثرة. واجتماعهما، الغضب والثرثرة، في شخص واحد مغرور، يضعنا أمام حالة تترواح الانطباعات حولها بين الانزعاج و…الضحك.
وغالباً يُسَرُّ النائب زياد أسود إذا ما ترامى إلى مسمعه أنه يتسبّب بالإزعاج. فهذا، في قاموسه، دليل نجاح. فالشعب اللبناني، في عامّته، تزعجه الحقائق. والنائب أسود لا يقول سوى الحقائق. هكذا هي قناعته، وهو بذلك لا يحيد عن “مبادئ” التيار الذي ينتمي إليه، والذي لا يكاد يظهر فيه من يعترف بأنه أخطأ أو يقوم بانتقاد “أخطاء” ينزلق إليها تياره (لا سمح الله)، حتى يصير خارج التيار. فالعوني الذي يخطئ هو عوني سابق. وليس هناك من عوني حالي يرتكب الأخطاء. العوني دائماً على حق. وزياد أسود عوني أصيل، وهو مقتنع بأنّه معصوم عن الخطأ، وبأنّ له صلاحية تصويب أخطاء الآخرين، وتقييمهم ومحاسبتهم.
إقرأ أيضاً: مؤسفة روائح الكلمات في هذا المقال
وزياد أسود، مدفوعاً من هذه القناعات الراسخة لديه، والتي لا تخضع لأيّ نوع من المراجعة أو المساءلة، يظنّ بأنّ تأثيره بالغ الفعالية، وأنّ تغريداته إنّما تكتب تاريخ لبنان الحديث، ومنها يستمدّ لبنان قوّته ليصير “لبنان القوي”. وهو لا يتوانى عن استخدام لغة جسده لتظهير أنّه القبضاي الذي يمثّل قوة العهد وقوة التكتّل الذي ينتمي إليه. فهو إلى صوته وصراخه، يستخدم ملامح وجهه للإيحاء بأنّه شرس وغاضب وجاهز للانقضاض، مثل أولئك الذين يشاركون في التعارك على قاعدة “هدّوني هدّوني”. وإذا ما وجد أنّه متروك للعراك فعلياً، يشهر بسرعة بطاقة انتسابه إلى نقابة المحامين. فكيف نفسّر إذاً أن يقوم محامِ ومشرّع لبناني بالمشاركة (عام 2015) في عراك بالأيدي داخل إحدى اللجان النيابية فيما يقوم الحاج علي عمار (القدر الساخر يقهقه) بتهدئته ومنعه من الوصول إلى خصمه النائب جمال الجراح؟ وقد يقال إنّ الجراح مستفزّ، وهو كذلك، لكن أليس أسود رجل قانون، ويحاول أن يصوّر نفسه، كما في صورته على تويتر، على أنّه مثقف وقارئ نهم؟
القارئ النهم نفسه، في مطعم في أنطلياس، بعد محاصرة الثوار له، كما حدث مع غيره من سياسيي الطبقة السياسية التي ثار اللبنانيون ضدها، يواجه ويستذئب ويستدعي التعزيزات بدل الإنسحاب بخجل، ثم يوجّه “رسالة لكل اللبنانيين”، على طريقة “يا شعب لبنان العظيم”، ويقول فيها “المزح خلص وما حدا يلعب معنا من اليوم ورايح”، ثم بلغة جسده المتكبّرة (يده على خصره ويهدّد بسبباته)، يؤكّد: “نحنا الأوادم ونحنا ما منعتدي على حدا”، طبعاً بعدما أوسع زعرانه أحد ثوّار طرابلس ضرباً مبرحاً، لأنه تجرّأ ودخل إلى “مناطقهم”.
أسود يعرف دوره جيداً في حلبة المصارعة. يعرف أنه مصارع حرّ، لكنّه يعرف أيضاً أنّه مسجون داخل الحلبة التي حدّدها له فريقه السياسي
هو الضجيج. صراخ متواصل. وصراخ في البرية لأنّه على قاعدة “هدّوني هدّوني”. يريد افتعال معركة لكنّه لا يريد أن يشارك فيها فعلياً. فهو لا يجرؤ على تسمية من يهاجمهم ويعرف أنّه غير قادر على مواجهتهم فعلياً، لأن قواعد اللعبة لا تسمح بذلك. يقول للرئيس سعد الحريري “روح العب” من دون أن يسمّيه. ويصف الرئيس نبيه بري بـ”الغبي” من دون أن يسمّيه. يعرف حدود اللعبة جيداً. يعرف تماماً كيف يستخدم “غضبه” لمصلحة مشروعه، ولو كان ذلك على جثّة المنطق المغدور من الخلف بخنجر التناقضات. فلو عاد متتبّع حساب أسود على تويتر بضع تغريدات إلى الوراء، لوجد أنّه كتب قبل أيام، وقبل تغريدات الغضب الساطع التي سبق ذكرها: “أنا فكري تتوقّف المزايدات والفلسفات واللتّ ونترك الناس تقطع المرحلة بأقلّ ضرر وإرباك، ونفسح المجال لمن يريد وقادر على التعاون والمساعدة الطبية واللوجستية اللازمة في هذه المرحلةّ وتحديداً لمن هو مؤهل طبيّاً، وأخصّ بالذكر كل المزايدين ووزراء ونواب وفشّيخا وغيرو وجميعو وبلا هرءا بكفّي بقا”.
هذا نموذج بسيط عن التناقضات والمزايدات الفارغة التي لا طائل منها سوى الاستعراض، كما يفعل لاعبو المصارعة الحرّة الذين يشاركون على الحلبة بأدوار مدروسة ويخسرون ويربحون بحسب ما تستلزم اللعبة وبحسب مصلحة منظّميها. أسود يعرف دوره جيداً في حلبة المصارعة. يعرف أنه مصارع حرّ، لكنّه يعرف أيضاً أنّه مسجون داخل الحلبة التي حدّدها له فريقه السياسي. وهو يعرف أن الحلبة حيث يلعب مخصّصة لأوزان محدّدة. وأنّه غير قادر حتّى على المشاركة في المصارعة على حلبات أخرى. فيكتفي بالصراخ، من خلف حبال حلبته سكراناً بهزيمة مصارع خفيف من وزنه، علّ اللاعبين الكبار يسمعونه. أو في أحسن الأحوال، يسمعه مثاله الأعلى في المصارعة الحرّة الرئيس ميشال عون، فيربّت على كتفه ويهمس في أذنه: “غود بوي زياد… غووود بوي”!.