غزّة: “اليوم التالي”.. لبنان: “اليوم السابق”

مدة القراءة 5 د


اليوم التالي للحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة، يشغل الدول والعواصم ومراكز القرار والأبحاث والإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. في إسرائيل، سؤال اليوم التالي يشغل إسرائيل كلّها بقدر ما تشغلها الحرب على الجبهتين الجنوبية (غزة)، والشمالية (جنوب لبنان).
في إسرائيل ثمّة من يسأل: ماذا بعد كلّ هذه الغارات وهذا القصف؟ ماذا بعد التوغّل البرّي في قطاع غزة ثمّ الانكفاء؟ ماذا بعد الحرب أمنيّاً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً؟
في إسرائيل قضاء يحاسب، ورأي عامّ ينتظر توقّف آلة الحرب ليسقط قادةً سياسيين وأمنيّين واستخباريين وعسكريين. في إسرائيل استطلاعات رأي. لكن عندنا هل نعرف شيئاً عن استطلاعات الرأي في غير مواسم الانتخابات؟

المحاسبة تقود الحرب
عمليّاً انطلقت المحاسبة في إسرائيل، إعلامياً وسياسياً وأمنيّاً، منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”: ثمّة من يسأل عن أسباب الفشل الاستخباري. وهناك من بدأ بتحميل جهات أمنيّة مسؤولية التقصير في توقّع ما حدث، وإهمال معلومات أمنيّة حسّاسة وصلت إلى الجهات المعنيّة قبل ساعات وأيام وأسابيع من العملية.
أكثر من ذلك، السبب الرئيس في تمدّد الحرب على غزة وإطالة أمدها الزمني هو الخوف من المحاسبة. يدرك نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل أنّ اللحظة التي سيعلن فيها انتهاء الحرب، سيعلن فيها أيضاً انتهاء حياته السياسية.

تريد حماس أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، على الرغم من الدمار الكبير وآلاف الشهداء والجرحى والنازحين والمفقودين. وهو نفسه ما يريده الحزب

يسأل سكّان مستوطنات الشمال الإسرائيلي وسكان غلاف غزة: متى نعود إلى بيوتنا؟ هل زال التهديد؟ يرفض سكان المستوطنات في شمال فلسطين المحتلّة وفي غلاف غزة العودة في ظلّ المعطيات الأمنيّة الراهنة على الحدود اللبنانية الفلسطينية وعند الحدود مع قطاع غزة. التظاهرات في إسرائيل، التي تطالب بالأسرى لدى حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية، لا تنفضّ الواحدة منها حتى تنطلق الثانية. رؤساء المستوطنات يسألون ويسألون ويقضّون مضاجع الساسة والأمنيّين.
أبعد من ذلك، انطلقت نقاشات في إسرائيل تتعلّق بالمزروعات والأراضي المزروعة عند الحدود مع لبنان: أيّها ستزرع هذا العام وأيّها لن تُزرع؟

في الجهة المقابلة
على المقلب الآخر للحدود، أي عندنا في لبنان، كما في قطاع غزة: من يسأل؟ من يحاسب؟ من يجرؤ على طرح سؤال واحد؟ من يجرؤ من النازحين عن بيوتهم قسراً على طرح سؤال واحد أوحد: متى نعود؟ من يتجاسر ويسأل عن زيتونه الذي تركه على أمّه ونزح؟ من الجَسور الذي سيسأل عن الدمار العميم في قطاع غزة، وعن أسباب الحرب ومآلاتها ونتائجها الكارثية؟ هذا على المستوى الشعبي.
على المستوى السياسي، من يجرؤ على السؤال عن اليوم التالي؟ من يسأل الحزب ماذا بعد أن تتوقّف آلة الحرب الإسرائيلية في غزة وفي جنوب لبنان؟ إلى أين بعد هذا كلّه؟
لا ينتظرنّ أحدٌ جواباً على ذلك. لم يقدّم الحزب يوماً رؤيته أو خطّته أو حتى يفصح عن نظرته إلى اليوم التالي. ذهب إلى سوريا ولمّا يعُد بعد، قبل عقد ونيّف من الزمن، وإلى اليوم لم يتحدّث عن اليوم التالي. في العراق فعل الأمر نفسه. في اليمن كرّر المعادلة. واليوم يذهب في دعمه أهل غزة وإسناده جبهتهم على ما يقول، دون أن يقدّم للّبنانيين ولو كلمة واحدة عن اليوم التالي.

اليوم التالي للحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة، يشغل الدول والعواصم ومراكز القرار والأبحاث والإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي

حدث هذا ويحدث في ظلّ الشفافية اللامتناهية التي يزعمها الحزب، ومع أكثر من خطاب ألقاه أمينه العام حسن نصر الله منذ عملية “طوفان الأقصى” وبدء الحرب الإسرائيلية على غزة. خاض الأمين العامّ للحزب في كلّ ما يتعلّق بالمعركة الدائرة حالياً. وصل إلى تعداد الجنود الإسرائيليين والفرق والألوية التي تنتقل من جبهة إلى أخرى. أحصى السفن الأميركية في البحر الأبيض المتوسط. خاض غمار الحديث عمّا يجري في الميدان في غزة وفي أقصى جنوب لبنان وفي الضاحية.
تحدّث “السيّد” أيضاً في الاقتصاد ولم يترك زاويةً إلا تناولها. هو منذ بدء الحرب يخوض في تفاصيل ما جرى ويجري، وفي خلفيّته التاريخية والسياسية والعسكرية، حتى ليخال المرء أنّه الأمين العامّ لحزب بلا إعلام، وقائد في محور لا يمتلك جريدةً ولا منصة إلكترونية ولا حتى قناةً تلفزيونية.
لكنّه لم يتحدّث يوماً عن اليوم التالي. اليوم التالي للحرب التي تشنّها إسرائيل حاليّاً على قطاع غزة وعلى لبنان، واليوم التالي لحرب الإسناد التي يخوضها الحزب، فاليوم التالي بالنسبة للحزب هو يوم ظهور المخلّص. يوم تبيضّ وجوه مناصريه ومحازبيه وبيئته الحاضنة، وتسودّ وجوه معارضيه ومسائليه والواقفين على الحياد لا حول لهم ولا قوّة ولا رأي.

إقرأ أيضاً: إيران من العراق إلى اليمن: قاتلوا عنّا نفاوض عنكم!

اليوم السابق
أمّا في السياسة من جنوب لبنان إلى غزة، فاليوم التالي هو اليوم السابق. تريد حماس أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، على الرغم من الدمار الكبير وآلاف الشهداء والجرحى والنازحين والمفقودين. وهو نفسه ما يريده الحزب: أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في اليوم الذي سبق عملية “طوفان الأقصى”. أي أنّ الحرب من غزة إلى لبنان، ومن العراق إلى اليمن، هدفها اليوم السابق. نحارب ونقدّم التضحيات والجرحى والشهداء والأمن والأمان والاقتصاد، من أجل أن نعود إلى اليوم السابق.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: jezzini_ayman@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…