لا عودة للبنانيين من الخارج قبل 12 نيسان. هذه هي خلاصة قرار الحكومة التي طالبت الراغبين بالعودة إلى أن “يملأوا استمارات”. قرار يرتبط، بحسب مدير عام الطيران المدني فادي الحسن في حديثه لـ”أساس”، بما “ستخلص إليه اللجنة الطبية، وتحديداً لناحية إمكانية اعتماد الفحص السريع للمسافرين”.
إذاً فاللبنانيون العالقون في الخارج متروكون اليوم لمصيرهم، ومصيرهم مرتبط بالفحص السريع، في ظلّ استحالة إجراء الـPCR لهم جميعاً في الدول حيث هم، التي تشترط، خصوصاً في أوروبا، أن تكون هناك أعراض ظاهرة لإجراء الفحص. وبالتالي فإمّا اعتماد هذا الفحص خلال هذه المهلة، قبل 12 نيسان، أو على الدولة البحث عن آلية بديلة بعد 12 نيسان، فهؤلاء بحسب الحسن: “لا بدّ من عودتهم”.
سارة الغريب شابة لبنانية من الميناء في الشمال، سافرت إلى فرنسا في 2017، لتتابع رسالة الدكتوراه، وكغيرها عليها الانتظار حتّى ليل 12 نيسان: “نعيش في فوبيا خوفاً من الموت هنا في فرنسا، بعيداً من عائلاتنا”، تقول في حديث لـ”أساس”. هي التي كانت تهيّء نفسها للسفر إلى لبنان في 19 آذار الفائت، فكّرت في تقديم موعد سفرها حين أعطت الحكومة مهلة 4 أيام قبل إقفال المطار. لكنّها عدلت عن الفكرة خوفاً من أن تحمل المرض إلى أهلها. وهي واحدة من 5300 طالب لبناني في فرنسا، لم تُدرك أنّ الوضع سيسوء، مع تفشّي الوباء الذي قتل 365 حالة خلال 24 ساعة في فرنسا، ليرتفع الرقم إلى 1696 وفاة، وأكثر من 25233 إصابة مثبتة مخبرياً.
إقرأ أيضاً: علاج كورونا الفرنسي: ليس نهائياً.. ودوره بعد الإصابة
السفارة اللبنانية في فرنسا خصّصت رقمين للجالية: “يتحدثون عن تأمين طائرة قريباً، لكن لا شيء ملموساً حتّى اللحظة”. والهاجس الصحّي لا ينفصل عن المالي، فتقول سارة: “هناك مصاريف. ولا نعلم إن كانت الأيام هذه سوف تخصم من منحتنا. لكن الأمر ليس بيدنا. والأخطر أحوال الطلاب الجدد، الذين وصلوا هذا العام لدراسة الماستر”.
هادي الهاشم، مستشار وزير الخارجية ناصيف حتّي، كشف أنّ “الوزير طرح على مجلس الوزراء آلية لعودتهم، لأنّ القرار للحكومة مجتمعة”. وفي حديث لـ”أساس” قال إنّ “السفارات تقوم بدورها الفاعل، والسفراء لا يقصّرون، لكنّ المشكلة في أوروبا أكبر من المشكلة في الدولة العربية. ونحن في وزارة الخارجية نواكب والوزير يتابع يومياً”.
إعادة اللبنانيين إلى وطنهم سالمين، وجّه الأنظار إلى شركة “طيران الشرق الأوسط”. مديرها محمد الحوت أكّد في أحاديث إعلامية “الاستعداد لتسيير أيّ رحلة استثنائية لتأمين عودة أيّ مجموعات من الطلاب أو رجال الأعمال اللبنانيين من أيّ وجهة كانت في حال أمّنت الحكومة الأذونات اللازمة”.
مصدر في “الطيران المدني” أوضح لـ”أساس” أنّ “القرار يجب أن يصدر عن مجلس الوزراء، وأن يكون هناك تنسيق مع السفارة اللبنانية في البلد حيث يوجد لبنانيون، والتواصل مع السلطات هناك للسماح بالطيران بالسفر”. لكن هل تتكفّل الحكومة بثمن التذاكر؟
الطالبة تالا شحادة توضح لـ”أساس” أنّ “الخروج من البيت ينحصر في زيارة الصيدلية والسوبر ماركت. لا نملك سيارات ونتفادى حالياً المواصلات العامة. فنذهب سيراً على الأقدام. أنا مثلاً أسير ربع ساعة للوصول إلى السوبرماركت”
في إيطاليا سُجّل في الساعات الـ24 الماضية ألف حالة وفاة جديدة، في رقم قياسيّ مؤسف، ليرتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 9000 والإصابات إلى 85 ألفاً تقريباً، وهناك تعيش جالية لبنانية من 5000 شخص، على أعصابها، بحسب السفيرة ميرا ضاهر.
سفيرتنا في إيطاليا أعلنت لـ”أساس” أن “لا إصابات لبنانية حتّى الآن”، وأثنت على وعي الطلاب والتزامهم الحجر. هي التي تتواصل “مع الجميع” للاطلاع على أوضاعهم، وإلى جانب الطلاب هناك من “باتوا عاطلين عن العمل بسبب الأزمة”. وهي تعي خطورة العودة إلى لبنان “دون فحص”: “سنعرّض الجميع لخطر وليس فقط الأهل. فسرعة انتقال الفيروس مخيفة”.
وكان هناك عملية إجلاء فاشلة في 15 آذار للسبب نفسه: عدم إجراء الفحوصات في إيطاليا. اليوم الصورة لم تتغيّر. إيطاليا ما زالت تمنع الفحوصات عمن لا يعانون من أعراض ظاهرة. والجديد تضاعف أعداد الذين يريدون المغادرة: “نجرّب كسفارة أنّ نؤمن لهم الطعام والشراب وإبقاءهم آمنين، لكن مسؤولية الدولة اللبنانية أن تتابع. ضغطنا على المصارف لرفع سقف التحويلات المصرفية من أجل تأمين حاجاتهم”. أما الباقي فتحاول السفارة المساعدة “من مساعدات مقتدرين، “لكن لا يمكن الاعتماد عليها طويلاً”، بحسب مصدر مطلّع لـ”أساس”.
ويؤكّد المصدر أنّ واجب الدولة أن تضع خطّة متكاملة: “العاطلون عن العمل قد يعجزون عن دفع بدلات الإيجارات، ولن نتركهم في الشارع. ومثلما تقصّر الدولة بحقّ سائقي التاكسي والمياومين في لبنان، تقصّر بحقّ اللبنانيين هنا”.
الطالبة تالا شحادة توضح لـ”أساس” أنّ “الخروج من البيت ينحصر في زيارة الصيدلية والسوبر ماركت. لا نملك سيارات ونتفادى حالياً المواصلات العامة. فنذهب سيراً على الأقدام. أنا مثلاً أسير ربع ساعة للوصول إلى السوبرماركت”.
وتالا أيضاً تثني على “المواكبة من قبل السفارة والقنصل، والتدخّل مع المصارف اللبنانية. وتروي أنّها فضّلت البقاء في إيطاليا وعدم السفر إلى لبنان لتحمي عائلتها: “لن أتحمّل ذنب إصابة أحد بسببي، البقاء هنا أصعب، لكنّ ضميري سيكون مرتاحاً على الأقل”.
للمصارف حصتها من معاناة اللبنانيين، فصحيح أنّ رئيس جمعية المصارف سليم صفير كان قد أعلن عن اتفاقه مع المصارف على تسهيل التحويلات إلى إيطاليا، غير أنّ هذا لم يعفِ الأهالي من إجبار المصارف لهم على الإتيان بدولارات من خارج المصارف. أما تالا ورفاقها فيطلبون تحويل الأموال إليهم وفق سعر الصرف الرسمي، وعدم إلزام الأهل بجلب دولارات “فريش” من الصيارفة.
الوزير حتّي الذي لم ينشر التفاؤل بعودتهم وتركها في عهدة “فحص الكورونا”، وعد عبر mtv بالمساعدة، إن عبر رفع سقف التحويلات المصرفية لهم أو من خلال تقديم مساعدة مالية لمن عجز أهلهم عن تحويل المال إليهم. لكن لا شيء “تطبيقيّ” حتّى اللحظة.
في عمان، التي سجّلت حتى تاريخه 109 حالات كورونا، السفارة اللبنانية غائبة: “بعمرها ما تواصلت مع حدا”، يعلّق فاروق. أما الجالية اللبنانية فهي مترابطة وتمارس دوراً مهمّاً جداً
نصل إلى أفريقيا، حيث بدأ الكورونا يتفشّى، ويترّقب 100 ألف لبناني في ساحل العاج مصيرهم: “ليش عنّا سفير؟، مش عارفين بوجوده أصلاً”، يجيب “أبو مريم” متهكمّاً، عند سؤاله عن متابعة السفارة لأوضاعهم، فهي لم تسأل عنهم خصوصاً بعد رحيل القائم بالأعمال خليل محمد، الذي يشيد به قائلاً: “كان بيشتغل أكتر من سفير”.
أبو مريم لبناني يعمل في مقاطعة “ديفو” التي تبعد 200 كيلومتر عن العاصمة أبيدجان، يطلب عدم نشر اسمه الكامل، ويصف لـ”أساس” الوضع بـ”الكارثي. فهم يعيشون خائفين من انفجار مفاجىء للوباء، والإمكانات متواضعة ولا يوجد وعي كافٍ للتعامل مع كورونا”.
أبو مريم الذي يناصر حركة “أمل” يتحدّث بغضب عن “إرجاع اللبنانيين من إيران بلا فحوصات”. ويسأل: “هم طلاب علم يرجعونهم، أما نحن فإذا رجعنا من سيحوّل لهم الدولارات؟”. ويعلّق أبو مريم على كلام نائب حزب الله، حسن فضل الله، الذي قال إنّ “الحكومة مسؤولة عن كل مواطن، سواء في لبنان أو في أيّ دولة في العالم، وبالتالي، هل يحق لأحد أن يقول لهم لا تأتوا إلى لبنان وامنعوهم من العودة؟”. ويقول إنّ هذا الكلام لم يكرّره النائب مع توالي صرخات اللبنايين في دول أخرى موبوءة.
في الدول العربية، يبدو اللبنانيون أكثر ارتياحاً، حتّى أنّ بعضهم لا يفكّر بالعودة. في مسقط، العاصمة العمانية، يعيش اللبناني فاروق عثمان. هو الذي كان يتردّد إليها منذ 4 سنوات حتى قرّر الاستقرار أخيراً فيها: “الوضع أفضل من لبنان. هيئة حماية المستهلك ضبطت رفع الأسعار، وهناك انضباط والتزام بالقانون”، يقول لـ”أساس”، موضحاً أنّ “قرار العودة إلى لبنان ليس مطروحاً أبداً”.
في عمان، التي سجّلت حتى تاريخه 109 حالات كورونا، السفارة اللبنانية غائبة: “بعمرها ما تواصلت مع حدا”، يعلّق فاروق. أما الجالية اللبنانية فهي مترابطة وتمارس دوراً مهمّاً جداً.
لا يطلب فاروق الكثير من الدولة اللبنانية، كلّ ما يريده منها هوالتواصل مع السلطات في سلطنة عمان لرفع غرامات تأخير كسر الإقامة عنهم فـ”المؤسسات جميعها مغلقة ولم يصدر أيّ استثناء”.
أما في الأردن، فتؤكد إحدى اللبنانيات المقيمات، أنَ الوضع جيّد، موضحة لـ”أساس”، أنّها لا تفكّر بالعودة. كذلك في السعودية، يخشى أحد اللبنانيين العاملين هناك أن تطول أزمة الكورونا، “فتُغلق الشركة حيث أعمل، وبشكل نهائي، ما سيجبرنا على العودة والاستقرار في لبنان، وهذا ما لا يتمناه أحد لأحد في ظلّ الظروف الاقتصادية السيئة”.
هكذا يتبيّن أنّ اللبنانيين لا معيل لهم ولا منجد لهم، هم المتروكون في بلاد غريبة، بلا مال ولا اهتمام، إلى 12 نيسان، وربما إلى ما بعده. وحدها مسقط تبدو أفضل من إيطاليا وفرنسا وغيرها.