من هو سعد الحريري الجديد؟ أو ما هي الشخصية الجديدة التي يريد الرجل أن يكون عليها؟
كلّ فترة وأخرى، يخرج رئيس تيار المستقبل معلناً ارتداءه ثوباً جديداً. سابقاً طرح معادلة “سعد الحريري 2018، غير سعد الحريري 2005”. أما اليوم فهو لم يعد يعلم أين هو، وما الذي يريد أن يكون عليه. هاجم حلفاءه المفترضين، وأبناء جلدته، وكلّ من ينتقد مساره ومراسه، ولم يهاجم خصومه، ولا من اتهمهم ذات يوم بتغيير التوازنات ووجهة لبنان وصيغته، أو اتهمهم بالاستئثار بالدولة ومواقعها لحسابات شخصية. لا يريد مواجهة التيار الوطني الحرّ، ولا مواجهة حزب الله، على الرغم من تحميلهم بعض المسؤولية، إلا أنه أبقى الأبواب مفتوحة للتسوية معهما. ما يفعله حديثاً يتركّز حول مهاجمة من كانوا حلفاء، أو من ينتقدون مسار التنازلات الذي أدّى إلى زَهْق (إماتة) تأثير السنّة في المعادلة الوطنية.
إقرأ أيضاً: ميقاتي و”الوسطية”.. حكومة معادية للدعم الدولي
يهرب من تنازلاته بناءً على معادلة يطرحها بأن السنّة هم طائفة الوطن، ووفقاً لهذه المعادلة، فإنّ زوال الوطن من زوالهم، فزالوا بفعل التسويات التي نحرت وطناً ودستوراً واتفاقاً كلّف أكثر من 200 ألف ضحية. في هجومه العلني الأوّل على خصومه داخل الطائفة السنية، استند الحريري إلى أنّه حامل لمؤتمر “سيدر”، بينما الآخرون لا يحملون شيئاً. في الردّ التقني، هو أكثر العالمين بأسباب عرقلة مؤتمر “سيدر”، ومنع وصول مساعداته. الأسباب تعود كلّها إلى المعطيات السياسية. وعندما كان رئيساً للحكومة، لم ينجح في توفير أيّ فرصة من فرص هذا المؤتمر. أما في الردّ السياسي، فقد أراد حجب أيّ رأي معارض أو إصلاحي أو انتقادي، وكأنّ الكلام السياسي ممنوع إلا لمن يحمل رزمة من المساعدات، ولا بأس في سبيلها من التنازل عن كلّ الثوابت والمقدّرات، وصولاً إلى تقديم أوراق الاعتماد في سبيل رئاسة الحكومة، بالتلويح بالاستعداد لتعديل الدستور.
إنه سعد الحريري بنسخته الجديدة الذي لا يهمّه اتفاق الطائف، ولا 14 آذار، ولا الطائفة السنية، ولا السعودية ودول الخليج
إنه مسار انهيار الحريري السياسي، وانحسار دوره، وأفقه. هو الذي كان سابقاً يتباهى بوطنيته، وعبور تيار المستقبل للطوائف، منذ موافقته على قانون الانتخاب، وعلى التسوية الرئاسية التي تحوّلت إلى اتفاق مصالح وتقاسم الحصص مع التيار الوطني الحرّ على القواعد. انحسر التيار، ودخل زاورب المذاهب والطوائف. أصبحت معركته مع آخرين على الساحة السنية، حتى وصلت المعركة إلى داخل البيت الواحد والعائلة الواحدة. لم تعد لديه مشكلة مع حزب الله، ولا التيار الوطني الحرّ. إنما مشكلته انتقلت من الصراع مع قوى 14 آذار سابقاً إلى داخل الطائفة السنية، إلى الخلاف مع شقيقه. وكأنّ السياسة صراع على الإرث.
وهو الذي كان يمثّل دوراً عربياً وإقليمياً، مستفيداً من حاضنة شعبية وسياسية محلية، وإقليمية ودولية لم تتوفّر لأحد من قبله، فرّط بها كلها على مذبح تسويات ضيقة الأفق. كان بمجرّد ذكر اسمه، يستحضر الدعم الدولي والغطاء الإقليمي، اليوم يخرج ليقول ردّاً على سؤال حول موقف السعودية ودول الخليج من تنازلاته وبأنهم خوّنوه بسبب مواقفه بالقول: “ما همّني”. إنه سعد الحريري بنسخته الجديدة الذي لا يهمّه اتفاق الطائف، ولا 14 آذار، ولا الطائفة السنية، ولا السعودية ودول الخليج.
ما الذي يهمّه؟
رئاسة الحكومة فقط.
لماذا لم تعد تهمّه السعودية؟
الجواب واضح، لأنّها لم تعد مستعدّة لتغطية تنازلاته، وهنا لا بدّ من العودة إلى كتاب السفير السعودي السابق في لبنان عبد العزيز خوجة، عندما تناول أحد لقاءات الحريري مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان يطلب خلالها موافقة السعودية على رئاسته للحكومة، فأجابه الملك عبد الله حينها: “عليك أن تختار بين الحكومة والمحكمة”، بمعنى أنّ بُعد نظر العاهل السعودي يومها كان ثاقباً حول معادلة نسف المحكمة على مذبح الحكومة. نسف الحريري كلّ الثوابت والمقوّمات على مذبح الحكومة.
ما يريده الحريري، هو الركون إلى قناعة أنّ حزب الله يفاوض الأميركيين على ترسيم الحدود، ولا بدّ من حجز مقعد في قاطرة الحزب
لا تهمّه السعودية ولا دول الخليج، لأنه يعتبر أنّ المملكة قد أدارت ظهرها للبنان، ولن تدعمه. لكن لا بدّ له أن يدعم نفسه بحزمة تنازلات جديدة، وينتظر ما تقوم به فرنسا في محاولة إقناع الأميركيين والسعوديين بغضّ النظر عن تولّيه لرئاسة مجلس الوزراء. رئاسة لا بدّ لها أن تمرّ بالكثير من التنازلات لحزب الله، فلا يضع الحريري نفسه أو شخصه في هذا الموقع فحسب، إنما السنّة بكلّ ما يرمزون إليه، وهو الذي يريد اختزالهم بشخصه ومطامحه.
ما يريده الحريري، هو الركون إلى قناعة أنّ حزب الله يفاوض الأميركيين على ترسيم الحدود، ولا بدّ من حجز مقعد في قاطرة الحزب. لا يريد أن يقتنع أنّ تلك القاطرة لا تتّسع للجميع.