…” لاتوترات أمنية ولا اشتباكات ولا حروب، طالما أنّ الولايات المتحدة ملتزمة دعم الجيش اللبناني بكل ما يحتاجه للاستمرار في أداء مهامه الأمنية المطلوبة منه في الداخل وعلى الحدود”. بتلك الكلمات، يطمئن مرجع أمني أصدقاءه في جلسة خاصة له قبل أيام قليلة، مستكملاً كلامه: “عندما تسمعون أنّ الإدارة الاميركية أوقفت دعمها الجيش، في اليوم التالي توقعوا كلّ شيء أمنياً”.
منطقان يتصارعان حالياً في الأوساط الرسمية والشعبية اللبنانية، الأوّل يتحدّث عن توترات أمنية آتية في قابل الأيام، والثاني يستبعد هذه الفرضية مسترخياً ومستنداً إلى أن لا مصلحة لأحد بانهيار الأمن والدخول في حرب تضرب لبنان.
هل هي عملية “تهبيط حيطان” كما يقال في العامية؟ أم أنّ مخاطر الفوضى الأمنية تطرق أبواب الواقع اللبناني بقوّة. إذ تنهال علينا تقارير أمنية من كلّ حدب وصوب ويجري تناقلها عبر المختصين بالشأن الأمني وداخل الصالونات السياسية، التي تستعين بعبارة: “تلقّيتُ اتصالاً من الخارج”، لتمنح ما تقوله سنداً ومصداقية للوصول إلى المتلقّين والسامعين. هذه التقارير كلّها تتحدّث عن عمليات تحشيد تمهيداً للتسليح تحصل في أكثر من منطقة. وتذهب هذه التقارير الاستخباراتية إلى أنّ التوتر الأمني سيكون متدرّجاً بداية من دعوات لعصيان مدني، فإشكالات صغيرة متنقّلة لتصل إلى تحرّكات ميليشيوية مناطقية تحت شعار “الأمن الذاتي”.
وتشير التقارير إلى أنّ ما حصل في بلدة جبيل مؤخراً يأتي ضمن السياق نفسه على الرغم من محاولة لفلفة ما حصل والتعمية حول هوية الشبان الذين اعتدوا على المسجد وخادمه، وما إن كانوا ينتمون لمجموعة يمينية متطرّفة بدأت تتشكّل مؤخراً في جبيل برعاية من فعاليات حزبية في المنطقة. وتخلص تلك التقارير إلى القول إنّ الوضع في البلد لن يمرّ بالتي هي أحسن. فالأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة، ولا يمكن النفاذ من هذا المأزق إلا بإعادة تقييم واقع البلد البنيوي.
منطقان يتصارعان حالياً في الأوساط الرسمية والشعبية اللبنانية، الأوّل يتحدّث عن توترات أمنية آتية في قابل الأيام، والثاني يستبعد هذه الفرضية مسترخياً ومستنداً إلى أن لا مصلحة لأحد بانهيار الأمن والدخول في حرب تضرب لبنان
أما المنطق الثاني، فتعبّر عنه مرجعية بيروتية تستبعد حصول توترات أمنية كبرى بشكل صدامات مسلّحة أو ما شابه أو حتى حرب بين الحزب واسرائيل، لأن لا مصلحة لأيّ طرف مؤثّر داخلي أو خارجي بذلك. فالحرب في لبنان، وفقاً لهذه المرجعية، هي الخطوة التي ليس بعدها شيء، لا في السياسة ولا في الأمن.
إقرأ أيضاً: 5 معلومات خاطئة عن احتمال حرب إسرائيلية على لبنان
إلا أنّ هذه المرجعية لم تستبعد حصول فوضى اجتماعية تؤدّي إلى حوادث أمنية محدودة مع تدهور الوضع الاقتصادي، والمعيشي، والنقدي، وتقول: “نحن كلبنانيين موجودون داخل نفق مظلم. كلّ شيء من الممكن أن نصادفه على الطريق، وأيّ شيء يمكن أن يحصل معنا داخل النفق. فنحن أمام أشهر ثمانية صعبة جداً تنتظرنا ولا شيء يمنع ثورة الجيّاع”.
بين المنطقين، يقبع اللبناني منتظراً إما أمام باب أحد المصارف متسوّلاً بعضاً من مدخراته، أو في الأيام المقبلة أمام محطات الوقود ربما، وربما أمام أبواب الأفران.