تمهّل يا سعد

مدة القراءة 4 د


تمهّل يا سعد، فدار الفتوى ليست فقط داراً لتحديد نواقض الوضوء، ولا كيفية الاستنجاء بالماء أو  بالحجر أو بالطين. هي الدار الوطنية المرجعية للمسلمين وللبنانيين.

تمهل، قبل أن تصرح وعُدْ إلى كتب التاريخ، ستجد فيها قصة مفتي بيروت الأكبر عام 1920 الشيخ مصطفى نجا، كيف شارك في صناعة لبنان الكبير. ثم قلّب الصفحات رويداً رويداً، ستجد الشيخ عبد الحميد كرامي عام 1912 كيف كانت عمامته قلنسوةً في معارك الاستقلال المجيد فكان مفتياً ورئيساً للحكومة عندما كان لهذا المنصب قيمة وتقدير، واسأل عن الشيخ محمد الجسر. الذي كان قريباً من رئاسة الجمهورية لولا حقد الحاقدين، ثم قف عند سيرة المفتي توفيق خالد عام 1932 كيف كان يوقظ رئيس الحكومة عند صلاة الفجر كي يتوضّأ كما يفعل كلّ المؤمنين.

إقرأ أيضاً: أهل السنّة: الموت الصامت

تمهّل يا ابن رفيق، فالشيخ أحمد عسّاف لم تقتله رصاصات صياد ضلّ العصفور فأصابه بطلقات قاتلة ما زالت آثارها في ذاكرتنا حتّى اليوم رغم ذاك الزمن البعيد. ولم يمت الشيخ صبحي الصالح بحادث سير في ساقية الجنزير. ولم تشتعل سيارة المفتي الشهيد حسن خالد بسبب عطل في محرّكها بل اغتالته عصابة أشرار بسبب مواقفه السياسية التي كانت صلبة كالحديد.

تمهل يا سعد، فالمفتي ليس بوقاً يفعل ويتحدث كما أنت أو غيرك يريد.

“المفدي” كما نسمّيه نحن البيارتة، لأنّه رمز الفداء عندما يطلق النفير.

دار الفتوى خيمتنا كلنا، لها ينحني الصغير والكبير. هي منبرنا كما كانت في الصلاة الجامعة بالملعب البلدي حين رفع المفتي الشهيد صوته عالياً، وقال: “نحن أمة لا تستسلم ولا تلين”.

تمهّل يا ابن رفيق، فالتمهّل ميزة العاقلين، رفيق الحريري، كما قلت، كان يجد صعوبة في فعل ما يريد. اسأل السيدة نازك كيف أتاها الرفيق فرحاً عندما نجح بتوزير فؤاد السنيورة المستبعد عن دائرة القرار، لا لشيء بل لأنّه خبير قدير

قُل للعارفين من مستشاريك آتوني بعظته ذاك اليوم لعلّك تستنير واسأل صديق والدك الدكتور فوزي زيدان كيف قال له حسن خالد: هذه عمامتي ارتديها واذهب الى ذاك السفير الفرنسي، وقل له افعل ما أريد، فأنا أرتدي عمامة المفتي فلا مقام يعلو مقامها لا بالأمس ولا اليوم ولا في المستقبل قريباً كان أم بعيد. قلّب الصفحات بتأن? واقرأ عن اللقاء الإسلامي في دار الإفتاء، وكيف كان صاحب الدور الكبير، وكيف كان حافظ الأسد ينتظر بيانه ليعرف ماذا ينتظره من أحداث ومن تحديات ومن مصير. واقرأ قمة عرمون عام 1976 كيف حوّل المفتي حسن خالد عباءته خيمة للزعماء الحاضرين، فصاغوا الثوابت دون خوف ولا تردّد، فكان ذاك اليوم العظيم.

تمهّل يا ابن رفيق، فالتمهّل ميزة العاقلين، رفيق الحريري، كما قلت، كان يجد صعوبة في فعل ما يريد. اسأل السيدة نازك كيف أتاها الرفيق فرحاً عندما نجح بتوزير فؤاد السنيورة المستبعد عن دائرة القرار، لا لشيء بل لأنّه خبير قدير. 

دار الفتوى هي السياسة وهي العروبة وهي الوطنية في الشدائد وما أكثرها علينا هذه الأيام. ولا يصحّ أيّ من هذه العناوين دونها شاء من شاء، وليرفض ذلك من يريد

ألا تذكر ماذا قال أمامك في بيت الوسط الراحل الكبير المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2010 لمولانا الدكتور رضوان السيد: “يا مولانا موقفك صائب ولكن علينا اليوم سوياً.. سوريا أن نستعيد”.

تمهّل يا شيخ سعد، لقد أرهقتنا الهرولة.

دار الفتوى مرجعيتنا، وإن غُيّبت اليوم ستعود يوماً، فعبق وطيف المفتي الشهيد حسن خالد لا يغيب. والمفتي عبد اللطيف دريان ليس مصاباً بالكورونا كي تفرض اليوم الحَجر عليه بانتظار أن يطيب. ولو رضي مفتينا بما سمعه منك، كما سمعناه نحن، وهو لن يفعل، ستجد مزيداً عمائم المشايخ تنير منابرها بكلمة الحق كما تفعل دائماً.

دار الفتوى هي السياسة وهي العروبة وهي الوطنية في الشدائد وما أكثرها علينا هذه الأيام. ولا يصحّ أيّ من هذه العناوين دونها شاء من شاء، وليرفض ذلك من يريد. فالشمس تغيب خلف غيمة عابرة، لكنها دائماً على الموعد ستشرق من جديد.

 

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…