استغلّ وزير الخزانة والمالية التركي الجديد محمد شيمشاك فرصة غياب الرئيس رجب طيب إردوغان في استراحة قصيرة، ليكشف النقاب خلال حفل التسليم والتسلّم بينه وبين الوزير السابق نور الدين نباتي عمّا يدور في ذهنه وما هو كافٍ لإغضاب الرئيس التركي.
يتحدّث شيمشاك عن طريقة عمل الحكومة التركيّة الجديدة وأهدافها على نحوٍ يخرج عن المألوف وبعبارات مغايرة لِما نسمعه عادةً في مواقف وحالات مشابهة. يقول ابن مدينة باطمان الجنوبية الشرقية، الذي انتقل من أسرة كردية عصامية فقيرة في إحدى قرى المدينة إلى أهمّ وأكبر الجامعات الغربية ومراكز القرار المالي في العالم، إنّ الشفافية وقابلية التنبّؤ والامتثال للمعايير الدولية “ستكون من مبادئه الأساسية لرفع مستوى الرفاه الاجتماعي للبلاد.. ومن بين أهدافه دعم البنك المركزي في مكافحة التضخّم من خلال الإصلاحات الهيكلية”، معتبراً أن “لا فرصة أخرى أمام تركيا سوى العودة إلى السياسات التقليدية الواقعية العقلانية”.
استغلّ محمد شيمشاك فرصة غياب الرئيس رجب طيب إردوغان في استراحة قصيرة، ليكشف النقاب خلال حفل التسليم والتسلّم بينه وبين الوزير السابق نور الدين نباتي عمّا يدور في ذهنه وما هو كافٍ لإغضاب الرئيس التركي
سنعرف قريباً حجم المساحة التي سيمنحها إردوغان لشيمشاك للتحرّك باستقلالية والتفرّد في تشكيل فريق عمله الاقتصادي المالي الخاصّ فيما هو يتحدّث بهاتين النبرة واللغة اللتين لن تعجبا الكثيرين في تحالف الجمهور الحاكم.
أرضى إردوغان حزب العدالة والتنمية من خلال تشكيلته الوزارية الجديدة. لكنّه أخذ بعين الاعتبار متطلّبات المرحلة المقبلة على مستوى الداخل والخارج. فبعض الوزراء محسوبون على الحزب، لكنّ وزراء جدداً يتسلّمون مناصبهم الوزارية للمرّة الأولى. يوجد في هذه التشكيلة الحكومية الكثير من الأسماء البارزة والمعروفة التي سبق أن عملت في الحزب والحكومات السابقة وضمن الدوائر السياسية الأقرب إلى الرئيس التركي.
تغييرات حكومية كبيرة
بعد ساعات على أدائه اليمين الدستورية الواجب على رئيس البلاد ووسط تغيير شبه كامل، أعلن الرئيس إردوغان تشكيلته الحكومية الجديدة التي ضمّت 17 وزيراً ليس بينهم من التشكيلة القديمة سوى وزير الصحة فخر الدين قوجا والسياحة محمد نوري أرصوي. إنّه تغيير كبير في الأسماء، لكنّ من وقع عليهم الاختيار هم من الحزبيّين والسياسيين والوزراء الذين خدموا في العقدين الأخيرين.
حملت التشكيلة الوزارية الجديدة التي أعلنها الرئيس التركي الكثير من الرسائل. لكنّها في الوقت نفسه حكومة تنتظرها الكثير من التحدّيات والصعاب في الداخل والخارج. فبين الأهداف الأولى التي يسعى إردوغان إلى تحقيقها عبر هذه الحكومة، إعداد سياسة اقتصادية وماليّة جديدة تنتهجها تركيا في السنوات الخمس المقبلة، وتساهم في إزالة الكثير من المشاكل والأزمات التي أصابت البنية التحتية للاقتصاد والأسواق الماليّة للبلاد. من أجل ذلك تمّ تكليف الوزير السابق جودت يلماز القيام بمهامّ مساعد الرئيس ومنسّق البرامج والخطط الإنمائية خلفاً لفؤاد أوكتاي.
طبعاً وقع الاختيار الأهمّ على وزير المالية السابق محمد شيمشاك الذي قبل تولّي منصب وزير الخزانة والماليّة مرّة أخرى، والذي سيقود فريقاً يتقاسم معه المهامّ والمسؤوليات ويضمّ حتى الآن وزير التجارة عمر بولات ووزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار ووزير الصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح قجر.
زخرفة العصر التركي الجديد
هذه الحكومة وصفها إردوغان بأنّها ستعمل على “زخرفة العصر التركي الجديد”، لكنّها ستحاول في إطار دبلوماسية تحسين العلاقات مع دول الجوار التي بدأت في العامين الأخيرين، إعادة تركيا إلى سياسة التوازن بين الشرق والغرب، بعدما رجحت كفّة الجناح الأوّل في العقد الأخير على حساب جمود وتدهور العلاقات مع الجناح الآخر بسبب ملفّات خلاف وتباعد ثنائية وإقليمية.
سيكون بين مهامّ الحكومة إعداد البلاد للانتخابات المحلية المقبلة بعد 9 أشهر وتسهيل إعادة مدينتَي إسطنبول وأنقرة إلى حزب العدالة والتنمية بعد خسارتهما لصالح حزب الشعب الجمهوري.
سنعرف قريباً حجم المساحة التي سيمنحها إردوغان لشيمشاك للتحرّك باستقلالية والتفرّد في تشكيل فريق عمله الاقتصادي المالي الخاصّ فيما هو يتحدّث بهاتين النبرة واللغة اللتين لن تعجبا الكثيرين في تحالف الجمهور الحاكم
هي حكومة غير تقليدية في زمن صعب جمعت الحزبيّ والمستقلّ ورجل الأعمال والخبير الاقتصادي. درس الكثير من أعضائها في الخارج وتولّوا مناصب إدارية مختلفة في المؤسّسات الرسمية والخاصة داخل تركيا وخارجها.
حاول إردوغان مع فريق عمله الوزاري الجديد أن يأخذ بعين الاعتبار لعبة التوازنات الحزبية والسياسية القائمة من جهة، ومتطلّبات المرحلة من جهة أخرى. لكنّه في النهاية لم يتخلَّ عن أقرب أعوانه في الدائرة الأولى المحيطة به. فقد عيّن رئيس جهاز الاستخبارات الوطني السابق هاقان فيدان وزيراً للخارجية، وهو الذي سلّم منصبه القديم إلى الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، الذراع الأيمن لإردوغان منذ سنوات.
وعيّن إردوغان رئيس الأركان يشار غولر وزيراً للدفاع بدلاً من خلوصي أكار الذي انتقل إلى البرلمان. فيما وقع الاختيار على والي إسطنبول علي يرلي قايا ليكون وزيراً للداخلية خلفاً لسليمان صويلو الذي كان يطمح إلى البقاء في منصبه، إلا أنّه ذهب ضحيّة التغيير والانفتاح الجديد لإردوغان وحزبه. السيّدة الوحيدة في التشكيلة الوزارية هي ماهينور أوزدمير غوكطاش التي تتولّى مهامّ وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية.
مكان الإعلان.. انفتاح على بقية الأتراك
اللافت في تشكيلة الحكومة بالمقارنة مع التشكيلات السابقة هو مواصلة إردوغان اعتماد آليّة الترويكا الثلاثية المعروفة في الاتحاد الأوروبي التي تقوم على قاعدة الاستمرارية في المهامّ والخدمات، في إطار فريق عمل موحّد متكامل يجمع القديم والحالي ومن سيقود في المرحلة المقبلة. وهو نهج تبنّاه الرئيس التركي منذ عام 2002 ولم يتراجع عنه حتى اليوم.
لكنّ اللافت أيضاً كان قرار إردوغان إعلان فريق عمله الوزاري الجديد من قصر “شنقايا” الرئاسي القديم لا من مقرّ الرئاسة التركية. وهو رسالة أرادها كما يبدو أن تكون انفتاحية وتصالحية بين كلّ شرائح المجتمع التركي، خصوصاً أنّ قيادات المعارضة كانت تردّد أنّها ستدير شؤون البلاد من قصر أتاتورك في شنقايا لا من المقرّ الرئاسي الحالي.
في هذا الإطار يبرز ما ردّده الكاتب المعارض بارش ترك أوغلو عن سيناريو لافت يتعلّق بتركيبة الحكومة الجديدة. إذ يتوقّف عند نقطتين بارزتين في تركيبة الحكومة التركية الجديدة: الأولى هي استبعاد إردوغان لمجموعة من السياسيين الذين باتوا يشكّلون مركز ثقل في لعبة المعادلات والتوازنات السياسية والحزبية الداخلية. والثانية هي التمسّك بقراره هو إلى جانب إشراك حزبه في رسم معالم الحكومة الجديدة بعيداً عن حلفائه وشركائه في تحالف الجمهور، وعلى رأسهم دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية.
– هناك احتمال أوّل هو أنّ إردوغان يريد بناء معادلات سياسية وحزبية داخلية جديدة تقود البلاد نحو عام 2028 موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية الجديدة.
– ويوجد احتمال آخر هو أنّ الرئيس التركي يريد تجهيز فريق العمل الحزبي الذي سيقود المرحلة في تركيا بعد 5 سنوات.
إقرأ أيضاً: تركيا دولة عـظمى؟
– لكنّ احتمالاً ثالثاً يذهب باتجاه مغاير مفاده أنّ تركيبة الحكومة الجديدة وأسماء الوزراء المكلّفين تعني أنّ إردوغان فتح الأبواب أمام سياسات مغايرة وطروحات ومواقف وقرارات مختلفة في التعامل مع ملفّات الداخل والخارج، وأنّ قواعد معتمَدة في شكل النظام الرئاسي وطريقة عمله ستأخذ نصيبها من التغيير والتحديث والمراجعة.
دوَّن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في سجلّ التشريفات، بعد زيارته ضريح أتاتورك برفقة وزراء الحكومة الجديدة: “أتاتورك العزيز، نحن نقف أمامك اليوم مع أعضاء مجلس الحكومة الرئاسية الجدد في الولاية الثانية من نظام الحكومة الرئاسية. اليوم ومن خلال عقد اجتماعنا الأوّل نمضي قدماً بسرعة نحو تحقيق هدف بناء مئوية تركيا”.