انتفاضة.. لكن في صفوف الديمقراطيّين

مدة القراءة 5 د


لم يكن يتوقّع أحد أنّه بعد توجيه عشرات الاتّهامات إليه ما يزال الرئيس السابق دونالد ترامب يتقدّم المرشّحين الجمهوريين بفارق شاسع، وفي المقابل يتمنّى الديمقراطيون أن يكون مرشّحهم غير الرئيس جو بايدن.  
لقد أظهر استطلاع للرأي العامّ أجرته شبكة CNN أنّ 67% من الديمقراطيين يعتقدون بأنّ على الحزب الديمقراطي أن يرشّح شخصاً آخر غير بايدن ليخوض الانتخابات في تشرين الثاني 2024. حتى إنّ روبرت كينيدي وماريانا ويليامسون المرشّحَين الديمقراطيَّين اللذين أعلنا رغبتهما في مواجهة بايدن لا يحصلان على أكثر من نقطة واحدة في الاستطلاعات.
ارتفاع نسبة الذين يفضّلون مرشّحاً آخر غير بايدن لم يكن للتعبير عن تأييد الديمقراطيين لمرشّح ديمقراطي آخر إنّما بسبب تقدّم بايدن بالعمر وتزايد المخاوف من أن لا يستطيع أن يكمل ولاية ثانية. وتتزايد هذه المخاوف مع ارتفاع عدد الهفوات التي ارتكبها بايدن أخيراً في المناسبات العامّة وأمام الكاميرات التي توحي بأنّ الرئيس لم يعد حاضراً ذهنياً كما في السابق.
جاء استطلاع “سي إن إن” في الوقت الذي تحظى فيه مشاكل ترامب القضائية وإمكانية أن تصدر أحكام جرمية بحقّه بتغطية إعلامية واسعة، وخصوصاً أنّ ترامب استطاع أن يحوّل الاتّهامات الموجّهة ضدّه لمصلحته بتصويره إيّاها مؤامرةً يقودها البيت الأبيض لمنعه من الفوز في الانتخابات المقبلة. فمع كلّ اتّهامات جديدة تُوجَّه إليه يرتفع تأييد الجمهوريين له، وهذا ما يؤكّد سيطرته على مفاصل الحزب الجمهوري، حتى إنّ أيّاً من المرشّحين الجمهوريين لم يجرؤ على انتقاده بسبب ممارساته أثناء وجوده في البيت الأبيض، وتحديداً أحداث 6 كانون الثاني التي يُتّهم بأنّه حرّض عليها حين رفض القبول بنتائج الانتخابات.

وقوف القاعدة الشعبية للجمهوريين إلى جانب ترامب والاعتقاد السائد بأنّه سيفوز بترشيح الحزب فجّرا مخاوف الديمقراطيين من احتمال أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض

مخاوف الديمقراطيّين
وقوف القاعدة الشعبية للجمهوريين إلى جانب ترامب والاعتقاد السائد بأنّه سيفوز بترشيح الحزب فجّرا مخاوف الديمقراطيين من احتمال أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما دفعهم إلى التساؤل عمّا إذا كان بايدن يستطيع أن يهزم ترامب في المواجهة الرئاسية. إذ لم يكن بايدن يوماً شخصية قيادية جذّابة، لكنّ خبرته في واشنطن جعلت الديمقراطيين يتحلّقون حوله على أساس أنّه شخص قادر على تخفيف حدّة الانقسامات في المجتمع الأميركي التي تفاقمت في عهد ترامب. هذا وساهم سوء إدارة ترامب لجائحة كورونا في زيادة قبول بايدن، وهو ما دفع البعض إلى اعتبار شخصية ترامب المستفزّة لغير جمهوره أهمّ عامل قوّة لبايدن.
هناك تقدير للجهود التي بذلها بايدن في مكافحة الجائحة وتعزيز التطعيم. ومع ذلك، هناك انقسامات واضحة في ما يتعلّق بموضوعات مثل الهجرة والاقتصاد، حيث يبدو أنّ بايدن يواجه صعوبة في الحصول على دعم واسع النطاق.

بايدن لن يتنحّى
أخرج الخوفُ من عودة ترامب الهواجسَ الديمقراطية إلى العلن، فتبلورت في شبه انتفاضة “ديمقراطية” ذات أفق مسدود. حتى الآن لا توجد أيّ إشارة توحي بإمكانية تنحّي بايدن، ولا تهديد جدّياً لزعامة ترامب للحزب الجمهوري. ما يزيد من مخاوف الديمقراطيين أيضاً أنّ نائبة الرئيس كاميلا هاريس لم تستطع أن تنمّي شعبيّتها أثناء ولايتها، وهذا أمر قد يشكّل عنصراً سلبياً للديمقراطيين. فمن المؤكّد أنّ ترامب سيحذّر من إمكانية أن تصبح هاريس رئيسة في حال لم يستطع بايدن أن يكمل ولايته الثانية.

مشاكل نجل بايدن، هانتر، مع القضاء واحتمال أن يُحكم بالسجن، والتضخّم وعدم تحسّن الاقتصاد، وزيادة معدّلات الجريمة في المدن الأميركية الكبرى، وأزمة المهاجرين غير الشرعيين المستمرّة، إضافة إلى عمر بايدن، كلّها كانت كفيلة بأن تمهّد الطريق لأيّ مرشّح جمهوري لهزيمة بايدن، لكنّ ترامب الذي حافظ على شعبيّته لدى الجمهوريين فقط عليه أن يقنع الناخبين المستقلّين بأنّه يستطيع أن يقدّم حلولاً لمشاكل التضخّم والهجرة غير الشرعية بعدما حالت أزمة كورونا دون قدرته على تنفيذ وعوده الانتخابية.
الانتخابات الأميركية المقبلة هي انتخابات السوابق بكلّ مراحلها حتى إنّ المناظرات التلفزيونية بين المرشّحين لن يكون لها هذا الوقع الكبير مقارنة بالمحاكمات المتلفزة لترامب في فيلتون، جورجيا، في شهر آذار المقبل.
في غياب مفاجآت يبدو أنّ المشهد الرئاسي الأخير سيتكرّر بين بايدن وترامب، وعلى الناخب الأميركي أن يقرّر بين شخصين كان يفضّل أن لا يكونا هما الخيارين الوحيدين. مستقبل بايدن مرشّحاً ديمقراطياً سيكون حاضراً أمام القيادات الديمقراطية، وتحديداً هؤلاء الذين يطمحون إلى الترشّح في حال لم يستطع لأسباب صحّية المضيّ في الانتخابات. حتى الآن العنوان الوحيد للديمقراطيين في الانتخابات المقبلة هو عدم عودة ترامب بأيّ ثمن. ما يزال خبراء الانتخابات والسياسة الأميركية الداخلية يحاولون تفسير ظاهرة ترامب وكيف يسيطر على الحزب الجمهوري ويمنع نشوء قيادات بديلة. وجاءت النتائج عكس كلّ التوقّعات التي كانت تتحدّث عن نهاية ترامب مع كلّ اتّهام وفضيحة، وبدل أن يستبدل الجمهوريون مرشّحهم، بدأ الديمقراطيون بالتشكيك في مرشّحهم على الرغم من كونه سيّد البيت الأبيض حالياً.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…