السيّد محمد حسن الأمين: الشاعر الإصلاحي.. الشيخ المدنيّ

مدة القراءة 6 د


 حملت شعبي في صدري وفي شفتي … فمنه تمطر في أشعاري الديم

آلامه في دمي تفري مرارتها …. وفي حناياي من وهج الأسى ضرم

آمنت بالشعب لا تلوى أعنّته …. كلّ العروش على رجليه تنحطم

 

هكذا عبّر العلامة السيّد محمد حسن الأمين عن نظرته لدور الشعب في قصيدة له رثت العلامة السيّد مهدي إبراهيم في بلدة الدوير – قضاء النبطية بتاريخ 5 كانون الأول عام 1971.

هذه الرؤية لدى السيّد الأمين لم تفارقه طوال مسيرته الدينية والسياسية والقضائية والقومية والوطنية والأدبية منذ ولادته في بلدة شقراء (قضاء بنت جبيل) في العام 1946 إلى اليوم. فهو حمل راية الناس وهمومهم أينما كان في جنوب لبنان أو في النجف الأشرف أو في مدينة صيدا (حيث أقام فترة طويلة) أو عندما انتقل للإقامة في بيروت مستشاراً للمحكمة الجعفرية العليا، حاملاً راية النضال الوطني واللبناني إلى جانب رفيق دربه العلامة الراحل السيّد هاني فحص.

إقرأ أيضاً: هاني فحص: اتّساع الرؤية.. والعبارة

هو ابن عائلة دينية عريقة (آل الأمين)، ووالده العلامة السيّد علي الأمين. تابع دراسته الابتدائية والمتوسطة في بلدته  شقراء وقت كان يتابع دراسته على يد والده في علوم اللغة والنحو والصرف والمنطق. ثم انتقل إلى النجف الأشرف عام 1960 ليتابع دراسته الدينية فدخل كليّة الفقه (وكانت من المدارس الدينية المميّزة التي تجمع بين الأسلوب التقليدي والعلوم الحديثة). وتخرّج منها في العام 1967، ثم تابع دراساته العليا حتى العام 1972. وكان واحداً من مجموعة  علماء دين حرصوا على مواكبة كلّ أشكال الحداثة وشكّلوا ما يمكن تسميته مجموعة متميّزة في الحوزة الدينية، اهتمت بالفقه والشعر والسياسة. وعاد إلى جبل عامل وسكن بلدته شقراء حتى العام 1975.

دخل سلك القضاء الشرعي الجعفري عام 1975، ثمّ عُيّن قاضياً في مدينة صور حتى عام 1977، حين انتقل إلى مدينة صيدا وبقي رئيساً لمحكمتها حتّى سنة 1997. وكانت تجربته القضائية متميّزة من خلال رؤيته المعاصرة للدين والأحكام الفقهية، وإن كان لم يقتصر حضوره في صيدا على الدور القضائي، بل تحوّل منزله إلى دارة مفتوحة للنضال الوطني والقومي والإسلامي حيث كانت تعقد اللقاءات الوطنية والاجتماعات اللبنانية – الفلسطينية. وكان مناصراً ومؤيداً بقوّة للقضية الفلسطينية، إضافة إلى دوره في حماية الوحدة الوطنية إلى جانب علماء صيدا وقادتها الدينيين والسياسيين. وساهم إلى جانب المفتي محمد سليم جلال الدين والمطران سليم غزالة في حماية الوحدة الوطنية في صيدا وشرقها.

كما كانت له مواقف واضحة في دعم المقاومة الوطنية والإسلامية خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، ما دفع قوات الاحتلال إلى طرده إلى بيروت.

في العام 1997، نُقل إلى المحكمة العليا مستشاراً، فتوزّعت اهتماماته إلى كلّ المناطق اللبنانية، وكان حاضراً في كلّ المجالس الثقافية والفكرية، ورعى تأسيس ملتقى الثلاثاء الثقافي في الضاحية الجنوبية، الذي كان مساحة حوار وطنية وأدبية وفكرية متنوّعة. ومن أبرز نشاطاته إقامة أمسية شعرية حاشدة للشاعر سعيد عقل.

العلامة السيّد محمد حسن الأمين كان جسر تواصل بين مختلف التيارات الدينية والفكرية والسياسية وخصوصاً بين القوميين والإسلاميين، وهو ساهم في تأسيس “المؤتمر القومي العربي” و”المؤتمر القومي الإسلامي” و”المنتدى القومي العربي”. كما كان جسر تواصل بين الاتجاهات الدينية والعلمانية، وقدّم أطروحات عديدة حول العلمانية المؤمنة ومصالحة الدين مع الدولة المدنية. وكان يعتبر أنّ مسألة الدولة والحكم هي شأن بشري، وليست مسألة دينية.

لكنّ الدور الأبرز والأهم للسيّد الأمين تجلّى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005، حين رعى تأسيس “اللقاء اللبناني الشيعي”، والذي ضمّ حوالي ثلاثمائة شخصية شيعية متنوّعة كانت تسعى لبلورة موقف شيعي لبناني يلاقي قوى 14 آذار. لكنّ التحالف الرباعي بين حزب الله وتيار المستقبل وحركة امل والحزب التقدمي الأشتراكي، أجهض هذه التجربة وترك ذلك انعكاسات سلبية لدى السيّد الأمين والمجموعة القريبة منه.

وقف إلى جانب الربيع العربي وثورات الشعوب العربية، وكان حاضراً في كلّ المنابر والساحات إلى جانب رفيق دربه السيّد هاني فحص. لكن الموت الذي عاجل السيّد هاني  في العام 2014 تركه وحيداً، فكتب له قصيدة نُقشت على حجارة ضريحه:

لا لا أريد بأن أراك فقيدا                              قم واجلُ عن صدري الغيوم السودا

قم وارتحل بدمي وشقّ بمهجتي                       قبراً وأوغل في حشاي بعيدا

واسكن شِغافَ القلب إنّ شغافه       عطشى فكُن مطراً لها ورعودا

شاعرية العلامة السيّد محمد حسن الأمين كانت حاضرة دوماً في الأمسيات الثقافية والأدبية، ومنذ أن كان في النجف الأشرف. لكنّه رغم ذلك لم ينشر ديواناً كاملاً، ولم يجمع قصائده. وكان يحرص على تقديم نفسه كمفكّر ديني إصلاحي أكثر من كونه شاعراً. وخلال احتفال تأبيني لأحد الشعراء في الجامعة الأميركية في بيروت، وكان الشاعر الكبير سعيد عقل حاضراً، وبعد أن ألقى السيّد الأمين قصيدة له، قال له الشاعر عقل: “اليوم أشعر أنّني مطمئن أنني إذا متُّ فسيكون هناك من يرثني”.

اليوم وبعد ثلاثين عاماً من الحرب، لا يزال السلم أشد قسوة وإيلاماً علينا جميعاً. ولا يزال السيد محمد حسن الأمين، أطال الله بعمره، شاهداً على خانة من رجال الدين الذي يحاولون أن يجعلوا السلم أقلّ قسوةً وأقلّ إيلاماً

للسيّد الأمين العديد من الكتب ومئات الأبحاث والدراسات حول الفكر الديني وقضايا المجتمع، وهو لا يزال حاضراً من خلال إطلالاته الفكرية والإعلامية وحواراته حول مختلف القضايا السياسية والأدبية، وهو أحد العلامات المميّزة في لبنان والعالم العربي.

أوائل التسعينيات، خلال احتفال تأبيني للعلامة السيّد عبد اللطيف فضل الله، ألقى السيّد قصيدة مطوّلة أذكر منها  قسماً من أحد الابيات وجاء فيه: “والسلم أشّد إيلاماً من الحرب”.

اليوم وبعد ثلاثين عاماً من الحرب، لا يزال السلم أشد قسوة وإيلاماً علينا جميعاً. ولا يزال السيد محمد حسن الأمين، أطال الله بعمره، شاهداً على خانة من رجال الدين الذي يحاولون أن يجعلوا السلم أقلّ قسوةً وأقلّ إيلاماً.

في رواية منقولة عن الرئيس الراحل تقي الدين الصلح أنّ بيروتياً من آل العيتاني اختلف مع شقيقه في تجارة ما، فذهب إلى السيّد محمد حسن الأمين في صيدا، وطلب إليه أن يغيّر مذهبه السنيّ إلى المذهب الشيعيّ. فسأله السيّد عن السبب، فروى له عن خلافه التجاري مع شقيقه.

فما كان من السيّد إلا أن نصحه بالهدوء والتروّي وأن يفكّر في هذا الموضوع ملياً ويعود إليه. بالفعل عاد البيروتي بعد أسبوع مصرّاً على رغبته، فما كان من السيّد إلا أن طلب منه تلاوة الشهادتين. ففعل، وتمهّل البيروتيّ منتظراً تلاوة ما يعتقد أنّه تتمة لما قاله لتغيير مذهبه. فهم السيّد مقصده، ونظر إليه وقال له: إذهب يا ابني، لقد أصبحتَ شيعياً.

 

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…