تؤكّد مصادر دبلوماسية عربية لـ”أساس” صحّة ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل يومين، عن اتصالات فتحاوية – حمساوية، للبحث في تطوّرات غزة، ولجسّ النبض حيال مرحلة ما بعد الحرب خصوصاً.
تكشف المصادر نفسها أنّ هذه الاتصالات تتمّ بإشراف مباشر من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي أعطى الضوء الأخضر لإجرائها. وذلك من ضمن البحث في آليّةٍ ما لإعادة تكوين السلطة، وإجراء انتخابات تؤدّي إلى قيام تركيبة فلسطينية جامعة، مؤهّلة للتفاوض المفترض على نتائج الحرب واحتمالات ما بعدها، وصولاً إلى طرح وتحقيق السلام على قاعدة حلّ الدولتين.
تشير المصادر إلى أنّ الخطوة – المفتاح ستكون في اختيار رئيس جديد لحكومة السلطة الفلسطينية الائتلافية العتيدة. وهو ما ترجّح أنّ اسمه بات مختمراً في رأس أبي مازن وحده. وإن لم يكشفه بعد لأيّ شخص آخر، حتى لأقرب مساعديه. وترجّح أن يكون إلى حدّ ما مفاجئاً ومن خارج سلّة الأسماء المتداولة للموقع، من قبل الإعلام المحلّي والخارجي.
تؤكّد مصادر دبلوماسية عربية لـ”أساس” صحّة ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل يومين، عن اتصالات فتحاوية – حمساوية، للبحث في تطوّرات غزة، ولجسّ النبض حيال مرحلة ما بعد الحرب خصوصاً
عباس يريد التعاون مع حماس
تؤكّد المصادر الدبلوماسية أنّ عباس بات مقتنعاً بتعاون مؤسّسي جديد مع حركة حماس. وهو ما يفسّر هجمة بعض القريبين منه عليها: إمّا في محاولة غير ناجحة منهم لإقناعه بالعودة عن نيّته الربط مع الحركة. وإمّا بالتنسيق معه، للضغط أكثر على قيادة حماس، لخفض سقوفها والقبول بأيّ طرح مشترك قد يقدّمه لها أبو مازن.
تضيف هذه المصادر أنّ عباس بات مصمّماً على هذه الطريق على الرغم من أنّه أكثر المنتقدين سابقاً لسلوك الحركة، كما لسلوك الخارج حيالها.
تكشف أنّه كان صريحاً جداً لهذه الناحية، في لقائه مع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في رام الله. إذ حمّل سياسات واشنطن مسؤولية ما وصلت إليه السلطة وفلسطين والمنطقة برمّتها. وقال لضيفه بصراحة وتكراراً: أما قلت لكم؟ كم مرّة حذّرتكم؟
تشرح المصادر أنّ ما قصده أبو مازن من لوم للإدارات الأميركية المتعاقبة، هو تحديداً تساهلها مع خطط المسؤولين الإسرائيليين المجنونة، لدعم حماس، بغرض ضرب السلطة وتقويض اتفاق أوسلو. وهو ما ظلّ قائماً ومتمادياً طوال أكثر من عشر سنوات.
إسرائيل “موّلت” عملية حماس
تكشف أنّ واشنطن كما تل أبيب استساغا مسألة التمويل القطري للحركة، من دون استشراف أغراضه الفعليّة وأهدافه البعيدة الحقيقية. فبمعزل عن النيّة الإنسانية والسليمة لقيادة الدوحة، كان مسؤولو تل أبيب يتوهّمون أنّ موافقتهم على هذا التمويل وإشرافهم عليه سيؤدّيان إلى عقلنة حماس وتدجينها ووضعها على مسار العمل السلمي. كما يؤدّي من جهة ثانية إلى شرخ فلسطيني – فلسطيني يسهّل مؤامرات إسرائيل ضدّ محور الضفة – القطاع. وتنقل المصادر الدبلوماسية عن جهات السلطة الفلسطينية أنّ مسؤولين إسرائيليين كباراً تولّوا مباشرة وشخصيّاً هذه المهمّة. حتى إنّ مدير الموساد السابق، يوسي كوهين، يتولّى شخصياً، حتى تركه موقعه قبل نحو عامين، الإشراف مباشرة على نقل التمويل القطري لحماس، من الدوحة إلى القطاع. وهو ما بلغ 30 مليون دولار شهرياً. وفيما كان الإسرائيليون يمنّون أنفسهم بأنّ هذه الأموال ستنفق على تنمية غزّيّة تخفّف عنهم مسؤولية مساعدة القطاع ورفع حصارهم الجائر له، وبالتالي حرف أنظار المجتمع الدولي عن جريمة تحويلهم هذه المنطقة إلى أكبر سجن بشريّ مفتوح، كانت حماس تستخدم كلّ سنت من تلك الأموال في مجالين اثنين لا غير: التجهيز والتحضير العسكري، ومرتبات للناس في غزة.
تشير المصادر إلى أنّ الخطوة – المفتاح ستكون في اختيار رئيس جديد لحكومة السلطة الفلسطينية الائتلافية العتيدة. وهو ما ترجّح أنّ اسمه بات مختمراً في رأس أبي مازن وحده. وإن لم يكشفه بعد لأيّ شخص آخر، حتى لأقرب مساعديه
تشرح الأوساط نفسها أنّ قيادة الحركة، في ظلّ الفائض الماليّ الذي بلغته، كانت تعمد إلى شراء كمّيات هائلة من الموادّ الغذائية الأساسية، حتى كادت تنفد من سوق القطاع. ثمّ بادرت إلى توزيعها على شكل إعانات لأهل غزة، بما ساعدها أكثر على توسيع قاعدة شرعيّتها بينهم. كلّ ذلك تمهيداً للحظة المعركة.
السنوار في سيناء… عبر الأنفاق؟
أمّا خطّ الإمدادات العسكرية فتنقل المصادر نفسها عن الجهات الفلسطينية أنّ خطّ التسليح والتذخير والدعم الحربي اللوجستي كان متركّزاً بشكل شبه حصري على محور رفح – سيناء. وهو ما يتكتّم عليه كثيرون. إذ تكشف المصادر ترجيح الجهات الفلسطينية أن يكون هناك مئات الأنفاق في تلك المنطقة، بطول أكثر من 15 كلم لكلّ منها، وبعرضٍ يتّسع حتى لشاحنات، حتى إنّها لا تستبعد أن يكون قياديو حماس الكبار، مثل يحيى السنوار ومحمد الضيف وغيرهما، متمركزين حالياً هناك، تحت أرض سيناء، لا تحت أرض غزة، وأنّ هذا الأمر كانت السلطة الفلسطينية تعرفه وتعرف خلفيّاته المكتومة واعتباراته غير القادرة على البوح بها، لاعتبارات مصرية معروفة. لكنّها كانت طوال أعوام تحذّر واشنطن منه، بلا جدوى.
كما تكشف الأوساط الدبلوماسية نفسها أنّه خلال شهر أيلول الماضي، أي قبل هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) بأسابيع قليلة، عُقدت اجتماعات ثلاثية أميركية – سعودية – فلسطينية في المملكة. وجرى خلالها إطلاع ممثّلي السلطة الفلسطينية على الخرق الإيجابي الذي تحقّق على خطّ الوساطة الأميركية بين المملكة وإسرائيل. وتمّ تطمين السلطة بأنّ هذا التقدّم سيحمل ثماراً أكيدة للقضية الفلسطينية، وأنّ أيّ تطبيع بين الرياض وتل أبيب سيتضمّن حتماً تقدّماً في مسار الوصول إلى سلام على أساس حلّ الدولتين، وأنّه يومها كرّرت السلطة تحذير الطرفين ممّا يحصل في القطاع، من دون أن يلقى ذلك آذاناً صاغية.
الآن صارت تلك التطوّرات خلف الجميع. لكنّ العواقب على الأرض ثقيلة قاسية على الجميع أيضاً. إذ تتوقّع المصادر نفسها ألا تنتهي الحرب بحصيلة تقلّ عن 25 ألف ضحية. فضلاً عن التدمير الكامل والممنهج لبنية عمرانية شاملة، يصبح معه مستحيلاً أن يعيش عليها أكثر من مليونَي إنسان.
إقرأ أيضاً: بيروت: لقاء ثلاثة أجهزة مخابرات
لذلك تتوقّع المصادر الدبلوماسية أن يكون فتح معبر رفح، بشكل ما ووفق آليّات معيّنة، لاستقبال قسم من الغزّيين النازحين، أمراً حتمياً في وقت ليس ببعيد، على أن يتركّز البحث على ضبط هذا الفتح وحدوده ومُدده ونتائجه وخواتيمه لا غير.
فيما المسألة الأخرى المستعصية حتى اللحظة تتعلّق بالإطار الأمنيّ لإدارة القطاع بعد الحرب. فوجود جيش الاحتلال الإسرائيلي مستحيل. والقوات الغربية مرفوضة من أصحابها كما من أصحاب الأرض. أمّا القوات العربية فتبدو مسألة شائكة التركيب والمرجعية إلا إذا بادرت مصر، وهو ما تنقل المصادر أنّها تتوقّعه بعد إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أيام.
حتى ذاك الوقت، سيظلّ الفلسطينيون يدفعون ثمن أنّهم أصحاب قضية حقّ في منطقة لا تعترف إلا بحقّ القوّة.
لمتابعة الكاتب على تويتر: JeanAziz1@