لعمري لم أكن من هواة السياسة. جلّ اهتماماتي كانت وما زالت تنحصر في الفنّ والموسيقى القديمة، إلاّ أنّ الأحداث في لبنان تغصبنا على متابعة ومشاهدة الأخبار وتتبّع ما يدور من حولنا وما يدور في المنطقة. على التلفزيون؟ أخبار. في الراديو؟ أخبار. وحتى إذا تصفّحت هاتفك الحذق، تقفز من بين الصفحات الرسائل النصية السريعة المشبعة بالأخبار العاجلة والفلاشات.
بلا طول سيرة، ألاحظ منذ مدة أنّ إيران (مخزوني الاستراتيجي للتنباك الأصفهاني) تشهد استفزازات إسرائيلية وأميركية بالجملة. ضربة تلو الضربة تُوجّه إليها وإلى حلفائها في المنطقة تباعاً. أكان عمليات “تلحيم” وانفجارات في منشآت مدنية وعسكرية، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ثم اغتيال محسن فخري زاده أهم عالِم في برنامجها النووي وفي قلب العاصمة طهران… برغم هذا كله لم تجد إيران مع حلفائها في المنطقة سوى “الصبر” ردّاً.
وبما أنّي لا أفقه في السياسة، وكلّ حدث لا أجيد ترجمته إلاّ من خلال اهتماماتي، أجدني أفسّر هذا الصبر بذاك الذي تتحدّث عنه كوكب الشرق السيدة “أم كلثوم” في أغلب أغانيها. على سبيل المثال لا الحصر، خذ مثلاً أغنيتها “دارت الأيام” التي كنت أستمع إليها صباح اليوم في القهوة، وأرتشف كوبَ شاي سيلاني “أكرك عجم” مع نفس أرجيلة “من عندياتهم” (على رأي الرئيس بري). في واحد من الكوبليهات تقول الست: “وصفولي الصبر لقيته خيال وكلام في الحب يا دوب يا دوب ينقال”.
ألاحظ منذ مدة أنّ إيران (مخزوني الاستراتيجي للتنباك الأصفهاني) تشهد استفزازات إسرائيلية وأميركية بالجملة. ضربة تلو الضربة تُوجّه إليها وإلى حلفائها في المنطقة تباعاً. أكان عمليات “تلحيم” وانفجارات في منشآت مدنية وعسكرية، واغتيال
لم يكن يعرف مأمون الشناوي حينما وضع هذه الكلمات أنّ صبره الذي “وصفوه” للست سيكون فعلاً من “الخيال”. بل أكثر من ذلك، سيتحوّل لدى الممانعة وحلفائها إلى “كلام في الحب” المبطّن المخفي الذي تصعب المجاهرة به، يعني “يادوب يتقال”.
هذا الصبر “يلي عايز صبر لوحده”، تحوّل لدى الممانعة بسحر ساحر، وبعد تهديد ووعيد سابقين بمحو العدو الصهيوني الغاشم بـ 7 دقائق ونصّ (لاحظ الدقة والتفاني بالعمل) إلى “صبر استراتيجيّ”، ليس كالأسلحة الاستراتيجية التي تُرهَب بواسطتها الأعداء، وإنما إلى صبر “خيالي – استراتيجي”، وطولٍ في البال ومزيد من منح الفرص والتريّث، على من نحبّ ونهوى ونتوق إلى لقياه.
لم يكن ينقص الممانعة سوى القول: “ولقيتني معاك بعيش معاك في ربيع ما فيش كده… بين شوق ما ينتهيش وشوق وشوق ثاني ابتدى”.
إقرأ أيضاً: من أبو زهير إلى ماكرون: ما تنسى الصنوبرات…
ربما صبر الممانعة هنا أيضاً، يحاكي كلام عبد الوهاب محمد الذي كتبه للست عن الصبر “يلي إلو حدود”، خصوصاً حينما تقول “ثوما” في مطلع أغنيتها: “ما تصبّرنيش بوعود وكلام معسول وعهود انا يا ما صبرت زمان على نار وعذاب وهوانوا… وهيّ غلطة ومش حتعود ولو إن الشوق موجود” الله يا ستّ، عظمة على عظمة على عظمة بيعملوا هيكل عظمي، سببه طول انتظار تلك الصفقة النووية الجديدة مع الغرب.
عموماً نحنا مالنا ومال الممانعة واسرائيل؟ فلنلتزم بشؤوننا الداخلية أولى وأسلم. وبما أنّ الحكومة تشكيلها قد تأخر ونحنا ما ورانا شي: لا أشغال ولا أعمال، عمّرت راس الأرجيلة و”يطّقت” بالقهوة وناطر لشوف من أقوى؟ صبر الممناعة “الاستراتيجي” أو صمت الغالي ابن الغالي “الاستراتيجي”؟
صحيح “دارت الأيام” بس “إنما للصبر حدود”.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب