استغرق “وَعد” النائب السابق وليد جنبلاط بالتنحّي عن رئاسة الحزب التقدّمي الاشتراكي 12 عاماً قبل أن يأخذ طريقه إلى التنفيذ. هذا الوَعد الذي أطلقه زعيم المختارة في تشرين الأول 2011 خلال الجمعية العمومية للحزب يكتمل عنقوده يوم الأحد المقبل بعد محطّتين مفصليّتين: إلباس جنبلاط نجله تيمور كوفية الزعامة الجنبلاطية في آذار 2017، ثمّ “تسليمه” مقعده النيابي في الانتخابات النيابية عام 2018 ممهّداً لإعلان استقالته من الحزب ودعوته إلى مؤتمر انتخابي عام في 25 الجاري.
بعد 46 عاماً على تولّيه رئاسة الحزب الاشتراكي يمكن التسليم بإزاحة جنبلاط نفسه نيابياً وحزبياً عن الواجهة لكن ليس عن السياسة على عتبة استحقاقات مفصلية تشكّل رئاسة الجمهورية جزءاً صغيراً منها.
يبدو جنبلاط الأب أكثر تمسّكاً بكلّ مكتسبات العائلة الجنبلاطية على مدى عقود، رئاسة حزب وسياسات ونيابة وخدمات وحصرية مرجعيّة البيت الجنبلاطي، مع انغماس كُلّيّ راهناً في الإشراف على الإدارة الانتقالية لتيمور وحياكة العناوين العريضة لبرنامجه السياسي الذي دشّنه لتوّه بترسيم الحدود مع الرئيس نبيه برّي في ملفّ الانتخابات الرئاسية بتبنّي ترشيح جهاد أزعور بوجه سليمان فرنجية، وقد تتكرّر هذه المنازلة مع مرشّح آخر ما دام رئيس “تيار المردة” في الواجهة.
يقول قريبون من وليد جنبلاط: “قد يكون قرار البيك بالخروج التدريجي من المشهد الحزبي والسياسي يعود إلى أكثر من عشرة أعوام، لكنّ الثورة السورية والتحوّلات الهائلة التي عصفت بالمنطقة ثمّ الأزمة الخطيرة في لبنان بدءاً من 2019، كلّ ذلك حتّم تأخير التزام جنبلاط بقراره”.
الفوز المضمون لتيمور، بالتزكية على الأرجح، لتولّي مقاليد رئاسة الحزب بعد تقديم ترشيحه إلى الأمانة العامّة قبل أيام يُعاكس قرار والده مع بدء الثورة السورية بـ “تحرير” الحزب من منطق الوراثة. تيمور وريث لا بدّ منه.
يقول قريبون من وليد جنبلاط: قد يكون قرار البيك بالخروج التدريجي من المشهد الحزبي والسياسي يعود إلى أكثر من عشرة أعوام
ناصر: لا للخطوة الفولكلوريّة
حتى الآن لم يقدّم أيّ حزبي آخر ترشيحه للرئاسة، وبالتأكيد لن نرى منافسين لتيمور بيك. لكن لماذا؟ يقول أمين السرّ العامّ ظافر ناصر لـ “أساس”: “نتصرّف بشفافيّة ومصداقية تجاه القاعدة الحزبية وتجاه الرأي العامّ، فالواقع السياسي اللبناني وتداخل التركيبة الطائفية مع العمل الحزبي والسياسي في لبنان يفرض الخيارات. ليس هناك أسهل من القيام بخطوة ما كأن يترشّح أحد للرئاسة. بالتالي ستكون الخطوة فولكلورية لا معنى لها ولن يصدّقها أحد أساساً. لذلك الواقعية والمصداقية أهمّ وليكن الأداء هو معيار تقويم الناس، كما أنّ النائب جنبلاط يستوفي كامل الشروط الحزبيّة التي تؤهله لتقديم ترشيحه لرئاسة الحزب”.
في العمق يرى حزبيون كثر أنّ هناك أعضاء في الحزب ممكن أن يأخذوا فرصتهم في الترشّح لكن “مش وقتها وليس هناك أيّ منطق بتبنّي هذا الخيار”.
في السياق نفسه، يشير هؤلاء إلى أنّه “على الرغم من وجود جنبلاط طوال الفترة الماضية في مركز القيادة إلا أنّ الحزب شهد خضّات إيجابية، منها دخول وجوه شبابية وُصفت بـ “الدم الجديد والحركة التجديديّة” إلى أعلى سلطة قيادية في الحزب عام 2010″.
من وليد إلى تيمور
يتحدّث ناصر عن الجمعية العمومية بوصفها “محطة استثنائية لأنّها المحطة التي سيترك فيها الرئيس وليد جنبلاط رئاسة الحزب بعدما قدّم استقالته الشهر الماضي، وهي تأتي بعد 46 سنة من رئاسته للحزب وخوضه غمار الاستحقاقات والتحدّيات وتحقيقه الكثير من الإنجازات مع رفاقه في هذه المسيرة التي سيتابعها تيمور جنبلاط بعد تقديمه طلب الترشّح ضمن الأصول”.
ويشير إلى “خطوات تنظيمية سيتمّ الالتزام بها وتنفيذها في هذه المحطة بعد إقرارها في المؤتمر السابق في تشرين 2021 لناحية توسيع قاعدة الجمعية العمومية عبر انضمام المؤسّسات الرافدة كالاتّحاد النسائي والكشّاف التقدّمي ومنظمة الشباب التقدّمي وجبهة التحرّر العمّالي وجمعية الخرّيجين التقدّميّين بحيث أصبح لهم الحقّ في التصويت والترشّح وبات ممكناً إشراكهم في القرار في أعلى هيئة حزبية”.
لكنّ ناصر يؤكّد أنّ “عملية التجدّد لا تعني القطع مع الرعيل المخضرم في الحزب، بل هي عملية ترتكز على نضالات وإنجازات هؤلاء تاريخياً والاستفادة من تجاربهم، والأهمّ أنّ هذا الرعيل محتضن لهذه الخطوات المستقبلية”.
يوم الانتخاب
في الموعد المحدّد للجمعية العمومية للحزب سيتمّ انتخاب رئيس الحزب وأعضاء مجلس القيادة الذي يحقّ لكلّ عضو فيه، وفق النظام الداخلي، الترشّح لرئاسة الحزب. كما سيتمّ انتخاب نائبيّ الرئيس وأمين السرّ العامّ من قبل الجمعية العمومية.
في العمق يرى حزبيون كثر أنّ هناك أعضاء في الحزب ممكن أن يأخذوا فرصتهم في الترشّح لكن “مش وقتها وليس هناك أيّ منطق بتبنّي هذا الخيار”
انتخاب تيمور سيكون أقرب إلى التعيين أو التزكية، فيما سيشهد مجلس القيادة منافسة جدّيّة بين المرشّحين. حتى الآن سُجّل نحو 25 ترشيحاً (لا يتجاوز عدد أعضاء مجلس القيادة مع النواب، كأعضاء حكميين، 17 عضواً)، وسيعلن عن عدد المرشحين بعد يوم الاربعاء، كما يتوقع حصول انسحابات. وفق النظام الحزبي يتمّ انتخاب ثلثَي أعضاء المجلس ويحقّ لرئيس الحزب تعيين الثلث (الكوتا النسائية 30%)، فيما يُعتبر نواب “الاشتراكي” أعضاء حكميّين في المجلس.
جرت العادة أن يتمّ الاتفاق على العدد المحدّد لمجلس القيادة خلال الجمعية بناءً على الأشخاص الذين يختارهم رئيس الحزب من ضمن فريق القيادة. كما تشهد الجمعية العمومية إقرار ورقة سياسات الحزب وتتمّ مناقشة الأمور التنظيمية عبر إدخال بعض التعديلات على النظام الحزبي.
بالتأكيد ستكون المحطة التنظيمية الأهمّ التي سيطلّ من خلالها تيمور على جمهور وقادة الحزب من موقعه رئيساً وقائداً للبيت الجنبلاطي وسياساته التي طبعها والده ببصمات وقرارات وتكويعات رسّمت الحدود مع مفاصل الأزمات الداخلية، وأحياناً ألهبتها.
ارتياح لمسار تيمور
يُبدي حزبيون “ارتياحهم مسبقاً لمسار تيمور الذي تقدَّم قبل سنوات جبهةَ إحداث تغييرات تكسر نمطية الحزب الجامد المعلّب وتوسِّع دائرة المشاركين في القرار، كما يمكن الإضاءة على تجربة “منظمة الشباب” مثلاً التي تعكس الهامش الواسع في حرّية التعبير والحركة وصولاً إلى مجلس القيادة الذي يفرز الكثير من الأفكار والمبادرات على المستوى التقني (ملفّ الكهرباء والأملاك البحرية نموذجاً) والسياسي (مبادرة الحوار والورقة الاقتصادية الاجتماعية)”.
إقرأ أيضاً: جنبلاط يقفز من القطار السعودي السوري
يضيف هؤلاء أن “لا أحد يناقش هالة وليد جنبلاط وحيثيّته ودوره، لكنّ الحزب من خلال مجلس القيادة، كإطار تنظيمي سياسي، فعّال داخلياً غالباً ما يرسم مسارات يتمّ تبنّيها حزبياً. وقد يكون الحزب الاشتراكي منذ عام 2005 الأكثر استقطاباً لجمهور الشباب على الرغم من “التهمة” الجاهزة التي تطال كلّ الأحزاب من دون استثناء بفقدان دورها في إدارة اللعبة السياسية”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@