في فرنسا والفاتيكان بحث البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ملفات غير الرئاسة، وليس فقط مسألة الترشيحات ودور فرنسا الوسيط بين عدد من الدول والقوى.
وصل الراعي إلى الكرسي الرسولي وسط ارتفاع معدّلات القلق الفاتيكانية على كيان لبنان الموحّد، مع إلحاح كبير على ضرورة إجراء الاستحقاقات الدستورية في أقرب وقت، ووجوب التعاون الجدّي بين مختلف مكوّنات الشعب اللبناني.
بالطبع طغى على هذه الزيارة المزدوجة الملفّ الرئاسي، لكنّها احتوت أيضاً قضايا غير رئاسية، ومن أبرزها:
– قضية اللاجئين السوريين.
– علاقة المسيحيين في لبنان مع الدولة اللبنانية.
في فرنسا والفاتيكان بحث البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ملفات غير الرئاسة، وليس فقط مسألة الترشيحات ودور فرنسا الوسيط بين عدد من الدول والقوى
إذ تشغل قضية اللاجئين السوريين بال لبنان، والبطريركية المارونية تشجّع دائماً على ضرورة التعاون والتوصّل إلى حلّ شامل وسريع. وتنطلق في موقفها هذا من إلزامية تحصين التوازن اللبناني، وحماية التنوّع الديمغرافي الوطني، وتشدّد على حلّها من منطلق حماية الهويّة الوطنية للّاجئين السوريين أيضاً.
بات هؤلاء اللاجئون – النازحون يشكّلون خطراً على لبنان غير القادر على تحمّل أعباء هذا الكمّ الكبير من الوجود البشري العشوائي وغير المنظّم. وتتأرجح هذه المسألة المهمّة بين حاجة لبنان إلى إعادة النازحين السوريين والالتزامات الدولية والإنسانية والقانونية والمعايير الطوعية.
لم يوقّع لبنان على اتفاقية اللاجئين العالمية المبرَمة في عام 1951. ولذا يُعتبر دولة غير مقيّدة ومتحرّرة من الاتفاقية ومن بروتوكول 1967 أيضاً. وليس لديه بروتوكول داخلي ومحلّي مطبّق بخصوص وجود اللاجئين على أرضه، ولا يمكن اعتبار السوريين لاجئين بحسب مذكّرة التفاهم الصادرة في 9 أيلول 2003 عن المفوضيّة السامية للأمم المتحدة، وبالتالي ليس لبنان بلد لجوء. إلا أنّه ملتزم بشدّة الحفاظ على حقوقهم وكرامتهم الإنسانية، ومعايير الحماية في الأمن والأمان. ويشدّد لبنان على معالجة هذا الملفّ بشكل متوازن وفقاً للقوانين الدولية واللبنانية.
في ما يتّصل بعلاقة المسيحيين في لبنان مع الدولة اللبنانية، يشجّع الفاتيكان دائماً على الوجود الفاعل والانخراط المسيحيَّين في كلّ مؤسّسات الدولة اللبنانية وإداراتها. فهي الطريقة الوحيدة التي تساعدهم في الحفاظ على وجودهم وتنوّعهم وتفرّدهم في الشرق. ويحفّز الفاتيكان والدولة الفرنسية على فكرة التوازنات الدقيقة في لبنان والتعاون المرن بحسب الدستور، من أجل قطع الطريق على كلّ الأفكار المشوّهة التقسيمية والمشاريع المشبوهة التي تُحاك في الأفق. وهذا لن يتحقّق إلا من خلال التسريع في انتخاب رئيس للجمهورية يحافظ على المؤسّسات الوطنية ووحدة التراب اللبناني.
تداول ذو نفحة رئاسيّة
جرى تداول هذه القضايا من بوّابة الملف الرئاسي والاستحقاق الجمهوري، وكُرّست الأولوية من أجل الحفاظ على المعادلات الواقعية والنافعة لخدمة الاستقرار، وتثبيت فكرة الدولة والمؤسّسات، والمباشرة الفاعلة في الإصلاحات وحلّ الأزمات.
أعلن الكاردينال الراعي أنّه يستشعر الخطر، خاصة أن لا مشكلة لدى “الثنائي الشيعي” في ممارسة لعبة الوقت وإضاعته. لا يضيع الوقت من رصيد دويلتهم، بل من الدولة اللبنانية، فهم ينمون مع دويلتهم فيما لبنان يتلاشى وجمهوريّته
حمل الكاردينال الراعي الهواجس الوطنية اللبنانية، وناقش المشاكل المسيحية انطلاقاً من الثوابت القانونية وبما يتوافق مع مصلحة الدولة المشتركة ووحدة أراضيها. وهو ما يتقاطع مع حاضرة الفاتيكان والدولة الفرنسية. إذ تعتبر الأولى أنّ لبنان رسالة أعمق من الدولة ووطن فريد ومتنوّع، وأمّا الثانية فتُعدّه صنيعتها وبوّابتها إلى الشرق الأوسط وهدفها هو الحفاظ عليه موحّداً كما أعلنته عند تأسيسه في عام 1920. وبالنسبة للبطريركية المارونية وبطاركتها يشكّل لبنان أمانة، وتسعى دائماً إلى الحفاظ عليه، وعلى بقائه واستمراريّته وصلاحيّته للمستقبل ولو بالحدّ الأدنى، ولا مشكلة في تطوير نظامه وأساليب حوكمته إدارياً.
يحتوي اللقاء مع رئيس حكومة الفاتيكان وأمين سرّ الحاضرة احتمالات عديدة. وتُعدّ أمانة سرّ الفاتيكان إحدى أهمّ دوائر الإدارة المركزيّة للكرسي الرسولي، وتُعرف بـ”الكوريا الرومانيّة”. ويُعتبر أمين السرّ أحد أبرز موظّفي الفاتيكان في الحقلين الدبلوماسي والسياسي، وتُعطى الأولوية للشؤون السياسية ولو أنّها تناقَش بشكل دائم بنفحة رعوية.
في حواراته، أعلن الكاردينال الراعي أنّه يستشعر الخطر، خاصة أن لا مشكلة لدى “الثنائي الشيعي” في ممارسة لعبة الوقت وإضاعته. لا يضيع الوقت من رصيد دويلتهم، بل من الدولة اللبنانية، فهم ينمون مع دويلتهم فيما لبنان يتلاشى وجمهوريّته. هم قابعون في مدارهم الخاص، حيث الاقتصاد الموازي، والضمان الصحّي الخاص، والنظام السياسي المختلف. يتبنّون أولويّات مغايرة مع مناوراتهم الخارجة على المألوف والبعيدة في الأيديولوجية والقريبة محليّاً في التكتيك الاستراتيجي. لديهم “ماكينة” فحص خاصّة يفرّقون بها بين الجدّي وغير الجدّي. يعتبرون كلّ من هو خارج سربهم شخصاً غير جدّي، وهو ما صرّحوا به مباشرة بعد تقاطع المعارضة على شخصية موحّدة للاستحقاق الجمهوري.
معارضة بكركي تحرج فرنسا
تسلّح البطريرك الراعي بمعارضة موقف الرئاسة الفرنسية المناقض للأكثرية المسيحية والوطنية والمتعارض مع التاريخ السياسي للدولة الفرنسية. تمسّك بالدستور والقوانين والقواعد الديمقراطية للّعبة الانتخابية، ولا سيّما مع إعلان توافق المعارضة ومعظم المسيحيين على مرشّح موحّد لرئاسة الجمهورية.
إقرأ أيضاً: المبادرة البطريركيّة: رئيس بغالبيّة مطلقة؟
هكذا لم يعد باستطاعة فرنسا والرئيس الفرنسي التذرّع بحجّة عدم وجود مرشّح جدّي لدى المعارضة والأطراف المختلفة. وهنا تكمن دعوة البطريرك إلى تكثيف الجهود الفرنسية المبذولة مع الأصدقاء الدوليين من أجل الاستمرار في تكاملهم وتعاونهم في سبيل مصلحة لبنان الديمقراطي، والعمل على الحدّ من كلّ صفات التعنّت والفرض والرأي الواحد، والوصول إلى نتيجة حميدة للاستحقاق بالتوافق والحوار.
لم تأتِ زيارة غبطة البطريرك لفرنسا والفاتيكان لقطع الطريق على سليمان فرنجية، لكنّه مع الإجماع والتوافق المسيحيَّين والوطنيَّين. وقد هدفت مبادرته أوّلاً من خلال التحفيز على إنهاء مرحلة الشغور إلى حماية الجمهورية، وأتت أيضاً من أجل وضع حدّ لتعنّت الثنائي الشيعي ومخالفته الدستور والقوانين.