في اجتماع تكتّل لبنان القوي الثلاثاء الذي شهد، بطلب من النائب جبران باسيل، “تدخّلاً سريعاً” من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وضع الأخير حدّاً للسجال الرئاسي داخل التيار بقوله: “إنّ من يريد الترشح للرئاسة عليه أن يترشح بداية من داخل التيار الوطني الحر”.
وأضاف الرئيس عون: “إنّ قرارنا في حال انعقاد جلسة نيابية هو انتخاب جهاد أزعور”. لم يُفاجأ نواب كثر من “التيار” بما قاله ميشال عون الذي استنجد به باسيل لتعويم خياراته الرئاسية غير المفهومة حتى الآن بالنسبة لأكثرية نواب التكتل.
لسان حال هؤلاء يقول: “بتنا نتوقّع كلّ شيء. الدليل الأكبر على ذلك هو الانقلاب على تاريخنا من خلال طرح باسيل ترشيح جهاد أزعور ومحاولته إقناعنا به من ضمن باقة خيارات رئاسية يتحدّث عنها.
جبران أو لا أحد
يعرف كُثر داخل “التيار” مصير محاولات الترشُّح بوجه جبران باسيل وإدخال بنود تزكّي مناخ الديمقراطية على حساب الاستئثار بالسلطة، بدءاً من الاستحصال على العلم والخبر عام 2006، ثمّ الاتّفاق عام 2007 على أوّل نظام داخلي شاركت في وضعه مجموعة الـ 120 من نواة التيار وتعرُّضه لـ “كمين” قبل وصوله إلى وزارة الداخلية، ثمّ تجدّد النقاش في النظام الداخلي بين 2013 و2014 والتلاعب بالصيغة المُقَرّة وإقرار نظام مخالف لتوجّهات الأكثرية الرافضة لمنح الرئيس صلاحيات مطلقة في حزيران 2015.
تؤكّد مصادر بكركي أنّ “طرح كنعان ضمن اللائحة الرئاسية استند إلى مؤهّلات يتمتّع بها نائب المتن في المجال الماليّ والسياسي والنيابي والملفّات التي عمل عليها، ومنها المصالحة مع “القوات”
مسارٌ طويلٌ شَهد سقوط محاولات لانتخاب رئيس غير جبران باسيل، وأبرزها واقعة محاصرة باسيل، مدعوماً من ميشال عون، ترشيح النائب آلان عون لرئاسة التيار.
حصل ذلك فوق أنقاض مشاريع تمرّد على الأمر الواقع من أجل جعل “التيار” نسخة حزبية متحرّرة من سيطرة “حُكم باسيل”. وعلى الرغم من تقديم التيار الوطني الحر نفسَه تيّاراً إصلاحياً رياديّاً تغييريّاً، فشل في تقديم نموذج مغاير للأحزاب التقليدية، إذ بقيت الإمرة محصورة بالرأس. ومشكلة التيار لم تكن في استنساخه لروحية “حزب الشخص” بل في ادّعائه العكس.
ترشيح كنعان
لكن بعدما شكّل دعم ميشال عون المطلق لباسيل في “معاركه” من أجل فرض نظام وممارسات حزبية تجعله محور كلّ شيء تقريباً، مانعاً التفكير في ترشيحات لرئاسة التيار بوجه جبران، يصطدم الأخير مع “المعلّم” (كما يصف قدامى التيار ميشال عون) في النقاش المتقدّم في شأن طرح البطريرك بشارة الراعي ترشيح النائب إبراهيم كنعان من ضمن لائحة بكركي الخماسية التي طرحها في فرنسا.
تؤكّد مصادر بكركي أنّ “طرح كنعان ضمن اللائحة الرئاسية استند إلى مؤهّلات يتمتّع بها نائب المتن في المجال الماليّ والسياسي والنيابي والملفّات التي عمل عليها، ومنها المصالحة مع “القوات”.
أوعى الكرامات
إنّها “وَجعة رأس حقيقية” لباسيل تتجاوز أزمة ترويج رئيس التيار لأزعور، فاستدعت كلاماً واقِفاً من عون في اجتماع الثلاثاء حاول من خلاله قطع الطريق على ترشيح نائب من داخل التكتّل لا يعترف باسيل وعون بأحقيّة إعلان اسمه من دون موافقة التيّار.
تفيد معلومات “أساس” أنّ جزءاً من مداخلة كنعان المطوّلة خلال الاجتماع تناولت هذا الجانب، إذ قال فيها: “لو كنت أريد الترشّح لفعلت ذلك مع أنّه ليس هناك شرط في انتخابات رئاسة الجمهورية لإعلان الترشُّح أصلاً. الترشيح جاء من بكركي وأيّده زملاء بالتكتّل والتيار ولم أسعَ إليه. وحين حصل ذلك وضعت الترشيح برسم التكتّل الذي يقدّر ظروفه ونتائجه مع تأكيدي “أنّي مش طالب شي”. لكن قلت يومها “أوعى الكرامات”. أنا من مؤسّسي “التيار” والتكتّل وأمين سرّه منذ رئاسة ميشال عون له. إذا عم تأخذوا بالاعتبار خصوصيّات أيّ حليف أو خصم وتحسبوا له حساباً، فالأحرى أن تحافظوا على كرامة “مين إلكم”، ولا أطلب أكثر من ذلك”.
تقول مصادر نيابية في تكتّل لبنان القوي لـ “أساس”: “نحن فعلاً لم نعد نفهم ماذا يريد جبران باسيل
فاوضت سمير جعجع لأجلك “جنرال“
بعدما كرّر عون خلال الاجتماع عبارته “متل ما أنا ضمانتكم كونوا ضمانة لبعضكم البعض”، أيّده كنعان وذكّره بالواقعة التي حصلت حين سلّم رئاسة التيار إلى باسيل عام 2015 قائلاً: “حين دَخلتُ على خطّ الوساطة والصُلحة بين جبران وآلان عون ومشينا يومها بباسيل لرئاسة التيار، كنت جنرال تحضّر كلمتك في هذه المناسبة واقترحت عليك يومها هذه الجملة تحديداً كي تضيفها إلى خطابك. وبالتالي كل مسيرتي السياسية كنت وما أزال حريصاً على وحدة التيار والمسيحيين”، مضيفاً: “وحين فاوضت سمير جعجع لم أكن أفاوضه من أجل جهاد أزعور بل من أجل ميشال عون”.
الفيتو شغّال
في اجتماع يوم الثلاثاء لم يخرج أعضاء التكتّل بموقف واضح من مسألة الترشيح، وتمّ ربطه بعدّة شروط للتوافق مع المعارضة على مرشّح لرئاسة الجمهورية، وإلا فالتنافس الديمقراطي في مجلس النواب، في الوقت الذي كان فيه سمير جعجع “يزرك” باسيل أكثر في الزاوية مبشّراً باتفاق وشيك.
كانت صيغة البيان المُبهَمة كافية للنواب المعارضين لترشيح أزعور للتثبّت بأنّ الفيتو الذي يرفعونه ما يزال شغّالاً بعدما كان منتظراً أن يصدر موقف عن باسيل أكثر وضوحاً.
ماكينة باسيل والمعارضون
الأمر الأهمّ أنّ نواب التيار إبراهيم كنعان، آلان عون، سيمون أبي رميا، أسعد درغام، والياس بو صعب باتوا يواجِهون بشكل علني “هجمات ارتدادية” من الماكينة المؤيّدة لباسيل إلى درجة إعلان انزعاجهم من إطلاق هذا الفريق تسمية “مجموعة الخمسة” عليهم للإيحاء بأنّ الاعتراض ينحصر بهؤلاء النواب فقط.
إقرأ أيضاً: باسيل “يلعب” ورقته الأخيرة
لا نفهم على باسيل
تقول مصادر نيابية في تكتّل لبنان القوي لـ “أساس”: “نحن فعلاً لم نعد نفهم ماذا يريد جبران باسيل. المفترض أنّه يُحاذِر السير بجهاد أزعور كي لا يستفزّ حزب الله، وها هو يقوم بمناورات داخل التكتّل لتبنّي ترشيحه، ثمّ نراه يطرح ضرورة ترشيح أكثر من اسم للرئاسة. وفيما يُفترض أن يكون البرنامج هو الأساس لديه نراه يطرح أزعور وزياد بارود قبل التوافق على البرنامج معهما”.
يقول نائب في التيار لـ “أساس”: “رايحين على انتحار وانقلاب على كلّ تاريخنا إذا سرنا بترشيح جهاد أزعور، لكن “حتى الآن” نستطيع أن نقول إنّنا أحبطنا هذا الترشيح”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@