غزّة تكشف ضعف نتانياهو.. وبن غفير “يُهينُهُ”

مدة القراءة 6 د

خلال وجود الحكومة الحالية في المعارضة كثيراً ما هاجمت حكومة بينيت – لابيد، واتّهمتها بالضعف تجاه “حماس”، ووعدت بأن يكون الأمر مختلفاً في عهدها. لكن بعد مرور 4 أشهر من حكمها وقعت جولة أولى من إطلاق الصواريخ من غزة ولبنان وسوريا، وثانية من غزّة، وبقيت الأمور على حالها بدون أيّ تغيير، بل على العكس نجحت “حماس” في غضون أربعة أشهر في أن تكشف حكومة “اليمين الكامل” بكامل ضعفها، وحقيقة أنّ إسرائيل الممزّقة مردوعة من مواجهة واسعة.

تعرّضت حكومة نتانياهو هذا الأسبوع لضربات قوية في العلمين اللذين رفعتهما قبل الانتخابات: العلم الأمني مع الحدث في غزّة، وعلم غلاء المعيشة مع غلاء الحليب.

تُعتبر أسعار منتجات الألبان في إسرائيل قضية حسّاسة. وقد أثارت ردود فعل غالباً ما تصاعدت على شكل تظاهرات حاشدة ضدّ غلاء المعيشة. ففي عام 2011، أدّى ما يسمّى احتجاج “جبنة كوتج” إلى خفض أسعار منتجات الألبان في المحلات واتّباع سياسات إصلاحية هدفت إلى خفض الأسعار للمستهلك.

حسب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، فإنّ حركة “حماس” تلعب لعبة مزدوجة ومعقّدة عبر السماح للجهاد الإسلامي بـ”التنفيس عن الإحباط” الذي تشعر به الحركتان من خلال إطلاق الصواريخ

بات نتانياهو في مشكلة حقيقية في الموضوع الأمني، فهو يعرف أنّ كلّ عملية عسكرية له ستصطدم باشتباه أنّه يحاول صرف الانتباه عن الموضوع القضائي. وفي هذا الإطار كانت صحيحةً تقديراتُ يحيى السنوار قائد حركة حماس بغزّة، ومحمد الضيف قائد الجناح العسكري للحركة، أنّ الردّ الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ من غزّة سيكون محدوداً ومختصراً، وهذا ما حدث فعلاً حين شاركت حركة حماس مع حركة الجهاد الإسلامي في إطلاق صواريخ على غلاف غزّة عقب استشهاد القيادي عدنان خضر، وذلك لكسب نقاط لصالحها فلسطينياً وعربياً كمنظمة ما تزال ترفع راية المقاومة.

معركة بل أهداف سياسية

امتنعت حركة حماس عن مواجهة واسعة مع تل أبيب بعدما تعلّمت الدرس جيّداً من عملية “سيف القدس”. فقد أدرك محمد ضيف أنّ إسرائيل نجحت في حرمانه من الأنفاق الاستراتيجية، من دون أن تنجرّ إلى معركة برّية في القطاع. فالعائق “التحت – أرضيّ” الذي أقامته إسرائيل حول قطاع غزة، نجح حتى الآن في تحييد قدرات “حماس” على التسلّل إلى إسرائيل عبر أنفاق، والقيام بعمليات في العمق الإسرائيلي، وأسر جنود للمقايضة عليهم. والقوة البحرية لـ”حماس” جرى المسّ بها بقوّة في عملية سيف القدس، والصواريخ التي تطلقها المقاومة لا تصل بمعظمها إلى العمق الإسرائيلي بفعل القبّة الحديدية، وهو ما اضطرّ كتائب القسام إلى أن تطلق مئات الصواريخ دفعة واحدة خلال معركة سيف القدس لتضليل القبّة الحديدية. والدرس الأهمّ الذي تعلّمته القيادة العسكرية لـ”حماس” أنّ إسرائيل تستغلّ كلّ جولة قتال لتفكيك البنية العسكرية التحتية والفوقية لحركة حماس، فتضطرّ هذه الأخيرة إلى ترميم بنيتها والبدء من جديد بعد كلّ جولة قتال.

ولمّا كانت الحرب هي تكثيف للسياسة، فقد توصّلت حركة حماس إلى أنّها لم تحقّق أهدافاً سياسة تُذكر من أيّ حملة عسكرية، وأنّ تكلفة الحرب تتفوّق على مزايا العرض الإعلامي المشوّق الذي تكون غزّة في مركزه أثناء أيّ عدوان إسرائيلي عليها. لكن سرعان ما تنسحب وسائل الإعلام والفضائيات بعد العدوان، تاركة غزّة لقدرها مع كمّ هائل من الركام وتحت وطأة الانقسام الفلسطيني.

تعرّضت حكومة نتانياهو هذا الأسبوع لضربات قوية في العلمين اللذين رفعتهما قبل الانتخابات: العلم الأمني مع الحدث في غزّة، ووعلم غلاء المعيشة مع غلاء الحليب

حسب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، فإنّ حركة “حماس” تلعب لعبة مزدوجة ومعقّدة عبر السماح للجهاد الإسلامي بـ”التنفيس عن الإحباط” الذي تشعر به الحركتان من خلال إطلاق الصواريخ.

في المقابل، لم تفرض حكومة نتانياهو أيّ قيود على دخول العمّال من غزة. وهؤلاء يجلبون 140 مليون شيكل للقطاع كلّ شهر. وتعتبر هذه القضية عنصراً مهمّاً في محاولة تحقيق الاستقرار النسبي بغزة. وعلى الرغم من الخطاب الناري للحكومة اليمينية، تحاول عدم إزعاج “حماس” المستفيد الرئيسي من الترتيبات الاقتصادية الحالية.

بن غفير “يهين” نتانياهو

هذا ما دفع بن غفير بعد التصعيد من غزة إلى إطلاق تصريحات مهينة لنتانياهو الذي لم يكلّف نفسه عناء دعوته إلى المشاورات الأمنية التي جرت أثناء التصعيد. بل وقاطع جلسة الكنيست وتوجّه مع أعضاء حزبه إلى سديروت لدعم الإسرائيليين هناك، والصراخ أمام الكاميرات. وهو ما دفع نتانياهو إلى الخروج عن طوره، عندما قال لبن غفير: “قدّم استقالتك إذا كانت لديك الشجاعة”، وردّ عليه بن غفير: “قم بإقالتي إذا كانت لديك الشجاعة”.

إلا أنّ هذا العرض الإعلامي وما حصل في اليومين الأخيرين كانا رصاصات فارغة من الاتجاهين، بن غفير ونتانياهو، خدمت الطرفين أكثر ممّا أضرّت بهما، وأشارا إلى أنّ من المبكر أن يلجأ بن غفير إلى الانسحاب من الحكومة، وأنّ نتانياهو ما يزال بحاجة إليه، وأنّ المواجهة العلنية بينهما خدمتهما إلى حدّ ما.

إقرأ أيضاً: الإقليم يتشكّل ضدّ مصلحة إسرائيل

بحسب الكاتب الإسرائيلي يوسي فيرتر، اعتقدَ نتانياهو أنّ عباءة الوزير وشَغْل كرسي حول طاولة الكابينت سيجعلان لدى هذا الكهاني الشابّ بن غفير ذرّة من المسؤولية والنضج. وقد وافق على أن يمنحه لقباً مضخّماً فقط كي يُسكته، لكنّه اكتشف لدهشته أنّ هذا الشاب على قناعة بأنّه بحقّ وزير الأمن الوطني! وعندما يتمّ عقد جلسة لبحث سبل الردّ على إطلاق الصواريخ مع رؤساء أجهزة الأمن يطلب المشاركة فيها!

تتعاطى إسرائيل مع غزة كمشكلة تكتيكية منذ سنين، وكان ممكناً إدارة التوتّر مع غزة بشكل منفصل عن ساحات أخرى. لكن في الأشهر الأربعة الأخيرة بدأت كلّ الساحات التي تواجه إسرائيل “تترابط” وفق نظرية “وحدة الساحات” التي أطلقها الأمين العام للحزب من لبنان، وأصبحت غزة عرَضاً من أعراض مشكلة أوسع بكثير، خصوصاً مع الضعف الداخلي الإسرائيلي. ولذلك بدأت إسرائيل تخشى أن تفجّر معركة مع القطاع ومعركة أخرى في الشمال مع لبنان، إضافة إلى الجولان.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…