“الإمام علي” يستقبل رئيسي بعاصمة الأمويين..

مدة القراءة 6 د

وصلَ الرّئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دِمشق بمشهدٍ يُشبه زيارته لأيّ مُقاطعة إيرانيّة. لم يختلف المشهد في عاصمة الأمويين عن أيّ زيارة قد يقومُ بها الرّئيس الإيرانيّ لمُقاطعة سيستان – بلوشستان أو مدينة أصفهان أو مشهد.
حشودٌ بالعشرات غالبيّتها من الإيرانيين واللبنانيين تقف على جانبَيْ طريق المطار وصولاً إلى مرقدِ السّيدة زينب، حامِلةً أعلام إيران وسوريا. من استطاع نطق العربيّة منهم كانَ يصيح: “أهلاً وسهلاً باللي جاي”. ومن عَجِزَ عن نطقها كانَ يحيطُ بسيّارة الرّئيس الإيرانيّ وهو يهتف: “يا عليّ” أو بهتافات الموتِ لإسرائيل وأميركا.
حانَ وقتُ القِطاف. بهذه العبارة يُمكِنُ اختصار زيارة رئيسي لسوريا بعد مُشاركة بلاده بشكلٍ مباشرٍ في رحى الحرب الطّاحنة منذ 2011. الزّيارة كُلّها كانَت لإعلان ثبات العلاقة بين طهران ودِمشق على الرّغم من كلّ المُتغيّرات الإقليميّة والدّوليّة، ومنها السّعي إلى استعادة ما يُعتَقد بحظٍّ من حظوظ عودته: سوريا إلى الجامعة العربيّة.

جاءَ رئيسي إلى عاصِمَة بني أميّة ليُرسِّخَ مبدأيْن:
الأوّل سياسيّ يفيد أنّ التحالفَ بين إيران والنّظام السّوريّ ثابتٌ، على الرّغم من التغيّرات السّياسيّة التي يشهدها العالم بفعل الحرب الرّوسيّة – الأوكرانيّة، والمُتغيّرات الإقليميّة في مرحلة ما بعد الاتفاق السّعوديّ – الإيرانيّ.
أمّا الثّاني فاقتصاديّ يتّصل بـ”حجز” حصّة إيران في إعادة الإعمار.

رسائل رئيسي لم تقف عند حدود الدّول العربيّة. كانَ يُطلِق سهام رسائله نحوَ الحدود الجنوبيّة لسوريا، ونحوَ منطقة الجنوب الشّرقي ومنطقة شرق الفرات حيثُ القوّات الأميركيّة

ثباتٌ في السّياسة
رسالة طريق المطار هي عينُ ما أرادَ رئيسي قوله وإظهاره من سوريا: العلاقة ثابتة ومُتجذّرة إلى أبعدِ الحدود.
نبدأ في السّياسة. بدا واضحاً “الغزَلُ” المُتبادَل بين الرّئيسَيْن السّوريّ بشّار الأسد والإيرانيّ إبراهيم رئيسي من خلال تعريج الطّرفين على العلاقة الثّنائيّة بين طهران ودِمشق بدءاً من انتصار الثّورة في إيران.
أكّدَ الجانبَان أنّ علاقتهما مبنيّة على ما سمّياه “الوفاء الثّابت”. وقد استشهَدَ الأسد بموقفِ سوريا المؤيّد لإيران في حربها مع العراق سنة 1980، على الرّغمِ من “التهديدات والمُغريات في ذلكَ الوقت”.
نبشُ الأسد للماضي أرادَ منه تثبيت الواقع الحاضر، والمُستقبل أيضاً. فقد أعلن الرّئيس السّوريّ أمام ضيفه الإيرانيّ أنّه ثابتٌ في علاقته مع طهران بمعزَلٍ عن تطبيع العلاقات مع الدّول العربيّة.
ردَّ رئيسي التّحيّة للأسد بجملةٍ أكثر صراحةً، لا تلميحَ فيها ولا استشهاد بالماضي: “العلاقات بين البلدَيْن لم ولن تتأثّر بالتغييرات والتطوّرات في المنطقة والعالم”.

حصدُ أموال الإعمار
لم تبقَ الأقوال أقوالاً وحسب، بل تعدّتها إلى ترسيخ عمليّ للعلاقة الثّنائيّة، إذ وقّع الرّئيسان “مُذكّرة تفاهمٍ لخطّة التعاون الشّامل الاستراتيجي الطويل الأمد بين البلدَيْن”. وهي خطّة سياسيّة اقتصاديّة تربط طهران ودمشق باتفاقيّات في مجالات عديدة على مدى 20 سنة مُقبلة.
تشمل مذكّرة التفاهم اتفاقيّات في الزّراعة والنّفط والنّقل والمناطق الحُرّة ومجالات أخرى. أبرزَ هذه الاتفاقيّات كان حلّ مسألة خطّ الائتمان بين سوريا وإيران.
أمّا في الاقتصاد فكانت زيارة رئيسي تُنهي مُشكلة خطّ الائتمان النّفطي، الذي كانت إيران تُزوّد سوريا بالمشتقّات النّفطيّة على أساسه. لكنّ أهمّ ما في زيارة رئيسي على الصّعيد الاقتصادي تجلّى في نقطتَيْن:
الأولى: تأسيس بنك مشترك، والتعامل بالعملة الوطنية لكلّ طرف في التعاملات التجارية.
الثّانية: حجَزَت إيران حصّتها في إعادة إعمار سوريا. تُريدُ طهران أن تحصِدَ ما زرعته عند تدخّلها لحماية النّظام منذ اندلاع الأزمة في ربيع 2011. وليسَ خفيّاً أنّ أهمّ ما تجنيه طهران هو جنيُ ثمار إعادة الإعمار.
كانَ رئيسي يُركّزُ في كلامه العلنيّ وفي الاجتماعات على دورِ بلاده في إعادة الإعمار. تخشى إيران ما تخشاه في هذا الإطار. سارعَت باكراً إلى حجزِ حصّتها. فهي وإن رحّبَت بتقارب دمشق مع الدّول العربيّة وتركيا، لكنّها لا تُريد أن يكونَ هذا التّقارب أو الانفتاح على حساب حصّتها الاقتصاديّة، إلى جانب نفوذها السّياسيّ والعسكريّ.
تقلقُ طهران من دورٍ مُحتملٍ في المستقبل لدولة الإمارات وتركيا في إعادة الإعمار. فالأولى تمتلك المُؤهّلات الماليّة والتقنيّة التي تُخوّلها أن تلعبَ دوراً محوريّاً في هذا المجال. أمّا تركيا فتمتلك المؤهّلات التّقنيّة والهندسيّة والموقع الجغرافي المُناسب على حدود سوريا للمشاركة في العمليّة مُستقبلاً.

رسائل إلى أميركا وإسرائيل
رسائل رئيسي لم تقف عند حدود الدّول العربيّة. كانَ يُطلِق سهام رسائله نحوَ الحدود الجنوبيّة لسوريا، ونحوَ منطقة الجنوب الشّرقي ومنطقة شرق الفرات حيثُ القوّات الأميركيّة.
قبل أسبوعَيْن، حطّ وزير الخارجيّة الإسرائيليّ إيلي كوهين رحاله عند حدود إيران، وتحديداً في جارتَيْها أذربيجان وتُركمانستان. كانت الرّسالة الإسرائيليّة واضحةً وجليّةً لمّا افتتح كوهين سفارةً لبلاده في العاصمة التُركمانيّة عشق آباد على بُعد 17 كلم من الحدود مع إيران.
جاءَ رئيسي برسالةٍ مُماثلةٍ ليُعلن سيطرته على أراضي سوريا التي تُجاور إسرائيل بحدودها الجنوبيّة. وكانَ سبقه في نقل الرّسالة عينها وزير خارجيّته حسين أمير عبد اللهيان الذي زارَ منطقةَ مارون الرّاس، في جنوب لبنان، المُطلّة على مستوطنة “أفيفيم” ومناطق الجليل الأعلى.
لم يُثِر عبد اللهيان زيارته في الإعلام اللبنانيّ، فرسالته الواضحة المعاني تأتي ردّاً على زيارة كوهين لعشق آباد، وليسَت موجّهة إلى الدّاخل اللبنانيّ، فكأنّه كانَ يقول: “تقفون على بُعد 17 كلم من حدودنا، نقف عند النّقطة صفر من حدودكم”.
كانت رسائل رئيسي السّوريّة إلى إسرائيل واضحة، إذ اجتمَع في دمشق، أي على بُعد 75 كلم من الحدود مع الجولان المُحتلّ، مع من سمّاهم قادة “محور المُقاومة”، هذا عدا عن اجتماعه بقادة الفصائل الفلسطينيّة الموجودين في سوريا.
لم تفُت رئيسي الإشارة إلى قوّات الولايات المُتحدة الموجودة في منطقة التّنف وشرق الفُرات، إذ قال بعد توقيع مُذكّرة التفاهم مع نظيره السّوريّ: “من المُستحسَن أن تخرجَ القوّات الأميركيّة من المنطقة”.

إقرأ أيضاً: رئيسي في سوريا: عربيّة الهويّة فارسيّة الهوى

يُشار إلى أنّه قبل زيارة رئيسي بـ48 ساعة، شنّت الطّائرات الإسرائيليّة غاراتٍ على مطار حلب الذي كان سيحطّ رئيسي على أرضه في إطار رحلةٍ داخليّةٍ لافتتاح معمل كهرباء في المُحافظة. لم تكن الرّسالة إسرائيليّة فقط، بل كانت أميركا شريكةً فيها، خصوصاً أنّ الطّائرات الإسرائيليّة شنّت هجومها على حلب من أجواء التّنف التي تُسيطر عليها الولايات المُتحدة.
من يعرِف إيران ودورها في سوريا، فقد يتوقّع أن تردّ طهران بعد مُغادرة رئيسي الأراضي السّوريّة في المنطقة نفسِها التي انطلقَت منها الغارات، أي التّنف.
هي زيارة تثبيتِ العلاقة وتبديد مخاوف إيران. أرادَت طهران حَصادَ ما استثمرَت به سياسيّاً وماليّاً وبشريّاً، وأن تضمنَ نفوذها في سوريا على مدى 20 سنةً، وربّما أكثر.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

سفراء الخماسيّة “أسرى” جلسة الرّئاسة!

لا صوت يعلو فوق صوت “مطحنة” الأسماء المرشّحة لرئاسة الجمهورية. صحيح أنّ الرئيس نبيه برّي يتمسّك بتاريخ 9 كانون الثاني بوصفه المعبر الإلزامي نحو قصر…

سليمان فرنجيّة: شريك في رئاسة “قويّة”

من يعرفه من أهل السياسة أو من أهل الوسط يصفونه بفروسيّته ربطاً بأنّه يثبت على مبدئه مهما طال الزمن ومهما تقلّبت الظروف. سليمان فرنجية الحفيد…

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…