رئيسي في سوريا: عربيّة الهويّة فارسيّة الهوى

مدة القراءة 8 د

يصلُ اليوم إلى العاصمة السّوريّة دِمشق الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي. زيارة ليسَت كغيرها. تأتي في لحظة إقليميّة مُختلفة، عنوانها الاتفاق السّعوديّ – الإيرانيّ، و”دبلوماسيّة الزّلزال” التي أفضَت إلى انفتاحٍ عربيّ على سوريا بالتّوازي مع مُفاوضات سوريّة – تركيّة قد تظهَر مفاعيلها خلال الأشهر القليلة المُقبلة.
يحملُ رئيسي في جعبته، خلال زيارته التي تستمرّ يوميْن، كلاماً كثيراً، واتفاقيّات أكثر. سيبدأ كلامه بما يُسمّيه “الانتصار”، ويوقّع اتفاقيّات أمنيّة وعسكريّة وسياسيّة واقتصاديّة تحمل في طيّاتها رسالةً واحدة فقط: “الأمر لنا”.
تحطّ طائرة الرّئيس الإيرانيّ على مدرج مطار دمشق الدّولي لتطأ قدماه أرضَ سوريا كأوّل رئيسٍ إيرانيّ يزور عاصمة الأمويين منذ 13 سنة عندما زارها الرّئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في 2010، التي التقى خلالها نظيره السّوريّ بشّار الأسد والأمين العامّ للحزب السّيد حسن نصرالله.
منذ ذلك الحين تبدّل الكثير. لم تعُد سوريا هي سوريا التي عرَفها نجاد. غابَت وجوه وبرَزَت أخرى. صارَت أرضُ سوريا ساحةً مفتوحةً تتقاتل عليها جيوش العالم بالمُباشَر أو بالوكالة. سماؤها مفتوحةٌ للطائرات الإسرائيليّة التي استبَقَت زيارة رئيسي بقصف مطار حلب وإخراجه من الخدمة.
غابَ عن المشهَد عرّاب التّدخّل العسكريّ في سوريا والإقليم، قاسم سُليماني. حتّى صورته التي كانت مرفوعة قُربَ السّفارة الإيرانيّة على “أوتوستراد المزّة”، أُزيلت قبل ساعاتٍ من وصول رئيسي. رافَقَ إزالةَ الصّورة رفعُ الحواجز التي كانت تحمي مبنى السّفارة طوال سنوات الحرب السّوريّة، وكأنّ إيران تقول إنّ زيارة رئيسي هي نهاية الحرب.

تشير المعلومات إلى أنّ وزير خارجيّة سوريا أكّد أنّ بلاده جاهزة لاستقبال اللاجئين من الأردن إلى محافظة درعا على دفعات، وضمان أمنهم، بشرط أن يُسلّم من بقي من مُسلّحي المُعارضة في درعا أسلحتهم إلى الجيش السّوريّ

ماذا في زيارة الرّئيس الإيرانيّ لسوريا؟
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي يُرافقه في زيارة دمشق فريق موسّع كان قد أعدّه ويضمّ معاونين سياسيّين ووزراء من مجالات مُختلفة وبرلمانيّين وضُبّاط استخبارات.
سيوقّع رئيسي والوفد المُرافق اتفاقيّات كثيرة مع سوريا. تبدأ بالمُشتقّات النّفطيّة والكهرباء، ولا تنتهي مع الاتفاقيّات الدّفاعيّة والأمنيّة.
كانَ اتّفاق تزويد سوريا بالمُشتقّات النّفطيّة واحداً من الأسباب التي أفضَت إلى تأجيل زيارة رئيسي لدمشق قبل 3 أشهر، وذلك لأنّ طهران تُريد من دمشق أن تشتري النّفط الإيرانيّ بسعر يُقارب السّعر العالميّ، وقد حصلت على مُرادها، وهذا ما سيؤدّي إلى حلّ مُشكلة خطّ الائتمان الذي سيُعلنه الرّئيس الإيرانيّ.
يكمن سرّ إصرار إيران على بيع النّفط لسوريا وتزويدها بالكهرباء بين أسطر قانون “قيصر” والعقوبات الأميركيّة المفروضة على طهران. يُريدُ رئيسي أن يتحدّى العقوبات الأميركيّة على إيران وسوريا من أراضي الأخيرة، ويُريد اتفاقيّات واسعة ليقول من سوريا إنّ وجودَ بلاده في عاصمة الأمويين غير محصورٍ بالعمل العسكريّ والأمنيّ، وإنّه غير قابلٍ للنّقاش، وإنّ الوقتَ حانَ لتقبضَ إيران ثمَنَ حمايتها للنّظام السّوريّ.

التطبيع العربيّ والتّركيّ
لم يختَر صنّاع القرار في بلاد فارس موعدَ زيارة رئيسي عن عبث. فهو يصِلُ تحت ظلال مُتغيّراتٍ وأحداث أعادَت سوريا إلى الواجهة الدّوليّة والإقليميّة بعد غيابها عن المشهد منذ ما قبل الغزو الرّوسيّ لأوكرانيا الذي خطَفَ المشهدَ بالكامل منذ شباط 2022.
سيكون مسار التطبيع السّوريّ مع العرب وتركيا حاضراً. إذ تدعم إيران بقوّة التطبيع بين دمشق وأنقرة، وقد وصلَت سوريا وتركيا إلى مرحلة مُتقدّمة من النّقاشات.
في هذا الإطار، يقول مصدر إقليميّ واسع الاطّلاع لـ”أساس” إنّ الرّئيس الإيرانيّ سيعرض على الأسد لقاءَ نظيره التّركيّ رجب طيّب إردوغان قبل موعد الانتخابات التّركيّة، إلّا أنّ المصدر استبعدَ أن يحصل هذا اللقاء، وإنْ طلبَه رئيسي، مُرجّحاً لقاء وزيرَيْ الخارجيّة ضمنَ اجتماعٍ رباعيّ مع نظيرَيهما الرّوسيّ والإيرانيّ قبل موعد الانتخابات التّركيّة.
أمّا عن التطبيع العربيّ مع سوريا، فيقول المصدر إنّ إيران على اطّلاعٍ كاملٍ على أدقّ التفاصيل التي بحثها ويبحثها المسؤولون السّوريّون مع نظرائهم العرب. هذا يعني أنّ زيارة رئيسي لسوريا تهدفُ في المقام الأوّل إلى تثبيت القاعدة الآتية: “سوريا عربيّة الهويّة، فارسيّة الهوى”.
بكلامٍ آخر، يريد رئيسي أن يقول في زيارته إنّ إيران لا تُمانع أن ينفتح الأسد على الدّول العربيّة، إذ يُخفّف هذا الانفتاح عن طهران أعباء لا تتحمّلها، بِشرط ألّا يكونَ هذا الانفتاح على حساب حصّتها الكبرى في النّظام، التي سيُرسّخها رئيسي بباكورة الاتفاقيّات التي ستشهدها الزّيارة.

يريد رئيسي أن يقول في زيارته إنّ إيران لا تُمانع أن ينفتح الأسد على الدّول العربيّة، إذ يُخفّف هذا الانفتاح عن طهران أعباء لا تتحمّلها

الجدير بالذّكر أنّ زيارة الرّئيس الإيرانيّ لسوريا تزامنت مع عدّة محطّات في التطبيع السّوريّ مع العرب وتركيا، وأبرزها:
أوّلاً: دفَع الزّلزال في تركيا وسوريا دولاً عربيّة إلى تنشيط خطوط تواصلها مع دمشق. فقد زارَ سوريا عقبَ الزّلزال وزراء خارجيّة دولة الإمارات الشّيخ عبدالله بن زايد، وجمهوريّة مصر سامح شكري، والأردن أيمن الصّفدي. وزَارَ رئيس النّظام السّوريّ بشّار الأسد سلطنةَ عُمان ودولة الإمارات، والتقى السّلطان هيثم بن طارق ورئيس دولة الإمارات الشّيخ محمّد بن زايد، ثمّ حطّ وزير خارجيّته فيصل مقداد رحاله في القاهرةِ، وزارَ جدّة حيث التقى نظيره السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان، الذي بدوره زارَ دمشق أخيراً والتقى الأسد.
ثانياً: اتفاق بكين بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران الذي يهدفُ إلى تبريد الجبهات الحامية وتنظيم الخِلاف بين القُطبَيْن الإقليميَّيْن.
ثالثاً: عُقِدَ في مدينة جدّة السّعوديّة مؤتمرٌ لوزراء خارجيّة دُول مجلس التّعاون الخليجيّ ومصر والأردن، وبحثَ ملفّ عودة سوريا إلى جامعة الدّول العربيّة ومسألة دعوتها إلى القمّة العربيّة المُقبلة في السّعوديّة في 19 الجاري.
رابعاً: عُقِدَ الإثنيْن الماضي في عمّان اجتماعٌ مُطوّل بين وزراء خارجيّة السّعوديّة ومصر والأردن وسوريا والعراق، وبحثَ مُخرجات اجتماع جدّة وخطّة عربيّة تهدف إلى حلّ الأزمة السّوريّة، ثمّ الجواب السّوريّ على الشّروط العربيّة التي نقلَها وزير الخارجيّة الأردنيّ أيمن الصّفدي إلى دمشق، التي زارها أخيراً عدّة مرّات بعيداً عن الإعلام، بحسب ما ذكر مصدر عربيّ مسؤول لـ”أساس”.
تشير المعلومات إلى أنّ وزير خارجيّة سوريا أكّد أنّ بلاده جاهزة لاستقبال اللاجئين من الأردن إلى محافظة درعا على دفعات، وضمان أمنهم، بشرط أن يُسلّم من بقي من مُسلّحي المُعارضة في درعا أسلحتهم إلى الجيش السّوريّ، أو ينتقلوا إلى مُحافظة إدلب. وطلبَ من الدّول العربيّة أن تدعو صراحةً إلى خروج “القوّات الأجنبيّة غير المشروعة”، وهي العبارة التي تضمّنها البيان، في إشارة من سوريا، بدعمٍ عربيّ، إلى الوجود العسكريّ لأميركا وتركيا على الأراضي السّوريّة.
الجديد أنّ النظام السوري الممثل بوزير الخارجية وقع على البيان الختامي الذي نصّ على الالتزام “بما ينسجم” مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها النظام موافقته على هذا القرار.
كذلك تضمّن البيان إشارة واضحة إلى ضرورة حلّ مسألة اللاجئين في مخيّم الرّكبان على الحدود السّوريّة – الأردنيّة. إذ يعتبر الأردن المُخيّم تهديداً مباشراً لأمنها القوميّ، وذلك بناءً على معلومات تقول إنّ المُخيّم يضمّ خلايا نائمة لتنظيم “داعش”، وهذا ما جعَل وزير الخارجيّة الأردنيّ يُصرّ على ذكرِ المُخيّم بالبيان الخِتاميّ.
يُضاف إلى ما سلف تسليم النّظام السّوريّ بشكلٍ رسميّ بضرورة معالجة ملفّ المفقودين والموقوفين بالتّعاون مع المُنظّمات الدّوليّة.

إقرأ أيضاً: البيان من عمّان… والأجوبة في طهران

خامساً: عُقِدَت عدّة اجتماعات خلال الأسابيع الأخيرة بين وزراء دفاع ومديري استخبارات سوريا وتركيا وروسيا وإيران في العاصمة الرّوسيّة، في محاولة من موسكو وطهران لدفع التطبيع بين تركيا وسوريا قُدماً. ووفق ما علمَ “أساس” فقد وصلت سوريا وتركيا إلى تصوّر مبدئيّ لحلّ مسألة الوجود التّركيّ في شمال سوريا، وضمان عودة اللاجئين من تركيا إلى إدلب، ووضع خطّة من شأنها إيجاد حلّ لمُسلّحي المُعارضة عبر دمج 10 آلاف مُقاتل في صفوف الجيش السّوريّ وتسوية أوضاع البقيّة.

هي زيارة تثبيت أقدام إيران وحصّتها، وإعلان أنّ الكلمة العُليا في طهران وليسَت في دمشق. فليتحدّث الأسد مع من يشاء، ويُطبّع مع من يشاء، فالمُهمّ أن لا يقضمَ أحدٌ من حصّة طهران، والباقي تفاصيل.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…