هل تشكّل الزيارة التي يقوم بها رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي للمملكة العربية السعودية واستقبال وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان له، محاولة أخيرة من قبل القيادي العراقي للحصول على دعم عربي لمواجهة الضغوط التي يتعرّض لها في الداخل من قبل قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي. ضغوط تضرب زعامته وطموحاته في التفرّد بزعامة القرار السنّيّ؟
أم هدفها طلب العون في تذليل العوائق والمصاعب أمام مساعيه لتشكيل “إطار للقوى السنّيّة” يكون قادراً على مواجهة “الإطار” الشيعي والائتلاف الكردي في لعبة المحاصصة وتقاسم السلطة؟
هل يسعى الحلبوسي في خلال زيارته للسعودية إلى الطلب من الرياض رفع مستوى تأثيرها ودورها في العراق من خلال توظيف العلاقة الجيّدة التي بدأت مع الجمهورية الإيرانية والمساعدة في التوصّل إلى صيغة ترضي طهران تتعلّق بمستقبل ودور الميليشيات والحشد الشعبي؟ يمكن ذلك من خلال البحث عن آليّة تشبه الآليّة التي رعتها المملكة في الأزمة اللبنانية وأدّت إلى إنهاء الميليشيات المسلّحة.
أم يسعى الحلبوسي من وراء هذه الزيارة إلى توجيه رسالة إلى الداخل العراقي تفيد بوجود عمق عربي لدوره وموقعه والمشاريع التي يعمل من أجلها والطموحات التي يسعى إليها؟
يعتقد الحلبوسي وجماعته أنّ قرار محاصرته ومحاولة إضعافه من قبل قوى “الإطار” الشيعي قد يكون معتمِداً على توجّه إيراني
تحالف الحلبوسي مع “إطار” إيران
فاز الحلبوسي بالموقع الذي أُسند إليه بعد الاتفاق السياسي الذي أنتج ائتلاف “إدارة الدولة” أواخر شهر أيلول الماضي من عام 2022 مع قوى “الإطار” الشيعي والحزبين الكرديَّين الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بقيادة بافل طالباني، والذي أوكل إليه قيادة أو رئاسة هذا الائتلاف.
اتفاق كرّسه رئيساً للبرلمان مرّة جديدة بأصوات “الإطار” والفصائل والأحزاب والميليشيات الشيعية، بعد تغيير معادلة الأكثرية البرلمانية وتركيبة الكتلة الكبرى النيابية لصالح “الإطار”. كلّ ذلك بناءً على قرار مقتدى الصدر الانسحاب من الحياة البرلمانية والسياسية واستقالة نواب كتلته البالغ عددهم 73 نائباً.
إلا أنّ محمد الحلبوسي ما زال يواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل في تنفيذ مشاريعه وطموحاته التي من المفترض أن تكرّسه زعيماً أوحد للمكوّن السنّيّ وتعطيه القدرة على فرض إرادته على إدارة الدولة، أو تجعله شريكاً بلا منازع لقوى “الإطار” الشيعي على طاولة المحاصصة السياسية والإدارية والماليّة والاقتصادية.
من ناحية أخرى، لم تخفِ أطراف من داخل “الإطار التنسيقي” موقفها الحذر والمتشكّك، وتكاد تكون متكافلة ومتضامنة في هذا الموقف، من طموحات رئيس البرلمان. ودعت إلى التصدّي له، مدفوعةً بالخوف من أن تؤدّي هذه المساعي والطموحات إلى خلق حالة من التحدّي لها في العملية السياسية. خاصة أنّ هذه القوى فشلت في إنتاج قيادة موحّدة لها أو إنتاج زعيم أو قائد يمسك بالقرار الشيعي في مواجهة الشركاء من المكوّنات الأخرى.
هذا ويُعتبر الحلبوسي الخاسر الأكبر من تفتيت “التحالف الثلاثي – بناء وطن” مع التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي أعلنه بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة في 10/10/2021، ورفع مشروع “حكومة الأغلبية الوطنية”.
كان آخر المنضمّين إلى “ائتلاف إدارة الدولة” بعدما وضع على طاولة التفاوض شروطه السياسية والأمنيّة والاقتصادية العالية السقف التي تساعد في تكريسه زعيماً بلا منازع مع حزبه “تقدّم” في المحافظات الغربية أو السنّية، حتى داخل الائتلاف الممثّل للمكوّن السنّيّ الذي يجمعه مع منافسه خميس الخنجر زعيم تحالف “عزم” وصاحب المشروع الوطني.
لماذا رضخ “الإطار” له؟
أمام الضغوط الكبيرة التي تعرّض لها “الإطار” الشيعي والخوف من تفويت الفرصة بعد انسحاب الصدر من العملية السياسية والأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها، يمكن القول إنّ قوى “الإطار” رضخت وقبلت بشروط الحلبوسي لتمرير أزمة تشكيل الحكومة.
من بين هذه الشروط حلّ مسألة الانتشار المسلّح لقوات الحشد الشعبي داخل مدن المحافظات الغربية وإخلاء هذه المدن من المراكز والمقرّات العسكرية لكلّ صنوف القوات المسلّحة وتسليم الأمن للشرطة المحلّية بالتعاون مع الشرطة الاتحادية. بالإضافة إلى تسليمه ملفّ عودة النازحين إلى مناطقهم، خاصة منطقة جرف الصخر التي تشكّل مفصلاً استراتيجياً في المعركة مع تنظيم داعش والإرهاب… ومعه ملف المغيّبين والمعتقلين، وإطلاق يده في تنمية هذه المحافظات والسيطرة على المشاريع التي تقام فيها أو الموازنات التي تُخصّص لها.
بدوره لم يكن الحلبوسي حريصاً على استمرارية التحالف الذي عقده مع قوى “الإطار” الشيعي، واعتبره تحالف الضرورة والمرحلة
لم يكن من السهل السكوت عن رضوخ قوى “الإطار” لشروط الحلبوسي والقبول به بعدما استطاعت تشكيل الحكومة التي تريدها وباتت ممسكة بقراراتها ومفاصلها. وإن كان بعض هذه الشروط قد تضمّنها لاحقاً البرنامج الوزاري لحكومة الرئيس محمد شياع السوداني، خاصة ما يتعلّق بإعادة ترتيب أوضاع المؤسسة العسكرية ودورها وإمكان انتشارها في إطار رؤيته لحلّ أزمة السلاح المتفلّت والحدّ من تدخّل هذا السلاح في القرار السياسي.
لذا انتقلت قوى “الإطار” إلى الخطة البديلة، التي تقوم على تفكيك مراكز قوة الحلبوسي داخل المكوّن السنّي وفي المحافظات الغربية، من خلال دعمها لتحرّك بعض وجوه وشيوخ القبائل والعشائر في الأنبار الرافضين لطموحات الحلبوسي الإلغائية، حسب وصفهم، وفي مقدّمهم الشيخ سطام أبو ريشه نجل زعيم الصحوات في الأنبار عبدالستار أبو ريشه الذي اغتاله تنظيم القاعدة في 13 أيلول 2007. الأخير دخل في نزاع مفتوح مع رئيس البرلمان على زعامة الأنبار ورفع شعار “العشائر ستؤدّب الحلبوسي وتعيده إلى صوابه”. فما كان من الحلبوسي إلا أن تجاوز جميع الأطر القانونية والإدارية وأرسل قوّة مسلّحة لاعتقال سطام خلال أحد التجمّعات التي دعا إليها الأخير بمشاركة مجموعة من شيوخ العشائر.
نهاية “حلفه” مع الإطار
على صعيد موازٍ، لجأت قوى وأحزاب “الإطار التنسيقي” إلى سياسة التضييق على الحلبوسي داخل البرلمان، بعدما قدّم لها الذرائع لذلك من خلال مساعيه إلى فرض إدارة منفردة لعمل البرلمان وإصدار قرارات بإقالة وسحب الثقة وإلغاء نيابة بعض الأعضاء من المكوّن السنّي الرافضين لسياساته أو طموحاته، ودفعت بعض النواب إلى تقديم استجوابات وحتى طرح الثقة به والتشكيك في رئاسته للسلطة التشريعية.
بدوره لم يكن الحلبوسي حريصاً على استمرارية التحالف الذي عقده مع قوى “الإطار” الشيعي، واعتبره تحالف الضرورة والمرحلة، وأعلن أكثر من مرّة أنّه سيعود إلى التحالف مع مقتدى الصدر في الانتخابات المقبلة والعمل على بناء حكومة أغلبية معه. الأمر الذي دفع قوى “الإطار” إلى رفع وتيرة محاصرته وتقليم أظافره وإضعاف دوره من خلال إيجاد منافسين له داخل المكوّن السنّي. خصوصاً أنّ علاقته مع حليفه الأساس خميس الخنجر لا تمرّ بأفضل حالاتها، وفيها الكثير من الزغل السياسي والتنافس الشديد على الاستحواذ والتفرّد بتمثيل المكوّن السنّي.
يعتقد الحلبوسي وجماعته أنّ قرار محاصرته ومحاولة إضعافه من قبل قوى “الإطار” الشيعي قد يكون معتمِداً على توجّه إيراني. وعلى الرغم من معرفته بأنّ الطرف الإيراني هو الذي تولّى هندسة المشهد الذي أنتج “ائتلاف إدارة الدولة” وأخرج تشكيل الحكومة بناء على هذا الائتلاف… إلا أنّ التصويب الدائم على وجود قوّات الحشد الشعبي في المحافظات الغربية، خاصة في المناطق الموازية للشريط الحدودي بين العراق وسوريا، يتعارض مع مسألة استراتيجية في المشروع الإيراني الإقليمي ودور المحور الذي تقوده في المنطقة.
ومن غير السهل عليها الذهاب أو القبول بتنفيذ طموحات الحلبوسي، خاصة في ظلّ التصعيد الذي تشهده المنطقة وعدم التوصّل إلى تفاهمات مع الجانب الأميركي على مستقبل المنطقة ومعادلاتها السياسية والأمنيّة والعسكرية.
إقرأ أيضاً: المهديّ الذي لا ينتظره الصدر
قد يكون ما دفع الحلبوسي إلى البحث عن مخارج لأزمته وطلب المساعدة من حلفاء وأشقّاء لتخفيف الضغوط التي تُمارَس عليه وعلى طموحاته هو ما حدث في اللقاء العاصف الذي جمعه مع رئيس مجلس الوزراء السوداني قبل أسابيع، والكلام العالي الذي سمعه من الأخير عن رفض تدخّلاته في قرارات الحكومة الإدارية والعسكرية والأمنية الخاصة بالمحافظات الغربية، وتحديداً محافظة الأنبار.