هل لبنان بلد طبيعي أم لا؟
الجواب لا وألف لا.
لم يكن بلداً طبيعياً لدى انفجار الوضع فيه قبل 48 عاماً، في 13 نيسان 1975، ولم يصبح بلداً طبيعياً في أيامنا هذه بعدما أطلقت “حماس” صواريخ من جنوبه بغطاء من الحزب.
بعد أقلّ بقليل من نصف قرن، بات السلاح الفلسطيني في جنوب لبنان يتمتّع بحماية سلاح يحمله حزب تابع لإيران، فيما كان في عام 1975 سلاحاً متفلّتاً يتذرّع بحمايةٍ مصدرها اتفاق القاهرة المشؤوم الموقّع بين الحكومة اللبنانيّة ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة في خريف عام 1969، برعاية جمال عبد الناصر.
لا يزال لبنان في 13 نيسان 1975… لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. انتقل البلد في 48 عاماً من المارونيّة السياسيّة إلى الشيعية السياسيّة
في سنة 2023، لا يتصرّف بلد طبيعي بالطريقة التي تصرّفت بها وزارة الخارجية اللبنانيّة. رفعت الوزارة باسم لبنان شكوى لدى مجلس الأمن على إسرائيل ردّاً على إطلاق “حماس”، بغطاء من الحزب، ما يزيد على ثلاثين صاروخاً من جنوب لبنان في اتجاه مستوطنات إسرائيليّة.
كيف لحكومة لبنانية أن تُتبع إطلاق مثل هذه الصواريخ بشكوى إلى مجلس الأمن بدل الاعتراف بأنّ هناك خللاً، يتحمّل لبنان مسؤوليّته، في تطبيق القرار 1701. أوقف القرار حرب صيف عام 2006، وهي حرب افتعلها الحزب مع إسرائيل وكانت جزءاً من سيناريو تغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري وما تلاها من أحداث واغتيالات، بما في ذلك خروج الجيش السوري من لبنان. أسفرت تلك الحرب عن انتصار ساحق حقّقه الحزب على لبنان واللبنانيين.
تكريس واقع يرفضه اللبنانيون
ليس إطلاق “حماس” صواريخها من منطقة يعرف الحزب كلّ شاردة وواردة عمّا يدور فيها، وهي منطقة عمليات للقوات الدوليّة والجيش اللبناني وحدهما، سوى تكريس لواقع يرفض اللبنانيون الاعتراف به. واقع يتمثّل في أنّ الحرب التي اندلعت في 13 نيسان 1975 ما زالت مستمرّة في 13 نيسان 2023.
من الواضح أنّ لبنان فقدَ أيّ علاقة بالمنطق. ليس معروفاً هل يمكن أن يتصالح معه يوماً، بل إنّ ذلك بات من رابع المستحيلات. يحتاج التصالح مع المنطق إلى مقدار كبير من الشجاعة، شجاعة وقوف كلّ لبناني أمام المرآة وسؤال نفسه: لماذا هذا الإصرار على التحرّش عسكرياً بإسرائيل على الرغم من أنّ نتائج هذا التحرّش معروفة؟
لن يقف أيّ لبناني أمام المرآة ويسأل نفسه أيّ سؤال مرتبط بالواقع، بما في ذلك لماذا لم تحتلّ إسرائيل أيّ أرض لبنانيّة في حرب عام 1967. ألا يعود ذلك إلى أنّ لبنان لم يشارك في تلك الحرب التي انتهت باحتلال إسرائيل للضفّة الغربيّة والقدس والجولان وسيناء؟
لم يكن بلداً طبيعياً لدى انفجار الوضع فيه قبل 48 عاماً، في 13 نيسان 1975، ولم يصبح بلداً طبيعياً في أيامنا هذه بعدما أطلقت “حماس” صواريخ من جنوبه بغطاء من الحزب
جلب لبنان كلّ المصائب على نفسه بدل أن يعمل بهدوء على إيجاد قاسم مشترك بين زعمائه من أجل تسوية معقولة ومقبولة للوجود الفلسطيني على أرضه. هل طبيعي وجود المخيّمات الفلسطينية وكلّ هذا السلاح فيها منذ نكبة عام 1948 بدل خلق بيئة مختلفة في هذه المخيّمات بعيداً عن عقدة التوطين والمزايدات السخيفة عن حقّ العودة؟
ليس طبيعياً بقاء الوضع في المخيّمات على حاله. الأكيد أنّ لبنان الغارق في أزمته المصيرية لا يمتلك لا الوقت ولا المؤسّسات القادرة على التصدّي لموضوع المخيّمات التي يسعى الحزب، ومن خلفه إيران، إلى تحويلها إلى جزر تحت سيطرة “حماس”.
ضريبة 1967 المستمرّة
لا يزال لبنان يدفع إلى اليوم ضريبة المحافظة على أرضه في عام 1967. يعود ذلك إلى صفة الجبن التي يتمتّع بها سياسيّوه العاجزون عن الاعتراف بأن لا سبيل لتحرير فلسطين انطلاقاً من لبنان. هؤلاء السياسيون في خصام مع المنطق. ليس بينهم من يجرؤ على إدانة إطلاق “حماس” صواريخها من جنوب لبنان. ليس بينهم، بمن في ذلك الأمين العام للحزب، من يستطيع الخروج من أسر الزاوية الضيّقة التي حشر نفسه فيها. لا همّ لديه في الوقت الحاضر سوى تأكيد أنّ الاتفاق السعودي – الإيراني الذي رعته الصين لن تكون له أيّ انعكاسات على لبنان، بل إنّ هذه الانعكاسات ستبقى محصورة باليمن وباستئناف العلاقات الدبلوماسيّة بين الرياض وطهران.
وحدها الأيّام ستُظهر ما إذا كان هذا الكلام صحيحاً أم لا… أم أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” تستطيع أن تأخذ من الاتفاق ما يناسبها فقط وكأنّ الأمر يتعلّق بلائحة طعام في مطعم يختار منها الزبون ما يعجب خاطره!
لا يزال لبنان في 13 نيسان 1975… لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. انتقل البلد في 48 عاماً من المارونيّة السياسيّة إلى الشيعية السياسيّة. تخلّلت ذلك استراحة قصيرة، بين 1992 و1998، يصعب تسميتها بالسنّيّة السياسيّة. انتقل عمليّاً من السيّئ، نسبياً، إلى الأسوأ. مع الاحتلال الإيراني الذي جاء بـ”حماس” إلى المخيّمات الفلسطينية وإلى جنوب لبنان،، يصبح ممكناً الترحّم على عهد الوصاية السوريّة وما رافقه من ظلم استهدف أوّل ما استهدف تدجين السُّنّة والمسيحيين والدروز!
إقرأ أيضاً: فرنسا تخطّط لـ”طائف إيراني”
لعلّ أخطر ما في الأمر أنّ إتيان الحزب بـ”حماس” إلى لبنان لا يستهدف تكريس أمر واقع يتمثّل بعودة السلاح الفلسطيني بحماية إيرانيّة فقط. اللافت هو توقيت الحدث. لماذا “حماس” في لبنان الآن؟ ولماذا هذا الإصرار الإيراني على الفصل بين البيان الثلاثي الذي وقّعته مع الصين والسعوديّة من جهة والوضع اللبناني من جهة أخرى؟ هل صحيح أنّ هناك ثمناً تريد “الجمهوريّة الإسلاميّة” قبضه؟ تريد ثمناً من نوع أن تكون شريكاً وازناً في تقرير من سيكون رئيس الجمهوريّة المقبل في لبنان… هذا إذا كان انتخاب رئيس جديد وارداً؟