فرنسا تخطّط لـ”طائف إيراني”

مدة القراءة 6 د

فيما تنشغل فرنسا بتركيب حلّ للأزمة اللبنانية من خلال تحضيرها لتعديل اتفاق الطائف، على قياس سلّة الحزب المتكاملة والتفاصيل الإيرانية، أي لصالح “طائف بالنكهة الإيرانية” أو “طائف إيراني”، تعمل المملكة العربية السعودية على تثبيت مقوّمات الدولة اللبنانية وتثبيت الطائف الأصلي. بل تسعى المملكة بثبات إلى تحصين رزمة لبنان الاستقرارية، عبر دعم التطبيق الصحيح لاتفاق الطائف، باعتباره المعبر الوحيد لمعالجة هذه الأزمة من خلال احترامه وعدم تجاوزه أو الالتفاف عليه، وعبر التحفيز والشروع في تطبيق الإصلاحات وإرساء دولة القانون والمؤسّسات.
كلّ هذا على الرغم من توقيع فرنسا مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، على البيان الثلاثي المشترك القاضي بضرورة تطبيق القرارات الدولية 1559، 1680، 1701 و2650، والداعي إلى عدم الخروج عن الإجماع العربي واحترام سياساته، مع الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف الذي يحفظ وحدة التراب الوطني ويكرّس السلم الأهلي في لبنان.

فيما تنشغل فرنسا بتركيب حلّ للأزمة اللبنانية من خلال تحضيرها لتعديل اتفاق الطائف، على قياس سلّة الحزب المتكاملة والتفاصيل الإيرانية، تعمل المملكة العربية السعودية على تثبيت مقوّمات الدولة اللبنانية وتثبيت الطائف الأصلي

غير أنّ فرنسا تتابع على ما يبدو مناوراتها بالكواليس من خلال قيامها بتصرّفات مريبة ومشكوك فيها، بطرح وجهات النظر تتعارض مع روحية البيان الثلاثي والبنود العملية المتداولة في اجتماعات “اللقاء الخماسي” بين مصر وقطر والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة. وتحرّكات فرنسا في الكواليس تتم تحت عنوان الحرص على الاستقرار والسلم الأهليَّين، ونيّة التوصّل إلى حلّ سريع. كما لو أنّها الناطقة الأوروبية باسم “الثنائية الشيعية”، والوسيطة الدولية المسوِّقة للشروط الإيرانية.

تبدّل النفوذ والخطوات الفرنسيّة

انخفض وزن فرنسا في لبنان وتبدّل نفوذها إلى درجة أنّها أضحت مضطرّة إلى التنسيق مع النفوذ الإيراني عبر وكلائه المحليين في لبنان لكيّ تمرّر سياستها وتحفظ موقعها وحضورها وتضمن مكتسابها، ولو على حساب صيغة الطائف الحالية. إنّها شريكة “”الكونسورتيوم النفطي”، وهم الضامنون الحقيقيون لاتفاقية الترسيم الحدودي، وحرّاس الصناعة النفطية والغازيّة في الجنوب اللبناني.
سلّمت فرنسا بالطائف مع يقينها بأنّه قد حدّ من طموحاتها، وأنّه سبب من أسباب تراجع نفوذها في لبنان. لذا قرّرت دخول قلب المعادلة الجمهورية اللبنانية الثانية بطريقة مختلفة، فتركّزت سياساتها في لبنان بعد عام 1990 على الحفاظ على ما بقي من مصالحها، وتمكين وجودها، والتشبيك المصلحيّ مع النظام بكلّ واقعية والاستفادة منه من خلال العمل على العودة المتسلسلة، واتباعها لخطوات منتقاة في السياسة العملية، ومنها:

1- دبلوماسية حلّ النزاعات بالثقة والوساطة: نجحت فيها، فهي التي ساعدت لبنان في عام 1996 إلى تفاهم نيسان الذي أنهى العدوان الإسرائيلي الذي سُمّي “عناقيد الغضب”.

2- تحفيز السياسة الشخصية ودبلوماسية الدعم والحماية: الهادفة إلى الحفاظ على علاقة متوازنة مع كلّ الشخصيات والمكوّنات اللبنانية في سبيل تثبيت النفوذ. وقد أعطتنا هذه السياسة نتيجتين متناقضتين:

الأولى: من خلال العلاقة المميّزة بين لبنان وفرنسا، خلال فترة حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس الراحل جاك شيراك، وهي الفترة الذهبية للسنّيّة السياسية ولاتفاق الطائف.

الثانية: باستضافة فرنسا مؤتمر سان كلو في 2007، قبل 7 أيّار 2008، وتقاربها مع المكوّن الشيعي لحماية موقعها أيّاً كان النظام، بعدما أصاب الوهن المكوّن السنّي. حينها طرحت إمكانية تعديل النظام اللبناني، مع انتشار رائحة الانتقال من طائف المناصفة إلى طائف المثالثة.

3- مبادرات الدعم وتقديم المساعدات: كانت بدايتها عبر سلسلة مؤتمرات باريس (1 و2 و3)، ونهايتها قبل سنوات عبر “مؤتمر سيدر” المبتور وغير المكتمل، إذا ما استثنينا مؤتمر الدعم الإنساني بعد تفجير مرفأ بيروت.

انخفض وزن فرنسا في لبنان وتبدّل نفوذها إلى درجة أنّها أضحت مضطرّة إلى التنسيق مع النفوذ الإيراني عبر وكلائه المحليين في لبنان لكيّ تمرّر سياستها وتحفظ موقعها وحضورها وتضمن مكتسابها، ولو على حساب صيغة الطائف الحالية

فرنسا والطائف

نسمع أحياناً صوتاً سياسياً خافتاً في فرنسا يعتقد بحقيقة الموت السريري لاتفاق الطائف، منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتقويم أنّ نجاح الطائف كان بفعل التفاهم الدولي والعربي والأوروبي على طريقة تكريس الاستقرار اللبناني، وديناميكية التنسيق الثلاثي والاتفاق على الإشراف السوري على بنية الحكم اللبنانية.
انتهت هذه الحقبة باستشهاد الرئيس رفيق الحريري ودخول لبنان عصراً جديداً بعد الانسحاب السوري. إنّه الطائف بالنكهة الإيرانية. تعتقد فرنسا بأنّ تطبيق اتفاق الطائف يحتاج بشكل دائم إلى لاعب كبير لبناني وراعٍ غير لبناني، ولا مشكلة عندها في أن يكون الإيراني، الذي هي على علاقة جيّدة معه، وهو شريك تجاري مهمّ بالنسبة لها، وبإمكانها التفاهم معه، وبالتالي الحفاظ على نفوذها في لبنان والمنطقة. لذا لن تعارض فرنسا أبداً هذا التغوّل السياسي.

إعادة فرنسا تاريخها السياسيّ

تكرِّر فرنسا تاريخها السياسي في لبنان في سبيل حماية مكانتها. فهي من بعد مساعدتها الموارنة إبّان السنوات الأولى لتأسيس دولة لبنان الكبير، ودعمها المارونية السياسية في فترة الجمهورية الأولى، دعمت السنّيّة السياسية (!) الطرف القوي في دولة الطائف، ونسجت علاقات مميّزة لها في الجمهورية الثانية، واليوم كأنّها تتعاون مع الشيعية السياسية “على الناعم” من أجل الوصول إلى ورشة إصلاح وإعادة تعريف النظام في بلاد “الجمهورية الثالثة”.
تتعامل فرنسا مع كلّ المكوّنات السياسية اللبنانية، ويبدو أنّه لا يهمّها كثيراً “شكل” الدولة وحتى طبيعة النظام. جلّ ما تهتمّ به هو حماية نفوذها وتعزيز مصالحها وحماية علاقاتها التجارية وشراكاتها الاستثمارية والاستراتيجية. لذا لا مشكلة لديها أبداً في أن يتغيّر شكل النظام في الدولة أو نوعية الإدارات والمؤسسات في لبنان أو اسم الطائفة الحاكمة.

إقرأ أيضاً: الولايات المتّحدة: رغبات الهيمنة ودروس الحروب!

عندما ترك الفرنسيون لبنان تركوا وراءهم الأصدقاء والمؤيّدين والشركات المالية، بالإضافة إلى المؤسسات التجارية والتربوية العريقة المقرونة ببعض الامتيازات. لهذه الأسباب وغيرها، ظلّ الفرنسيون يحنّون إلى هذا البلد الصغير ويهتمّون به. تعتبر فرنسا أنّ لبنان من صنعها. هو بوّابتها إلى الشرق، وحجر أساس نفوذها السياسي في الشرق الأوسط. لذلك تسارع إلى دعمه والوقوف إلى جانبه دائماً في كلّ مرّة يتعرّض لهزّة وأزمة، لكن دائماً “المصالح الفرنسية” هي الأساس…

مواضيع ذات صلة

انتخابات أميركا: بين السّيّئ.. والأسوأ

واشنطن   أصعب، وأسوأ، وأسخن انتخابات رئاسية في العصر الحديث هي التي سوف تحدّد من هو الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأميركية. في الوقت ذاته…

قراءة سياسيّة في أزمة النّزوح… التي ستطول

حرب عامي 2023 و2024 لا تشبه حرب عام 2006 في العديد من الأمور، ومنها الحكومة القائمة وقتها، والحماسة العربية والدولية للبنان، والحجم الأقلّ للحرب وخسائرها….

رعب أوروبا من تقاطع ترامب وبوتين فوق سمائها

قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، لا تخفي عواصم في أوروبا قلقها من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ولا يقوم ذلك القلق على شكّ…

“الميدان” الذي ننتظر “كلمته” يتمدّد من الخيام إلى إيران

“الكلمة للميدان” هي اللازمة التي تردّدها قيادة الحزب في تعليقها على جهود وقف النار في لبنان وشروط إسرائيل. بين ما يرمي إليه استخدام هذه العبارة…