السعوديّة “ساحة حرب” تكنولوجيّة ثلاثيّة الأطراف

مدة القراءة 7 د

بعدما عملت على تنظيم شؤونها الداخليّة من خلال أطر سياسية واستراتيجية قوية، وفيما تعمل اليوم على تنويع مصادر أمنها واقتصادها، يبدو أنّ المملكة العربية السعودية تتطلّع إلى أن تكون أيضاً مركزاً للتقنيّات العالمية المتنافسة، وهو هدف يرجّح مراقبون أن تنجح في تحقيقه بفضل تماسكها الاستراتيجي الداخلي وتركيزها على توظيف المواهب المحلية بقوّة وتعزيز تنمية المهارات السيبرانية في جامعاتها ومؤسّساتها، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات تعاون في مجال الأمن السيبراني.
أصبحت السعودية اليوم، بحسب مجلّة “إنترناشيونال إنترست”، ساحة معركة للقوى التكنولوجية الكبرى في العالم تتنافس عليها لعرض قوّتها وتحقيق الانتصارات والاستثمارات. فلِمَن ستكون الغلبة: للولايات المتحدة الأميركية أم الصين أم الهند بما هي قطب ثالث موجود أيضاً بقوّة في المملكة؟

الصعود السعوديّ التكنولوجيّ
كتب جيانشو جيندال، الباحث الهندي غير المقيم في معهد الشرق الأوسط والمتخصّص في العمليات الجيوسياسية والسيبرانية في شركة ناتسترات الهندية، تقريراً في المجلة حول جهود المملكة العربية السعودية لأن تكون مركزاً للتقنيات العالمية المتنافسة، اعتبر فيه أنّه مع تغيير الديناميكيات الجيوسياسية العالمية نتيجة الابتكارات التكنولوجية واحتدام المنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة وتداعياتها على العالم بأسره، نشهد اليوم حرباً حول التكنولوجيا الناشئة التي تحتاج كما كلّ حرب إلى ساحة معركة ومنصّة للقوى التقنية لعرض قوّتها وتحقيق الانتصارات. وفي رأيه أنّ السعودية هي اليوم هذه الساحة منذ أن جعلت من التحوّل الرقمي هدفاً رئيسياً لها بعدما وضعت خطة رؤية 2030، التي تسعى من خلالها إلى تنويع اقتصادها عبر زيادة التركيز على الابتكار، لكنّها أيضاً بحاجة إلى تبنّي الدبلوماسية والاستقلالية الاستراتيجية ومنظور متعدّد الأقطاب.

يبدو أنّ المملكة العربية السعودية تتطلّع إلى أن تكون أيضاً مركزاً للتقنيّات العالمية المتنافسة، وهو هدف يرجّح مراقبون أن تنجح في تحقيقه بفضل تماسكها الاستراتيجي الداخلي

رأى الباحث أنّ هناك سبباً للاعتقاد بأنّ السعوديين مستعدّون للقيام بذلك:
– تستضيف السعودية العديد من أكبر المنتديات والمنصّات التكنولوجية في العالم.
– قبل أن تصبح السعودية مركزاً عالمياً للتكنولوجيا، رتّبت أوضاعها من خلال بناء أطر سياسية واستراتيجية قويّة، فباتت تُصنَّف في المركز الثاني في مؤشّر الأمن السيبراني العالمي للاتحاد الدولي للاتصالات، وهو مرجع يقيس التزام البلدان بالأمن السيبراني العالمي.
– بعد إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في عام 2017، أنشأت المملكة هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي في عام 2019، وأطلقت برنامج “CyberIC”  في عام 2022 ، بهدف تطوير قطاع الأمن السيبراني من خلال توطين تكنولوجيا الأمن السيبراني.

دخول الصين
الاهتمام الصيني والتقدّم في واحة التكنولوجيا بالسعودية من خلال برنامج LEAP 2023 وعروض “هواوي” لأحدث حلولها الابتكارية تحت شعار “إطلاق العنان الرقمي”، جعلت من المملكة منصّة مهمّة لعرض تقدّمها في مجال الذكاء السحابي والاصطناعي. ويتضح ذلك من افتتاح متجر “هواوي” الثاني في المملكة في بداية شباط من هذا العام، بعد افتتاح أكبر متجر رئيسي خارج الصين قبل عام واحد بالرياض.
يضاف إلى ذلك إطلاق جمعية روّاد الأعمال السعودية-الصينية التي تضمّ أكثر من 100 شركة سعودية وصينية وكيانات حكومية ومؤسّسات أكاديمية ومنظمات غير حكومية. وتعتبر المملكة هذه الجمعية خطوة باتجاه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مجال التكنولوجيا والابتكار.

عودة الولايات المتحدة
في ظلّ الحضور الصيني المتنامي بمنطقة الشرق الأوسط واحتدام المنافسة مع الولايات المتحدة الأميركية، عملت واشنطن على العودة من خلال:
– عودة اهتمام واشنطن بتجديد شراكاتها الاستراتيجية الإقليمية من خلال إعلانات ونشاطات مجموعةI2U2  التي تتألّف من الهند وإسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وتوسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل التعاون السيبراني.
– لقاءات وزير الاتصالات وتكنولوجيا الإنترنت السعودي مع نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للأمن السيبراني والتقنيات الناشئة لمراجعة الجهود المبذولة لتعزيز الشراكة وتطوير التعاون الثنائي في هذا المجال.
– توقيع السعودية والولايات المتحدة “بيان جدّة”، الذي يحدّد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على مدى العقود المقبلة، بهدف تعزيز المصالح المتبادلة وتقديم رؤية مشتركة من أجل مزيد من السلام والأمن والازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط.
– إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ السعودية ستستثمر في التقنيات الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة لتطوير شبكات آمنة وموثوقة لـ 5G و6 G في المملكة وفي البلدان النامية.

يبدو في الواقع أنّ هناك ثلاث دول تتطلّع إلى تطوير وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الرياض

الهند قطب تكنولوجيّ ثالث؟
إذ اعتبر الباحث الهندي أنّ هذه النشاطات والاتفاقيات تشكّل دفعة لجهود الاحتواء التي تبذلها الولايات المتحدة لمواجهة الانتشار المتسارع للتكنولوجيات الصينية في المنطقة، فقد نبّه إلى وجود قطب ثالث ينافس القوّتين العظميين هو الهند.
فقد تكثّفت العلاقات بين الهند والسعودية سياسياً ودبلوماسياً وتكنولوجياً في السنوات الأخيرة. وسيوقّع الطرفان قريباً مذكّرة تفاهم لتعزيز التعاون بشأن الأمن السيبراني. ويتمتّع العديد من الشركات الهندية الكبيرة، مثل Tata و WiproوTCS، بحضور قوي في المملكة. وشارك في مؤتمر LEAP 2023 أكثر من خمس وأربعين شركة هندية ووفد من اتحاد الصناعة الهندية. وفي دافوس وعلى هامش المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام، التقى وزير الاتصالات وتكنولوجيا الإنترنت السعودي بنظيره الهندي لمناقشة تعزيز الشراكة الاستراتيجية الهندية السعودية في مجالات التكنولوجيا والابتكار وريادة الأعمال الرقمية.

اتّجاهات السعوديّة لعام 2023
عرض الباحث رؤيته لاتجاهات السعودية في قطاع التكنولوجيا، فكتب: “تعرّضت السعودية لعدد كبير من الهجمات الإلكترونية التي استهدفت قطاعاتها الصناعية الحيوية في السنوات الأخيرة. شهدت نحو 54 في المئة من المؤسسات السعودية حوادث أمنيّة أثّرت على أعمالها، وواجهت أكثر من 56 في المئة من المؤسّسات في البلاد هجمات من برامج الفدية في عام 2021”.
هذا وتركّز الرياض على تشجيع الجامعات على الاستثمار بكثافة في المناهج لتطوير المهارات السيبرانية المطلوبة بين الطلاب، ذلك أنّ أكثر من 50 في المئة من القوى العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات السعودي هم اليوم من غير السعوديين.
إلى ذلك أشار الباحث الهندي إلى أنّ تعزيز الرياض لتماسكها الاستراتيجي الداخلي يعزّز تحوّلها إلى مركز تكنولوجي للتقنيات العالمية المنافسة. فخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، شدّد وزير المالية السعودي على أنّ بلاده يمكن أن تعمل وسيطاً بين الصين والولايات المتحدة في حال تصاعد التوتّرات الجيوسياسية. وبينما كانت الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً للمملكة منذ أمد طويل، فقد وقّعت الصين والسعودية في كانون الأول 2022 اتفاقية شراكة استراتيجية وصفتها وزارة الخارجية الصينية بأنّها “علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية العربية”.

إقرأ أيضاً: نظام جديد في الشرق الأوسط؟

يبدو في الواقع أنّ هناك ثلاث دول تتطلّع إلى تطوير وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الرياض. وبينما تعزّز الولايات المتحدة والهند شراكتهما الثنائية في إطار المبادرة الخاصة بنموذج التكنولوجيا الحرجة والناشئة، يبقى أن نرى إمكان ظهور إطار شراكة استراتيجية ثلاثية بين الهند والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. في الوقت الحالي، يبدو أنّ جميع الطرق التكنولوجية تتّجه إلى الرياض.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…