تحت عنوان “المسلمون الشيعة لم يعودوا في صعود”، كتبت مجلّة “الإيكونوميست” البريطانية في عددها الصادر في 23 آذار الجاري أنّ “قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، قد يحاول الاستيلاء على السلطة إذا لم يتمكّن رجال الدين من الحفاظ على تماسك البلاد”. وقد يعرض الفيلق “عقداً اجتماعياً جديداً”، كما يتكهّن محلّل سياسي في طهران.
وبالفعل يهيمن الحرس الثوري الإيراني على القوات المسلّحة الإيرانية والبرلمان وأجهزة المخابرات وربّما 40 في المئة من الاقتصاد. لذا فالانقلاب بعيد كلّ البعد عن أن يكون غير وارد: “نحن نعيش في الرسوم المتحرّكة المعلّقة بين حقبة وأخرى”، يقول محاضر جامعي.
نشرت “الإيكونوميست” أيضاً التالي: “يعتبر مستشار حكومي أنّه إذا استولى الحرس الثوري الإيراني على زمام الأمور، فسيتخلّى عن انعزالية رجال الدين ويتواصل مع الغرب. وهو يمكن أن يستوعب طبقة رجال الأعمال المزدهرة في إيران وحتى الشتات الصاخب الذي كان منذ فترة طويلة على خلاف مع آيات الله. بل إنّ الحرس الثوري الإيراني قد يتخلّى أو يقلّل من دعم إيران لحلفائها في الخارج، كما هو الحال في سوريا ولبنان واليمن. ويمكن أن يبني سياسته على قرار خامنئي الأخير إعادة العلاقات مع ألدّ منافس سنّي للجمهورية، المملكة العربية السعودية”.
اللقاء المرتقب بين الأخير ونظيره السعودي فيصل بن فرحان، فيندرج في إطار تنفيذ بعض بنود الاتفاق، وفي مقدّمها إعادة فتح السفارتين في البلدين في مهلة شهرين من تاريخ إبرام الاتفاق
نصرالله ولغة الصين
بالعودة إلى الأمين العام للحزب، وموقفه الأول من اتفاق بكين، لم يخفِ يوماً أنّه جزء من منظومة الحرس الثوري الإيراني وفرعها الخارجي، أي فيلق القدس. فهو قال يوماً إنّه “جندي في جيش وليّ الفقيه”، وهو ما يعني عملياً أنّه تابع للفيلق. ومن هنا كانت العلاقات الوثيقة جداً بين نصرالله وقائد الفيلق الجنرال قاسم سليماني الذي اغتالته الولايات المتحدة الأميركية في 3 كانون الثاني 2020 في مطار بغداد عندما كان عائداً على متن طائرة أقلّته من دمشق وبعد آخر زيارة قام بها للضاحية الجنوبية لبيروت. وهذا أمر تحدّث عنه مراراً نصرالله في مناسبات عدّة منذ ذلك الحين.
أن يكون “حزب الله” تابعاً لأحد فصائل الحرس الثوري الإيراني، يعني أنّه اليوم خارج الفريق الذي يدير شؤون اتفاق بكين. فهل كانت ردّة الفعل، التي صدرت عن نصرالله مساء العاشر من آذار الحالي، مؤشّراً إلى أنّ ما كُتب بالصيني تصعب قراءته بالعربية، فكان لا بدّ من القول: “لا نعرف شيئاً؟”.
لبنانياً، يوم إعلان اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في العاشر من آذار الجاري، أطلّ الأمين العام للحزب مساءً من ضاحية بيروت الجنوبية، وأعلن أنّه “قبل أن أدخل إلى الاستديو بدأت الأخبار العاجلة أنّه تمّ توقيع اتفاق في الصين لممثّلين عن إيران وعن السعودية وعن الصين لإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين… ولا أحد يعرف شيء من شيء”.
خرازي بدل عبد اللهيان
شخصية شيعية بارزة لاحظت أنّ وجه السيّد في ذلك اليوم كان متجهّماً. لكنّه آثر عدم الذهاب بعيداً في تفسير الأمر، كي لا يدخل نادي العرّافين وقارئي الفنجان. ثمّ لاحظ أنّ الشخصية الإيرانية التي زارت بيروت بعد أيام من اتفاق بكين، لم يكن وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، بل رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية كمال خرازي الذي وصل إلى لبنان آتياً من سوريا حيث استقبله رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ربّ سائل: لماذا يأتي خرازي إلى بيروت حاملاً معطيات الاتفاق الإيراني – السعودي بدلاً من عبد اللهيان؟
الأكيد أنّ انتدابه لهذه المهمّة لا يعني أنّه “خرزة زرقاء” في عيون حاسدي الاتفاق، وعدم قيام عبد اللهيان بالمهمّة لا يعني أنّه من “جماعة اللهو” في زمن هذا الاتفاق؟
كاد خرازي أن يقدّم جواباً شافياً على هذا السؤال في تصريحات أدلى بها ونشرتها صحيفة “شرق” الإيرانية في 27 الجاري، وجاء فيها أنّ زيارته دمشق وبيروت “تمّت بالتنسيق مع وزارة الخارجية للحصول على وجهات نظر استراتيجية عن الوضع في هذين البلدين تظهر مدى تأثير السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية على المنطقة”.
هناك من أطلق “التفسيرات الخاطئة” كما قال خرازي في إيران قبل أن يغادرها. وفي هذه “التفسيرات”، كما أوضح متابعون في لبنان للشأن الإيراني
وفي إشارة إلى بعض التعليقات على زيارته البلدين، قال خرازي: “للأسف بعض الاشخاص أساؤوا استغلال خبر هذه الجولة واعتبروا أنّ هذه الزيارة، وزيارات السيد علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي (الذي كان الطرف الإيراني الموقّع على اتفاق بكين)، تمّت من دون التنسيق مع وزارة الخارجية، وهو ما يدلّ على أنّهم يجهلون التنسيق القائم في برامج البلاد على صعيد العلاقات الخارجية”. وخلص خرازي إلى القول: “من الطبيعي أن يتمّ حلّ القضايا الأمنية الرفيعة المستوى مع المجلس الأعلى للأمن القومي واقتراح الاستراتيجية مع المجلس الاستراتيجي وتنفيذ السياسة الخارجية بالتنسيق الكامل مع وزارة الخارجية. وبطبيعة الحال، فإنّ انتشار مثل هذه التفسيرات الخاطئة ليس في مصلحة العلاقات الخارجية للبلاد”.
إقرأ أيضاً: واشنطن للأسد: افتح سجونك.. لنوقف العقوبات
تنحية الحرس الثوريّ؟
بالطبع، هناك من أطلق “التفسيرات الخاطئة” كما قال خرازي في إيران قبل أن يغادرها. وفي هذه “التفسيرات”، كما أوضح متابعون في لبنان للشأن الإيراني، أنّ المرشد علي خامنئي وضع الحرس الثوري الإيراني خارج التحضيرات لإبرام الاتفاق بين طهران والرياض. ولهذا جرى تكليف شمخاني بهذه المهمّة، هو المحسوب على المرشد وليس عبد اللهيان التابع للحرس. أمّا اللقاء المرتقب بين الأخير ونظيره السعودي فيصل بن فرحان، فيندرج في إطار تنفيذ بعض بنود الاتفاق، وفي مقدّمها إعادة فتح السفارتين في البلدين في مهلة شهرين من تاريخ إبرام الاتفاق.