العراق “يقطف” ثمار “اتفاق بكّين”

2023-03-30

العراق “يقطف” ثمار “اتفاق بكّين”

أقلع مسار التهدئة في المنطقة بوتيرة متسارعة. فالتقدم الملحوظ على خط العلاقات الايرانية السعودية، يشير الى نوايا حقيقية للانتقال نحو التطبيع والانفتاح، بعد سلسلة من المواقف:

– توجيه العاهل السعودي دعوة للرئيس الايراني ابراهيم رئيسي لزيارة المملكة.

– التواصل الدبلوماسي بين سفيري المملكة وايران في طاجيكستان بمناسبة اعياد النوروز.

– الاتصالات الهاتفية بين وزيري خارجية البلدين والاجتماع المفترض خلال أيام بينهما.

– الموقف المتقدم للرياض في ما يتعلق بالازمة السورية، واتخاذها بعداً جدياً ولو على مراحل مشروطة على طريق العودة إلى سياسة الاستيعاب العربية لسوريا في اطار المصالح العربية المشتركة والانتقال الى مرحلة بناء الثقة واستئناف العلاقات.

يوفر المشروع للعراق ربط سككها الحديد بالصين وروسيا ودول اسيا الوسطى. ما يجعلها محطة ارتباط تجاري بين هذه الدول وتركيا الساعية إلى ربط سكتها بالبصرة

العراق عقدة مواصلات وتوازن

إذا كان من المفترض ان تكون الساحة اليمنية هي المختبر الحقيقي لنوايا إيران في الانتقال الجدي إلى التعاون الإيجابي مع الهواجس العربية، يظل المسار العراقي واحداً من الملفات المنافسة للملف اليمني في حلحة العقد المرتبطة بالصراع بين طهران والولايات المتحدة الأميركية.

الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى العاصمة التركية في 21 اذار 2023 حملت مؤشراً واضحاً على وجود رؤية إقليمية في التعامل والتعاون العراقي مع المنطقة. والرئيس التركي تحدث مع الضيف العراقي عن “انطلاق العمل على مشروع التنمية الممتد من البصرة إلى تركيا والذي وصفه بأنه طريق حرير جديد”.

يسهم هذا المشروع بربط تركيا بمياه الخليج وشط العرب، ويفتح الباب لاستمكال قراءة زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني التي جرت إلى بغداد قبل زيارة السوداني تركيا والاتفاق الأمني الاقتصادي الذي وقعه مع الجانب العراقي.

الملفات التي حملها شمخاني إلى العراق تشمل المشروع الإيراني القديم: الحصول على قرار عراقي حاسم بتنفيذ ربط سكة الحديد بين مدينتي خرمشهر الإيرانية والبصرة العراقية واستعداد طهران لتحمل نفقاته. ربطٌ يوفر لطهران ارتباطا بريا بينها وبين سوريا وساحل البحر الابيض المتوسط. ولم يتردد المرشد الايراني في الحديث عنه علانية مع السوداني في زيارته الاخيرة إيران.

يوفر المشروع للعراق ربط سككها الحديد بالصين وروسيا ودول آسيا الوسطى. ما يجعلها محطة ارتباط تجاري بين هذه الدول وتركيا الساعية إلى ربط سكتها بالبصرة. بدأت النتائج السياسية للاتفاق بين بغداد وطهران تتكشف في الموقف الداخلي العراقي بما يحفظ للعراق دوره الوسيط والمتوازن والبعيد عن الاستقطاب في المعادلات الدولية والإقليمية.

الاتفاق على انهاء الجدل حول قانون النفط والغاز، وقبول اربيل بتحويل عائدات بيع نفط الشمال إلى الحكومة الإتحادية بوضعها في حساب خاص تتحكم به بغداد، فضلا عن عائدات المنافذ البرية والجوية

العراق بين أميركا وإيران

حسم رئيس الوزراء العراقي موقف بلاده من الصراع الأميركي – الإيراني من خلال الخطوات التالية:  

– استبعد ضغوط الطرفين عليه للحؤول دون قدرتهما على تحويل العراق ساحة مواجهة.

– كان حاسما في التصدي لطموحات وضغوط إيران الساعية إلى دفع بغداد لاتخاذ قرار اخراج القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي من الأراضي العراقية، تنفيذاً لقرار مجلس النواب في 5 كانون ثاني 2020 بعد اغتيال أميركا قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

– كان السوداني أكثر قدرة وجرأة على تثبيت الموقف العراقي المتوازن بين مطلب أميركا الضاغط لقبول العراق بإبقاء قوات أميركية عسكرية على الأرض العراقية، والمطلب الايراني لانساحابها الكامل. فذهب السوداني إلى خيار ينسجم مع التسويات التي تشهدها المنطقة. إذ أمسك العصا من وسطها مؤكدا استمرار التعاون العسكري مع القوات الاميركية في حدود الدور الاستشاري والتدريبي ومكافحة الإرهاب، مؤكداً عدم حاجة العراق لقوات قتالية أميركية أو تابعة للتحالف الدولي على أراضه. وهذا موقف يؤكّد تفاهم السوداني مع قوى الإطار التنسيقي وفصائل والميليشيات الموالية لإيران، التي تعهدت بالتزام التهدئة وعدم التصعيد. وهذا يناسب طهران ولا يحرجها في الشعار الذي رفعته بعد اغتيال سليماني: إخراج القوات الاميركية من منطقة غرب آسيا.

بين أربيل وبغداد

يبقى الأهم في هذا الاتفاق هو حصول إيران على التزام أمني واضح من الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان، بعدم السماح باستهداف إيران من الاراضي العراقية، سواء من القوات الاميركية او من الفصائل الكردية المعارضة او الاستخبارات الإسرائيلية. ويلتزم العراق بتفعيل مراقبة الحدود ومنع الخروقات والتسلل وعدم تقديم مقرات آمنة لهذه الجماعات.

هذه الالتزامات قدمتها بغداد واربيل، وجاءت من ضمن الاتفاق الأمني وفي اطار خطة تعاون مستقبلية بين الطرفين. وبرزت اولى نتائجها في توصل حكومة السوداني والقيادة الكردية في اربيل إلى وضع جميع المسائل العالقة بين الطرفين على سكة الحل.

إقرأ أيضاً: تركيا – العراق: هل تعود “المياه” إلى مجاريها؟

النتية كانت في تسهيل موارد الموازنة العامة العراقية التي تبلغ ارقامها نحو 136 مليار دولار، وقبول اقليم كردستان بالحصول على حصته المحددة في الدستور والمقدرة ب12.67 مليار دولار منها. وكذلك الاتفاق على انهاء الجدل حول قانون النفط والغاز، وقبول اربيل بتحويل عائدات بيع نفط الشمال الى الحكومة الاتحادية بوضعها في حساب خاص تتحكم به بغداد، فضلاً عن عائدات المنافذ البرية والجوية.

إذا كانت هذه الخطوات تصب في إطار توسيع التفاهمات الأميركية – الإيرانية لتسهيل عمل حكومة بغداد للنهوض بالواقع العراقي، فهي أيضاً تسهم في تعزيز الثقة بالحكومة العراقية وفي تفعيل العلاقات الأخوية بين العراق والدول العربية، في انتظار تبلور صيغة التعاون المستقبلية في الملف السوري.

مواضيع ذات صلة

هل طوي ملف الصفقة؟

بالتأكيد طوي الملف، أولاً بفعل الخوف الأمريكي من فشلٍ جديد في الأسابيع المتبقية على الانتخابات، وثانياً بفعل عدم التوصل إلى صيغة أكثر توازناً من سابقاتها،…

ما لم يواجهه الحزب من قبل

كان لافتاً غياب الأمين العامّ للحزب عن أربعين القيادي فؤاد شكر. تُركت منصّة الخطابة لرئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين. الخطابان اللذان ألقاهما…

بزشكيان والعراق: تراجع تكتيكيّ للميدان الكردي.. لمصلحة السّياسة

هل سلّم الميدان الإيراني بحقيقة أنّه غير قادر على إدارة الموقف الإيراني بمفرده؟ وأنّه انطلاقاً من رؤيته الحصرية للأمور، حان الوقت لتقاسم أو توزيع الأدوار…

غزّة: ناخب أساسيّ في الأردن.. ومهمّ في أميركا

تقدّمت جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات النيابية الأردنية على كلّ قوائم الأحزاب التي شاركت في انتخابات البرلمان العشرين. وإلى جانب اعتبارات تنظيمية، تميّزت بها الجبهة…