العودة إلى ما قبل الثورات؟

مدة القراءة 5 د

يقوم الرئيس بشار الأسد بزيارة دولةٍ للإمارات العربية المتحدة. وقد سبقتها زيارته لروسيا ولقاؤه الرئيس بوتين، وقد رحّب الأسد خلال المحادثات بالوجود الروسي في سورية وشكر لروسيا عملها الفعّال والمستمرّ في البلاد على الرغم من الحرب الأوكرانية. وبدا في تصريحاته الصحافية رافضاً للمصالحة مع تركيا إلا إذا حدّدت موعداً لانسحاب قواتها من شمال سورية. وهو شرطٌ رفضه الأتراك فيما بعد. ويبدو أنّه لن يحصل شيء في العلاقات التركية – السوريّة قبل انتخابات أيار بتركيا. لكنّ تركيا كانت هي المبادِرة قبل أشهر إلى المطالبة باستعادة العلاقات، بل وطُرح وقتها أن يتدخّل الروس لجمع الرئيسين التركي والسوري بعد لقاءات بين الأمنيين من البلدين. لماذا لا يقبل الأسد التفاوض بدون شروط؟ يقال أنّه يأمل تغييراً في الانتخابات التركية قد يؤدّي إلى زوال إردوغان، وكما هو معروف فإنّ أحزاب المعارضة التركية تطالب جميعاً بالخروج من المستنقع السوري ورجوع المهاجرين السوريين الكثر في تركيا إلى سوريا خلال عشر سنوات.

 

لا أحد يطالب بتغيير الأسد

إلى ذلك كان وزير الخارجية السعودي قد قال في مؤتمر ميونيخ إنّ جهود تغيير النظام السوري قد فشلت، وهناك رأي لدى دول عربية عدّة يدعو إلى عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية. أمّا الولايات المتحدة وأربع دول أوروبية فقد قالت في بيان إنّه لا علاقات مع النظام السوري إلا إذا تقدّم الحلّ السياسي بحسب القرار الدولي رقم 2254.

ما يحصل في سورية حصل في تونس عندما قام الرئيس التونسي بعزل القوى التي أخذت السلطة بعد الثورة وفي طليعتها حركة النهضة الإسلامية

وهكذا يبدو أنّ أحداً ما عاد يطالب بتغيير الأسد أو إسقاطه، سواء تقدّم الاعتراف أو تأخّر.

وما يحصل في سورية حصل في تونس عندما قام الرئيس التونسي بعزل القوى التي أخذت السلطة بعد الثورة وفي طليعتها حركة النهضة الإسلامية. في حين سقط الإسلاميون في الانتخابات بالمغرب سقوطاً مدوّياً، وعادت الأحزاب التقليدية إلى السلطة ومن خلال الانتخابات أيضاً.

بدأتُ بتونس بعد سورية، لأنّ “الثورة” اعتُبرت ناجحةً فيها، وهي لم تعد كذلك. لكنّ اللافت هي الأخبار المتوالية عن لقاءات بين ممثّلين لقائد الجيش الليبي خليفة حفتر وبين ممثّلين للدبيبة رئيس حكومة الوحدة، فيما المفروض أنّ حفتر والدبيبة خصمان. وفي الوقت نفسه اتصالات بين حفتر وسيف الإسلام القذافي، والغرض من هذه التواصلات تسهيل حصول الانتخابات البرلمانية والرئاسية آخر هذا العام كما يريد ذلك الدوليون. ولحصول الانتخابات لا بدّ من سلطةٍ أمنيّةٍ واحدةٍ أو وزارة داخلية واحدة.

في الذكرى العشرين لاحتلال العراق من جانب الأميركيين، يبدو كلّ شيء هشّاً ومتنازَعاً عليه. لكنّ أحداً بالطبع لا يتصوّر إمكان عودة عهد صدّام أو أزمنة “القاعدة” و”داعش”.

وأمّا آمال اليمنيين المتضائلة بإمكان وقف الحرب لا يبدو أنّ هناك ما يشي بالرفع من وتيرتها. إنّما مع الاتفاق السعودي – الإيراني قد تستجدّ ظروف تساهم في تحسين الأوضاع مثل النجاح النسبي في مفاوضات تبادل الأسرى الجارية في جنيف بين الحكومة والحوثيين. وإذا حصلت إفادةٌ أكبر فقد تتجدّد الهدنة التي يجري خلالها التفاوض على إنهاء مشكلة باخرة “صافر” البترولية المتهالكة أمام شواطئ الحُديدة. وربّما تتجدّد مفاوضات فكّ الحصار عن مدينة تعز. إنّما في اليمن أيضاً لا أمل في العودة إلى ظروف ما قبل عام 2011. فالحوثيون صاروا قوة كبيرة، ومسيطرة في معظم محافظات شمال اليمن. ولا يرجّح المراقبون أن يقبل الحوثيون ولو أوقفوا القتال بالعودة إلى الحلّ الفدرالي بحسب القرار الدولي رقم 2216. ولذلك يبدو الأفق قاتماً تماماً مثلما هو عليه الأمر في المسألة السورية وإن بقي الرئيس السوري.

ماذا ستفعل إيران؟

ماذا ستفعل إيران بميليشياتها في سورية ولبنان واليمن… والعراق؟ يبدو من ارتباك نصر الله بعد العلم بالاتفاق أنّ الأمر لن يكونَ مريحاً لها وعليها. فحتى في سورية تقول الأخبار إنّ الإيرانيين ينقلون ميليشياتهم من نواحي دمشق إلى نواحي حمص لأسباب أمنية. كما أنّ النظام السوري يطالب الإيرانيين وميليشياتهم بالجلاء عن دير الزور، حتى لا يتعرّضوا لضربات من الإسرائيليين أو التحالف الدولي.

استثمرت إيران كثيراً في ميليشياتها، وبخاصةٍ حزب الله. وقد تكتفي بالطلب منهم أن يهدأوا. إذا تفعّل الاتفاق الإيراني – السعودي فلن تسعى إيران إلى فتح جبهات جديدة. لكنّها لن تتخلّى عن أنصارها وعن الميليشيات التي تنتشر في عدّة دول، وليس في سورية وحدها، أو لبنان وحده.

وحده السودان يبشّر بتغيير كبير وسلمي. لكنّ التفاؤل الزائد لا مبرّر له، بحسب تعبير كثيرٍ من السودانيين الذين مرّوا بتجارب مريرة. المهمّ أنّك بنظرةٍ عابرةٍ تستطيع أن تتبيّن تغييراً بعد انقلاب عام 2019 باتجاه الحكم المدني بعد ثلاثين سنة من الحكم العسكري.

إقرأ أيضاً: ماذا لو كانت إيران صادقة؟

لدنيا نفوذ إيراني في أربع دولٍ عربية. إنّما من الصعب أن ننسب الفشل في التغيير إليها وحدها. وهناك ثلاث دول عربية أخرى فيها اضطراب، وهي تونس وليبيا والسودان، ولا شأن لإيران بها. وفي حالة كلٍّ من الدول السبع هناك خصوصيات وإن كان النفوذ الإيراني في بعضها عاملاً بارزاً. ربّما تتغيّر العلاقات داخل الدول وبينها نتيجة الاتفاق المذكور، لكنّ النزاع الدولي المتفاقم يحول دون التقدّم باتجاه الاستقرار وعودة النموّ في كلّ دول الاضطراب. ويبقى السؤال الذي ذكرناه في عنوان المقالة، وهو: هل هي العودة إلى ما قبل الثورات؟ أو بالأحرى: لماذا فشل التغيير؟

 

لمتابعة الكاتب على توتير: RidwanAlsayyid@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…